رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الدكتور توفيق حميد المفكر والباحث الإسلامي فى أمريكا

من دفتر أحوال الإسلام السياسي.. «أمان» يرصد واقع ومستقبل الإرهاب مع باحثي الملف (حوار 2)

الدكتور توفيق حميد
الدكتور توفيق حميد

ــ الدكتور توفيق حميد: مصر تقوم بجهود جيدة جدًا تقوض جهود جماعات الإسلام السياسي 

ــ تراجع دعم قطر وتركيا إذا حدث سيكون ضربة قوية للإخوان 

ــ التنظيمات والجماعات في حالة ترنح سياسي نظرًا للظروف الدولية وفي المنطقة 

ــ دراستي للطب جعلتني أتخصص كباحث في الإسلام السياسي لإنقاذ الناس 

ــ انضممت للجماعة الإسلامية في قصر العيني لمدة سنتين 

ــ طلبوا منى ممارسة العنف وقتل ضابط شرطة مصري.. فكانت اللحظة الفارقة لتحولي وتركتهم

على الرغم من اختلاف التفسيرات حول المعنى الحقيقي لمصطلح "الإسلام السياسي" وبدايته الفعلية، إلا أن المعروف عنه أنه يعبّر عن جميع التيارات الأيديولوجية والسياسية التي تهدف إلى إقامة ما يسمى "دولة الخلافة" تقوم على مبادئ الإسلام، سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع.

لكن يبدو أن "الإسلام السياسي" مؤخرًا يستعمل للتعبير عن الراديكالية الدينية والعنف الإرهابي، فيما أشارت بعض المراجع إلى أن الإسلام السياسي هو مفهوم نشأ في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين لتوصيف ظاهرة عودة الدين إلى المجال السياسي، كرد فعل على الأنظمة العلمانية بالدعوة إلى العودة للشريعة وإقامة دولة إسلامية.

وهناك باحثون كثيرون في مجال الإسلام السياسي وجماعاته الإرهابية كالإخوان وطالبان وداعش وتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات، لكن، ما هي المخاطر وراء العمل كباحث في شئون الإسلام السياسي؟ وما هي توقعات الباحثين فيما يخص مستقبل تلك الجماعات المتطرفة؟

"أمان" ينشر فى هذه السلسلة عددًا من الحوارات مع باحثي ملف الإسلام السياسي والمتخصصين فيه، وإليكم الحوار الثاني مع الباحث في الإسلام السياسي، الدكتور توفيق حميد، المقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية، حول بدايته في المجال ورؤيته لجماعات الإسلام السياسي، وإلى نص الحوار.

• متى بدأت رحلتك المتعمقة في البحث في شئون الإسلام السياسي؟

الحقيقة أن الرحلة قديمة جدا، بدأت عندما كنت في الثانوية عندما بدأت أفكر في وجود الله من خلال دراستي علم الأحياء، وقد كنت أرى في شرائط الأحماض النووية جمال الله وعظمته، ليبدأ ارتباطي بالله أولا قبل ارتباطي بالدين.

بعد ذلك تم استغلال هذا الاهتمام الشديد داخل الجماعة الإسلامية المصرية بكلية طب قصر العيني التي تخرجت فيها، وأدركت تلك الجماعة أن لدىّ قدرات معينة في الكلام، والخطابة، والشعر، والقرآن وأني قد أفيدهم، فبدأوا في الالتفاف حولى ودعوتي إلى الصلاة معهم والانضمام إلى الجماعة الإسلامية المصرية.

انضممت لهم سنة 1978، ولمدة سنتين، خلال تلك الفترة كان هدفي أن أقيم ما كنت أظنه شرع الله والشريعة وحكم الله وأن الحكام الحاليين (في وقتها) كفرة والحكومة كافرة، وكل ما تراه منهم كنت قد اقتنعت به لفترة، لكن الحمدلله لم أقم بأي عملية عنف ضد أي أحد رغم أن فكري كان سيذهب إلى العنف حيث كنت أفكر أن أذهب إلى أفغانستان وفعلا كان أحد أحلامي لكن تراجعت عنه لأسباب معينة؛ منها على سبيل المثال عندما دعوني لممارسة العنف وقتل ضابط شرطة مصري ودفنه حيا، كانت تلك لحظة فارقة لدىّ وبدأت أتركهم بعد فترة تقارب السنة ونصف السنة إلى السنتين، لأقول بعدها "هذا فراقٌ بيني وبينكم".

وبدأت مرحلة البحث داخل الإسلام ومحاولة إصلاح ما أفسده هؤلاء داخل الفكر الديني.

• ما هي خطورة العمل كباحث في شئون الإسلام السياسي؟

خطورته تكمن في شيء أساسي أنك تغامر في حياتك، وممكن أن يتسبب بالأذى لك ولأسرتك، يحاولون محاربتك بكل الوسائل حتى وإن كانت تمس حياتك وتمس عملك الآخر، ويمنعونك من أخذ أي فرصة، وأخطرها هي على حياتك، حيث أنك مهدد في أي لحظة أن يطلقوا عليك النار، وتتعامل مع أشخاص إرهابيين يمكن أن يفعلوا أي شيء، هذا ما أراه الأكثر خطورة في العمل في هذا المجال.

فأنت تحارب جماعة وأنت بمفردك ليس معك أحد أمام جماعات منظمة، لك أن تتخيل إحساس خطورة الأمر، أن الكثير من الناس، وليس أنا فقط، ممن يعملون في مجال الإسلام السياسي ونقده نكون فرادى أمام جماعات قد تؤذيك أو تقتلك أو تتدخل لدى بعض الأجهزة لتوقف انطلاقاتك الفكرية ونجاحاتك.. نوع من الصراع يجب أن تدفعه لأخذك موقفا معينا لنصرة مبادئ بعينها.

- 3 إيجابيات للبحث في شئون الإسلامم السياسي

• ما هي إيجابيات العمل كباحث في شئون الإسلام السياسي؟

من أهم إيجابيته أنك تدافع عن مبدأ، مبدأ رائع ينصر الحياة الإنسانية ضد الإرهاب والوحشية والهمجية والظلامية، أنت تقف هنا في مرحلة تاريخية هامة وفي يدك شعلة نور للناس لتمحو بها ظلام هذه الجماعات.. هي المشاعر النفسية لا أستطيع أن أقول إن هناك ما يعلوها أو حتى تصفها بصورة مادية، فهي معنى كبير، أن تدافع عن مبدأ وتقف مع الحق، وضد الظلم والجهل والظلام التي تدعو إليها تلك الجماعات.

النقطة الثانية في الإيجابيات، أنك تشعر أنك تدافع عن دين تم تشويهه بصورة مرعبة من قِبَل أفراد بعينها سواء بصورة متعمدة أو غير متعمدة، لكن تمت عملية تشويه كبيرة لهذا الدين.. حينما تقف لتزيل هذا التشويه وتعرض صورة حقيقية كانت غائبة عن أعين الكثيرين وتقف ضد فكر هذه الجماعات، فأنت تمنعهم من تشويه الدين وتحافظ على جوهر الدين الحقيقي.

الأمر الثالث بالنسبة للإيجابيات، هو قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، حينما تقف وبقوة ضد جماعات الإسلام السياسي وتساعد على إنهائها، فأنت تحمي الكثيرين من الإرهاب، بمعنى أنك تنقذ أرواح كثيرين، وكما قال القرآن: {مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.

أنا هنا أشعر أنه من الإيجابيات أني بمنعي هذا الفكر ومقاومتي له أُضعف فكر الإرهاب الذي يتسبب في قتل العشرات بل والمئات وقد يكون الآلاف من الضحايا الأبرياء، فأنت تمنع قتل ناس، تمنع دموع أم على ابنها الذي مات، تمنع صراخ أرملة فقدت زوجها في عملية إرهابية، تمنع تيتم طفل على يد هؤلاء الإرهابيين المستقين فكرهم من جماعات الإسلام السياسي وفكرها، وأنت تعطي حياة بأمر ربك طبعا، وتعطي بسمة وأملا، وتحمي الكثيرين، سواء من الذين سيموتون أو من الضحايا الذي يخرجون ومنهم الذي أصيب بالعمى أو الشلل أو فقدان الأيدي والأرجل، كل ذلك تستطيع منعه بمقاومة جماعات الإسلام السياسي.

- أسباب التخصص في هذ المجال

• ما الذي دفعك للبدء في التخصص كباحث في الإسلام السياسي؟

أولا أنا أساسا طبيب بشري ومهمتي إنقاذ البشر، والتخصص في الإسلام السياسي كما ذكرت سيساعد على منع الإرهاب وينقذ حياة بشر، أنا أراه استمرارا لنفس الرسالة الإنسانية للطب وفي نفس الاتجاه.

ثانيا، حباني الله بنوع من العلم والخبرات التي قد يراها البعض متميزة، فانضمامي لهم لسنتين وفهمي فكرهم من الداخل، وبعد تركي لهم بدأت أطور مناهج فكرية وتعليمية وطريقة تفكير وتفسيرات ضد مفاهيمهم، أحسست أن المعرفة التي أعطاني إياها الله من الممكن أن تكون مفيدة جدا، مما ساعدني أكثر أن أتجه إلى هذا الأمر والتخصص.

ثالثا، وجود قبول من هيئات عالمية ضخمة على مستوى الكرة الأرضية كلها، تحدثت في الكونجرس الأمريكي، في وزارة الدفاع الأمريكية، في البرلمان الأوروبي، كتبت في "وول ستريت جورنال" وفي أكبر مجلات العالم كتبت، وقفت أمام قضاة أمريكا العظام وكنت أنا المتحدث الرئيسي، كل ذلك هو قبول لفكرك وإحساس الناس أنك ذو عمق فكري يحترم، وأن هناك معنى لما تقوله وأنه مقيّم، مما يشجعك أكثر على أن تعطي أكثر في هذا المجال.

بالإضافة إلى عوامل أخرى من ضمن الأمور التي درستها ومتخصص بها، كطرق التدريس وتطويرها بطريقة تجعلها مؤثرة ومفيدة، ووجدت أن معلوماتي الدينية على خبراتي في الجماعات الإسلامية من تجربة حقيقية وقدراتي على تطوير طرق تعليمية مفيدة للناس من خلال وسائل متطورة للغاية في عرض الأفكار، كل هذه الأمور أسلحة وعوامل أعطاني إياها الله، فاعتبرتها أمانة حملتها وحمّلني إياها الله، فكان لا بد أن أعطي هذا التخصص الكثير من اهتمامي.

• ما هي النقاط التي إذا اختفت في جماعات الإسلام السياسي تجعلهم يتحولون من جماعات مرفوضة دوليًا إلى مقبولة دوليًا؟

الحقيقة يوجد ثلاث نقاط رئيسية أرى أنه لا يوجد مجال لقبولها، والتي إذا اختفت يمكن أن نقول إنها ستصبح مقبولة.. أول تلك الأمور، إن رفضوا وبوضوح، وبكلام لا يحتمل التأويل، فكرة ومبدأ استخدام العنف كوسيلة لفرض الفكر الديني الخاص بهم على الآخرين {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}، باختصار شديد هذا ما يقوله القرآن وهم يريدون استخدام العكس؛ العنف لفرض فكرهم.

ثانيا، أن يعلنوا، دون استخدام كلمات زئبقية تفهم بأكثر من معنى أي واضحة وصريحة لا تقبل التأويل، اعتبارهم أن الإرهابيين وكل عمليات القتل التي تمت على أيدي الدواعش والجماعات المتطرفة وكل العمليات التي تمت ضد مدنيين وعسكريين وغيرهم أنه خروج عن الإسلام، وأن يعلنوا أن كل من يفعل ذلك فهو خارج عن ملة الإسلام، فهم يستخدمون هذا التعبير (خارج عن ملة الإسلام) مع خصومهم، لكنهم يحرقون المدارس ويقتلون أشخاصا، مثل المستشار هشام بركات.

ثالثا، أن يعلنوا بوضوح أن فكرة دولة الخلافة ليست أهم ولا أعظم ولا أرقى من فكرة الدول، بمعنى احترام الدول والحكومات وقواعدها، وعدم الدعوة لفكرة كالخلافة التي تعرف بمفهوم بسيط جدا هو إنهاء الحكومات الموجودة تماما واستبدالها بسيطرتهم هم.

- حالة ترنح لجماعات الإسلام السياسي

• كيف ترى وضع جماعات الإسلام السياسي حاليًا؟

أنا أنظر لها على ثلاثة محاور، أهمها: المحور المادي أو المالي، وأستطيع القول إنهم يمتلكون أموالا كثيرة، قد يكونون تأثروا إلى حد ما، لكنهم لا يزالون قادرين ماليا ولوجستيا على إحداث مشاكل، لكن عامة أراهم أنهم في حالة ترنح.

وهذا سببه شيئان، أولهما: الهجوم الرهيب الأيديولوجي عليهم وعلى فكرهم من قبل الكثير من المستنيرين ودعاة التنوير في المجتمعات العربية وغيرها، وعجزهم عن السيطرة على ما يعرض على شبكات التليفزيون العالمية والإنترنت ولا يستطيعون منعها، وبالتالي فإن درجة الهجوم على إيديولوجيتهم غير مسبوقة وتستخدم تكنولوجيا الإنترنت، لذا فهم في حالة ترنح أيديولوجي ونراها في أن الشباب يعزف عن الفكر والاتجاه الديني ونقد الناس لهم.

ثانيها (أسباب حالة الترنح): وجود ترنح سياسي بسبب بدء التحركات في المنطقة، وبالذات مصر التي بدأت تقوم بعلاقات جيدة جدا كدولة تمكنها من التغلب عليهم وتقوض جهودهم.

• في حال انتهاء خطر جماعات الإسلام السياسي.. ما الذي سيكون الخطر البديل لها برأيك؟

الخطر الذي قد يظهر كبديل لها هو محاولة أو سيطرة من مواقع التواصل الاجتماعي على الشعوب والحكومات، وأن تصل إلى قدرة من السطوة والسيطرة إلى التدخل في قرارات الحكومات، وتبدأ تسيطر على الشعوب وتفعل ما تريد بالناس.

ففي حالة محونا للإسلام السياسي من المعادلة على سبيل الجدل، فإن أكبر خطر هو سيطرة مجموعات أخرى قد تمتلك أفكارا متطرفة لكن في اتجاهات أخرى على شبكات التواصل الاجتماعي، ومن ثم يقومون بمثل ما فعلوه بترامب من منعه من حتى التحدث للناس، والسيطرة على عقول الناس من خلال بث أفكارهم هم ومنع الآخرين من عرض أفكارهم.

• ما هي توقعاتك لتنظيم داعش الإرهابي والقاعدة فى 2021؟

تلك الجماعات لديها ما يكفي لعمل بعض المشاكل لفترة محدودة، لكن إذا تم منع الدعم باتفاق مع الدول الداعمة لهم وحصل تقليل فعلي للدعم لهم، سواء اللوجستي أو المالي، أعتقد أن ما سيتبقى لديهم سيمكنهم من الاستمرار في المرحلة الأولى حتى يثبتوا أنهم ما زالوا موجودين، لكن، سيبدأ الدعم يضعف مع المفاوضات التي تحدث، مما سيفصح عن ضعفهم بعد المرحلة الأولى التي سيقومون فيها بإجراء عمليات ضخمة لإثبات عدم تأثرهم.

أتوقع في بداية 2021 أنهم سيحاولون عمل بعض الأشياء هنا وهناك على حسب قدرتهم، وإذا نجحوا سيكون نجاحا محدودا، لكنهم بعد ذلك سيضعفون نتيجة ضعف التمويل لهم، المعتمد بدوره على نجاح سياسي من إضعاف أو تقليل الدول الداعمة لهم مما سيضعفهم أكثر فأكثر ويكون بمثابة صدمة كبيرة لهم.

• ما تقييمك لجماعة الإخوان الإرهابية خاصة قياداتها الهاربين خارج مصر؟

بالنسبة لوضعهم المالي فهم أقوياء ماليا ولديهم شركات ضخمة وأموال كثيرة في منظمات تابعة لهم ولا ينبغي الاستهانة بقدرتهم في هذا الشأن، قد يضعفون قليلا بضعف الدعم من بعض الدول لكن لا ينبغي الاستهانة بقدراتهم أبدا لأنها ليست بالقليلة وأنا أتحدث عن يقين في هذا الأمر.

هم يستطيعون الدخول داخل الحكومة الأمريكية وأن يؤثروا داخليا، عن طريق كتابة مقالات ومساعدة أشخاص، مثل إلهان عمر التي ستصل إلى الكونغرس الأمريكي، وعبر أبناء الإخوان والذين لا يزال الكثير منهم معتنقا للفكر، وعرفوا قواعد اللعبة.

على المستوى المالي، لا ينبغي الاستهانة بهم لأنهم يمتلكون القدرة على الاستمرار لفترة، ويمتلكون أفرادا كثيرين يعرفون قواعد اللعبة في العالم الغربي، ولديهم قدرات لغوية وعلاقات تساعدهم على الاستمرار، لكن العامل الفارق والأهم هو الدعم الدولي؛ لأنه بمثابة المحرك الذي يعطيهم قوة غاشمة، وفي حال فقدانهم هذا العامل ستكون ضربة قوية تضعفهم بشدة ولكن لن تكون الضربة القاضية، لأنهم يمتلكون الناحية المادية والأفراد من الأجيال الجديدة الذين يفيدونهم ويمتلكون آليات الاستمرار.

تقييمي أنه سيحدث درجة لا بأس بها من الإضعاف لهم في حال تراجع تركيا وقطر تماما عن الدعم لهم، مما سيكون ضربة كبيرة لهم، لكنها لن تكون ضربة قاضية لأنها ستحتاج إلى إجراءات أخرى.