رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

د. محمد توفيق يفجر القنبلة: ليس على المسلم إلا أن يطالع كتاب الله(1)

جريدة الدستور

محمد توفيق صدقى: ما زاد من السنة عن الكتاب إن شئنا عملنا به وإن شئنا تركناه.. وما فيها من الحكم نقبلها على العين والرأس

صدقى: على المسلم أن يستنتج جميع ما يجب عليه فى دينه ودنياه بعد مطالعة القرآن الكريم

الأحاديث لم يكتب منها شىء إلا بعد عهد الرسول بمدة تكفى لأن يحصل فيها كثير من التلاعب


هذا عنوان مقال لى جديد، أريد أن أفصح فيه عن رأى أبديه لعلماء المسلمين، المحققين منهم لا المقلدين، حتى إذا ما كنت مخطئا أرشدونى، وإذا ما كنت مصيبًا أيدونى، وبشىء من علمهم أمدونى، فإنى لست ممن يهوى الإقامة على الضلال، ولا ممن يلتذّ بحديث مع الجهال، فلذا أجهد النفس فى تحقيق الحق وتمحيصه، والإسراع إليه إذا ما بدا لى بارق من بصيصه، وها أنا ذا أشرع فى إيضاح المقصود بالتدقيق، راجيًا من الله التوفيق، للهداية إلى أقوم طريق فأقول: لا خلاف بين أحد من المسلمين، فى أن متن القرآن الشريف مقطوع به؛ لأنه منقول عن النبى صلى الله عليه وسلم باللفظ بدون زيادة ولا نقصان، ومكتوب فى عصره بأمر منه عليه السلام، بخلاف الأحاديث النبوية فلم يكتب منها شىء مطلقًا إلا بعد عهده بمدة تكفى لأن يحصل فيها من التلاعب والفساد ما قد حصل، ومن ذلك نعلم أن النبى عليه السلام لم يرد أن يبلغ عنه للعالمين شىء بالكتابة سوى القرآن الشريف الذى تكفل الله تعالى بحفظه فى قوله جل شأنه: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر: ٩) فلو كان غير القرآن ضروريًا فى الدين لأَمَرَ النبى بتقييده كتابة ولتكفل الله تعالى بحفظه، ولما جاز لأحد روايته أحيانًا على حسب ما أداه إليه فهمه.

فإنْ قيل: إن النبى لم يأمر بكتابة كلامه لئلا يلتبس بكلام الله، قلت: وكيف ذلك والقرآن معجز بنظمه ولا يمكن لبشر الإتيان بمثله ولِمَ لَمْ يضمن ما فى الأحاديث من الواجبات كما ضمن ما فى القرآن حتى نأمن عليه من التغيير والتحريف والاختلاف، ولما كان بعض الدين قرآنًا والبعض الآخر حديثًا، وما الحكمة فى ذلك، وما الفرق بين الواجب بالقرآن والواجب بالسُّنة؟، فهذه بعض أسئلة ألقيها على الباحثين ليجيبوا عنها إن كان ثَم جواب.

سأل بعض الصحابة النبى صلى الله عليه وسلم: (هل يجب الوضوء من القىء؟) فأجاب عليه السلام: (لو كان واجبًا لوجدته فى كتاب الله تعالى) فهذا الحديث صح أو لم يصح، فالعقل يشهد له ويوافق عليه، وكان يجب أن يكون مبدأ للمسلمين لا يحيدون عنه. ولكن ويا لَلأسف لَحِقَ المسلمين ما لحق غيرهم من الأمم، فدفع بهم فى ظلمات فى بحر لُجىّ يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب، ظلمات بعضها فوق بعض، إذا أخرج أحدٌ منهم يده لا يكاد يراها، ومن لم يجعل الله له من كتابه نورًا فما له من نور.

ولع الناس فى الأعصر الأولى بالروايات القولية ولوعًا، وتفاخروا بكثرة جمعها جموعًا، حتى ملأت الأحاديث الآفاق، وكثر فيها التضارب والاختلاف.

وصار من المستحيل أن يعمل الإنسان بدينه بدون أن يقلد غيره ممن أفنوا أعمارهم فى عمل مذهب لهم فأصبح التقليد من أوجب الواجبات فى دين المسلمين بعد أن كان من ألدّ أعداء القرآن المجيد. تنوعت المذاهب واختلفت المشارب وتعددت الآراء فى كل فرع من فروع الفقه حتى تجد فى كل مسألة أن كل ممكن من الممكنات العقلية قد صار مذهبًا لأحد الأئمة ووجب على المقلدين القول «بأن الكل على الحق» فأصبح القول باجتماع الضدين بل النقيضين عقيدة من عقائد الدين بين المسلمين فحق عليهم القول بأن سيتبعون سنن مَنْ قبلهم حتى لو دخلوا جُحْر ضب لدخلوه.

أراد بعضهم أن يزيل عن العين الرمد فقال بسد باب الاجتهاد. وبذلك شفى الرمد بالإعماء، فصار كل من أراد أن يستعمل عقله فى الدين رموه بأنه من المارقين وهكذا ضاع الحق بين الأباطيل: ولولا عناية الله لأزهقت رُوحَه الأضاليلُ.

نظر المجتهدون فى الأحاديث نظرة علموا ما فيها من الاختلاف، وتحققوا أن أكثرها موضوعات، ولما أراد كل منهم أن يستخرج مذهبه اضطر أن يرفض منها ما صح عند غيره، فهل يعقل أن الله يدين العالمين بشىء لا يمكن لأحد أن يميز حقه من باطله؟، وهل يعذر المسلمون فى تركهم القرآن خلف ظهورهم والاشتغال عنه بهذه المذاهب وصرف الوقت فى مراجعة الروايات التى لا تحصى لظنهم أن القرآن غير وافٍ بالدين كله، والله تعالى يقول: «مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَىْءٍ» (الأنعام: ٣٨) وإذا صحت مذاهبهم، فأى تفريط أكبر من ترك القرآن لأكثر واجباتهم فى الصلاة والصوم والحج والزكاة وغير ذلك؟.

دين الله سهل ميسور، والتقليد فيه محظور، فلو كان العمل بما فى الأحاديث واجبًا لَلَزِمَ كل مكلف أن يترك أى شغل آخر ويقضى الليالى الطويلة فى مطالعة المجلدات الضخمة من كتب الحديث، ليعرف الضعيف والصحيح والموضوع، والحسن والموقوف والمرفوع، والناسخ والمنسوخ: فهل فى شرعة الإنصاف أنى.. أكلف خُطَّةً لا تستطاع؟.

يحتج السنيون على صحة قولهم بنحو قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِى الأَمْرِ مِنكُمْ» (النساء:٥٩) ولكننا نحن القرآنيين نقول: إن إطاعة الرسول لا نزاع فيها ولكن النزاع فى مسألة أخرى وهى: هل يفرض علينا الرسول فرضًا لم يفرضه كتاب الله؟، فإذا كان ذلك صحيحًا فهل لأولياء الأمر أن يفرضوا علينا صلوات سبعًا بدل الخمس أو صيام شهرين بدل الشهر ونحن مأمورون بطاعتهم مثل طاعة الرسول؟، وإذا كان الأمر كذلك فما بال جميع أصحاب المذاهب ميزوا بين أمر الله وأمر الرسول أو بين الواجب والسنة وبين المفروض والمندوب؟، أليس ذلك إقرارًا منهم بالفرق الهائل بين الكتاب والسنة؟.

نحن لا نجهل أن كل مذهب منها يقول ببعض فرائض لا أثر لها فى الكتاب، ولكن الذى نلاحظه على أصحابها ونشكرهم عليه أنهم كانوا دائمًا يجتهدون أن يأخذوا دليلهم على الفرضية من الكتاب إن أمكنهم حتى إن كثيرًا منهم قال بعدم وجوب أشياء كان النبى عليه السلام يواظب عليها ويأمر أصحابه بها، إذ لم يجد دليلًا عليها من القرآن، فأبوحنيفة مثلًا قال بأن قراءة الفاتحة فى الصلاة ليست بواجبة؛ لأنه لم يجد أمرًا بذلك فى كتاب الله، وكذلك قال فى الاستنجاء، وذهب الجميع إلى القول بأن المضمضة والاستنشاق ليستا من فرائض الوضوء، وغير ذلك كثير حتى إنك تجدهم يستنبطون كل ما قالوا بأنه فرض من الآية الواردة فيه، وبعد ذلك يقولون بأن ما زاد عليه فهو سنة، ولو لم يثبت أن النبى تركه مرة واحدة، أليس ذلك أثرًا من آثار الفطرة السليمة الباقية فى نفوسهم؟.

إذا نظر ناظر فى جميع المذاهب المعروفة واستخرج منها جميع ما أجمعوا على وجوبه وجد أنه كله مستنبط من القرآن الشريف إلا مسائل قليلة جدًا أذكر منها بعضها لأهميتها كعدد ركعات الصلاة، ومقادير الزكاة وما يتعلق بها.

لا شك عندى أن هاتين المسألتين متواترتان عن النبى صلى الله عليه وسلم فليس ذلك محلاًّ للنزاع، ولكن محل النزاع هو هل كلُّ ما تواتر عن النبى أنه فعله وأمر به يكون واجبًا على الأمة الإسلامية فى جميع الأزمنة والأمكنة، وإن لم يرد له ذكر فى القرآن رأيى أنه لا يجب. وربما كان ما يفعله النبى صلى الله عليه وسلم هو مندوبًا إليه ندبًا شديدًا أو أنه تطبيق لأوامر القرآن الباقية على أحوال الأمة العربية، بحيث إن غيرها من الأمم لها أن تستنبط من الكتاب ما يوافق أمورها وأحوالها كما سنبين ذلك فى مسألة الزكاة.


أوراق ووثائق معركة "الإسلام هو القرآن وحده"