رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المفكر الأردني يسار خصاونة لـ"أمان": مساحة العنف تزداد.. ونحتاج إلى قيم التسامح

جريدة الدستور

لقد كان للأمة في السابق مرجع ديني واحد والآن أصبح لكل مسلم شيخ ومرجع

الفكر الإنساني على مدى التاريخ حمل في داخله ثلاث بذرات.. القناعة، الرفض، والغلو

استخدام كلمة الدعشنة في أدبياتنا انتصار للفكر المتطرف ودليل على اختراقهم ثقافتنا

المتدينون يرفعون شعارًا واحدًا هو ما دمت منحازًا إلى الله فأنا متفوق ومعتقداتي يجب أن تسود

مساحة العنف تزداد في مجتمعنا الآن سواء الأسري والجامعي والديني والمنبري الإعلامي

نحن أنانيون ولم نفكر بخلق جيل من الشباب للقيادة

الوطن العربي ليس غريبًا عن العالم المتطور هو ابنٌ للمعرفة الإنسانية والثقافة العالمية




المفكر الأردني يسار خصاونة له باع كبير في قضايا الفكر والثقافة والوعي المجتمعي.. خاض معارك فكرية كثيرة حول مفاهيم الهوية والتربية المجتمعية والتنشئة البيئية والثقافية.

له حضور في كتابة الخاطرة والمقال والنقد المجتمعي، وهو ما يغيب عن مجتمعاتنا العربية والإسلامية، زار القاهرة مؤخرًا وناقشه عدد من المثقفين المصريين والعرب حول كتابه الجديد "سحب متراكمة"، حول أفكاره الجديدة عن التطرف وقيم التسامح والتربية والتعليم كان لنا هذا الحوار:

> في تصورك.. كيف نعالج ظواهر الغلو والتطرف من داخل عباءة الدين؟

- كل فكر إنساني على مدى التاريخ حمل في داخله ثلاث بذرات، القناعة، الرفض، والغلو، والأمثلة كثيرة على ذلك منها تشديد رسول الله على الوسطية، وخير الأمور الوسط، وفي الأمثال لا تكن لينًا فتعصر ولا يابسًا فتكسر، العودة للمفاهيم الروحية والسلوكية في الدين هو سبيلنا للقضاء على الغلو والتطرف.

> هل نعيش في هذا التوقيت حالة من الدعشنة في كل شيء في الدين والسياسة والعمل الحزبي.. دعشنة في علاقة الرجال بالمرأة.. هل نحن داعشيون قبل أن تولد داعش؟

ـ أرجو عدم استخدام كلمة الدعشنة في أدبياتنا، فهذا انتصار للفكر المتطرف ودليل على اختراقهم ثقافتنا، ودليل على جهلنا بما يحدث أمامنا، هذه الجماعة لم تحمل فكرًا مستحدثًا، إنه تطرف فقط الذي بدأ مع قابيل وهابيل، فلماذا نلغي تاريخًا إنسانيًا ونقف عند فترة قصيرة جدًا جدًا، لقد أراد الإعلام الغربي أن يضع هذا الكلمة مصطلحًا في ثقافتنا كما وضع كلمة مخربين وإرهابيين، أما بالنسبة إلى التطرف فإنه جزء من السلوك البشري فكريًا وسياسيًا واجتماعيًا ودينيًا، وإن القيادات السياسية والعسكرية والدينية في العالم كله وليس العربي فقط تقاوم من يخالفها في الرأي أو النهج أو الهدف وأتحفظ على ذكر أسماء هذه الدول الغربية أو العربية.

> لك تعبير شهير أطلقته في مقالاتك "العنف المنبري".. هل من الممكن أن يتحول المنبر من الدعوة إلى العنف؟

ـ التطرف سلوك ناتج عن ثقافة الجهل والنتيجة الحتمية لهذا السلوك هو العنف، فجهلنا يؤدي بنا إلى التطرف والتطرف يعطينا مساحة واسعة من العنف بكل مسمياته، الأسري والجامعي والعسكري والديني والمنبري الإعلامي وغيرها.

> تعاني بعض المجتمعات العربية من ظاهرة التدين السطحي أو ظاهر التمسك بالمظاهر الدينية ونجد البعض يتخلى عن القيم والمبادئ والاخلاق.. في رأيك هل عندنا فائض في التدين أم نقص في الأخلاق؟

ـ ثقافتنا متعددة ومختلفة فهي ثقافة بيت ولكل بيت ثقافته وتصور معي كم من الثقافات تسكن مجتمعنا الصغير "المدينة أو القرية" نحن لم تحكمنا ثقافة جمعية، وكم نحن بحاجتها، ولن تكون دون دولة قانون، أقول لك لا توجد دولة عربية تحكم بالقانون، وحده القانون يجمعنا، ويحفظ لنا معتقدنا الديني أيّاً كان. 

المتدينون يرفعون شعارًا واحدًا هو "ما دمت منحازًا إلى الله فأنا متفوق، ومعتقداتي يجب أن تسود ولو بالقوة"، ويؤكد جمي كارتر، الرئيس الأمريكي الأسبق، على هذه النزعة الأصولية، وقد وصلت إلى السياسيين الذين يقودون أمريكا، فهم يرفعون شعارًا يقول: أنا على صواب وأنت خطأ وتستحق العقاب، ويطالب كارتر المجتمع الأمريكي بأن يعود إلى صوابه، ويبتعد عن الأصولية التي تهدد الأخلاق بمجموعها.

> هل صورة العالم والشيخ تحتاج إلى تعديل في تصورنا وسلوكياتنا؟

ـ لقد أصبح شيوخنا يتكالبون على صعود المنابر الخشبية، والإلكترونية، والفضائية، ويتكالبون أمام قصور الحاكم العربي لنيل لقب معالي، مع الاحتفاظ ما في فعل تكالب من دلالات هي في سياق ما أريد.

باختصار شديد لأن المجال ضيق جدًا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لم نقرأ فتوى أفتاها أحد الصحابة مهما كان علو شأنهم، وباعهم الطويل في العلم إلا وعادوا بما اجتهدوا إلى الرسول، وفي عهد الخلفاء الراشدين لم نقرأ ايضا فتوى أفتاها أحد الصحابة إلا بالرجوع إلى الخليفة صاحب الأمر والنهي، حتي الخليفة نفسه كان يشاور الصحابة فما يشك فيه، وجاءت الدولة الأموية بعد ذلك وبقيت أقرب إلى التحكم بها، وفي العصر العباسي مال الناس إلى التراخي مما دفع أئمة اربعة في وضع اجتهاداتهم بين الناس، وفي عصر الإنترنت أصبح لمئات الآلاف من الشيوخ مواقع تويتر وصفحة فيسبوك وإيميل، إضافة إلى عشرات الفضائيات التي تحتفي بهم وقد يكونون شركاء في إنتاجها.

من المعروف أن أكثرهم أميون ونلمس ذلك من فتاويهم المضحكة المخجلة، ومنها تحريم خلوة الأب مع ابنته البالغة، وتحريم خلوة الرجل مع شاب وسيم، حتى وصل الأمر إلى جهاد المناكحة، والسماح للمرأة المتزوجة بأخذ إذن من زوجها للجهاد في سرير رجل آخر.

لقد كانت الأمة الإسلامية مرجعًا دينيًا واحدًا والآن أصبح لكل مسلم منا والحمدلله شيخ لا مرجع سوى رغبته في الظهورـ ولا يجد من يردعه، فمن يحمينا من شيوخنا إذن.

> بدورك في التجربة السياسية في الأردن ما الذي قصرنا فيه في العالم العربي لدفع الشباب إلى الريادة؟

نحن أنانيون بكل ما تحمله هذه الكلمة من دلالات اجتماعية، وانعكس هذا على سلوكنا الديني والسياسي، ولم نفكر بخلق جيل من الشباب للقيادة، وإذا نظرت إلى السياسيين والقياديين ستجد أن نسبة المسنين كبيرة.

> هل تنقص مناهجنا قيم التسامح والرقي والإخلال حتى لا يخرج متطرف في محيطنا العربي والإسلامي؟

ـ التربية، والتربية هي كل ما ينقصنا، والحديث فيها يطول، ولم ننجح بعد في وضع منهاج تربوي يحفظ أمتنا من الانهيار.

إنها كتاب حضارة، ومنهاج محبة، وأبجدية سلام، إنها حنجرتي ومنبري، وحاضنة إبداعي، هي موسوعتي الأدبية والفكرية والفنية والدينية من عصر مينا إلى اليوم، ما ينقصنا الوعي بكل جوانبه الدينية والاجتماعية والفكرية.

> سحب متراكمة وأجنحة الحكمة وغيرهما من المؤلفات.. ماذا تنتظر المكتبة العربية من يسار الخصاونة؟

ـ الذي فُطر على العطاء سوف يستمر، ولا يوجد في العالم ما يسمى مثقف متقاعد أو مفكر متقاعد أو فنان متقاعد، فعملية الخلق مستمرة وذات ديمومة.


> ماذا عن رحلاتك الأخيرة إلى مصر؟

ـ رحلتي إلى مصر لم تكن الأولى، وبإذن الله لن تكون الأخيرة، فقد شربتُ من ماء النيل ولا بدّ من العودة إليه، لكل رحلة ميزتُها، وطعمُها الخاص، وبصمتها الخاصة، ودهشتها الخاصة، وفي كل رحلة كنت أكتسب صديقاتٍ وأصدقاء جُدد تجمعني بهم اللقاءات الثقافية الفكرية، والودية، والإنسانية، وكم كانت سعادتي تزداد كلما زاد عدد الذين عرفتهم وأحببتهم، وبعد المغادرة يبقى التواصل، والتبادل الثقافي والمعرفي، وتبقى المودة عنوانًا يجمعنا باتحاد الجرح والفرح.

إذا كان الشُّكرُ لمن يستحقُّ الشكرَ هو زُلفى فأنا لن أكون جاحدًا وأقولُها صراحةً أنا أولُ المتزلفين، ومن خلال صفحتي هذه أشكر كلَّ من استقبلني بابتسامته الصادقة، وكلمته الطيبة، وكلّ من قرأني وكتب عني، وكلّ من حاورني بالكتاب أو الأمور الثقافية التي تجمعنا صوتًا عربيًا واحدًا.

> .. وزيارتك العربية ماذا خرجت منها؟

ـ زرتُ أكثر من بلد عربي، وفي كل زيارة أتأكد أن هذا الوطن الكبير ليس غريبًا عن هذا العالم المتطور، إنّه ابنٌ للمعرفة الإنسانية، والثقافة العالمية، وهو مشاركٌ في الفعل الحضاري، والفكر الخلاق، هذا هو الوطن الذي أنتمي إليه، وهذا هو أنا ابن الوطن، إن قلتُ مصر فهي فلسطين، وإن قلتُ الأردن فهي سوريا، وإن قلتُ العراق فهو المغرب العربي.

في القاهرة رأيت الكرك، وفي الاسكندرية استقبلتني إربد، وعلى الطريق كانت النعيمة تلوّح لي بيدها، هكذا أنا أعيش مع الجغرافيا التي أحب.