رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العراق..مرحلة جديدة من التحديات

جريدة الدستور

نجاح مجلس النواب العراقي في انتخاب برهم صالح رئيسا جديدا للعراق، وقيام الرئيس الجديد مباشرة بعد ترديد القسم تكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة الجديدة يجعل العراق امام معطيات جديدة يبدء معها مرحلة أخرى بعد مراحل من الصراعات والفوضى التي تسببت بإراقة الدماء وتهديم المدن وتعطيل المصالح وحركة البناء.

المعطيات الجديدة تتمثل بأنه للمرة الاولى يتم انتخاب رئيسا للجمهورية بعيدا عن التوافقات التي كانت تضع اسم الرئيس قبل الحضور لجلسة الانتخاب التي كانت شكلية.

ورغم ان الرئيس الجديد برهم صالح لم يخرج عن خيار المحاصصة بكونه كرديا الا ان الجانب الكردستاني لم يتفق عليه كمرشح وحيد، ما يؤشر ملامح تطور الصراع في اقليم كردستان بين الحزبين اكبيرين الوطني الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. فقدم بارزاني زعيم الوطني الكردستاني فؤاد حسين كمرشح في مواجة صالح كما ان آخرين مستقلين ومن احزاب كردية صغيرة اعلنوا ترشحهم لمنصب رئيس الجمهورية على امل ان يكون الخلاف بين الحزبين الكبيرين فرصة تمكنهم من الوصول الى المنصب. لكن للاحزاب والكتل الكبيرة حساباتها الاخرى ما جعل من برهم صالح يحظى بثقة الاغلبية، اضافة الى كونه مقبولا من اغلبية الشعب العراقي الذي يرون فيه السياسي الهاديء والمثقف الذي يحسن التصرف في المواقف المختلفة، اضافة الى علاقته الطيبه بالاطراف المختلفه. وسبق لبرهم صالح ان كان نائبا لرئيس الوزراء، كما ترأس حكومة اقليم كردستان.


غير ان انتخابه رغما عن أرادة مسعود بارزاني الذي كان يطمح بوجود احد اتباعه على رأس العراق قد يتسبب بعواقب، عليه ان يتجاوزها لاسيما وان حلم الدولة الكردية لم يفارق اذهان بارزاني وانصاره وان كان فشل في خطوة الاستفتاء التي جرت على الاقليم مصاعب لم يستطع مواجهتها،فأنه لا يتخلى عن لعب دور الزعيم الذي يتصرف بعيدا عن بغداد فيما يختص بأدارة الاقليم والسعي للعودة الى كركوك ووضع اليد على حقول النفط فيها.

المعطى الآخر يتمثل بتكليف عادل عبد المهدي بتشكيل الحكومة الجديدة، وهذا التكليف يجعل رئاسة الحكومة تخرج للمرة الاولى من نطاق حزب الدعوة الاسلامية بعد اربع دورات انتخابية حيث شكل ابراهيم الجعفري الحكومة الاولى قبل ان يزيحه نوري المالكي من الحكومة وزعامة الحزب ليستمر دورتين ثم حيدر العبادي الذي ترأس الحكومة للسنوات الاربع الماضية بعد مناوشات درامية اسفرت عن ابعاد المالكي وتكليف العبادي كمرشح توافقي بعد رفض الكرد والسنة والصدريين ان يستمر المالكي لولاية ثالثة نتيجة ما وصفوه محاولته الانفراد بالسلطة ومواجهة الخصوم السياسيين بشدة في محاولة الاطاحة بهم.

ولكن هذا سيجعل عبد المهدي امام مسألة محاولة الدعوة العودة الى هرم السلطة، فهو في الحقيقة غادر رئاسة الحكومة فقط بينما تتغلغل كوادره في مفاصلها جميعا ما يجعل منها حكومة عميقة داخل الحكومة الاصلية، ما يجعل عبد رئيس الحكومة الجديد لايستطيع الخروج من بوتقة النظام القديم رغم ان ذلك يشكل مطلبا شعبيا اساسيا، لاسيما فيما يخص مواجهة الفساد المستشري، والنهوض بالاقتصاد، ومواجهة التحديات الجديدة المتمثلة بأزمة البصرة والاغتيالات الفردية التي لا يعرف تفاصيلها الدقيقة حتى الان رغم انها اصبحت المادة الرئيسية على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام.

وترشيح عادل عبد المهدي يأتي للمرة الاولى برئيس للحكومة خارج نطاق الاحزاب والكتل السياسية، لاسيما وان عبد المهدي آثر الأنسحاب من الوسط السياسي بعد الانشقاق في المجلس الاعلى الاسلامي عقب وفاة زعيمه عبد العزيز الحكيم ومحاولة ابنه عمار الحكيم الاستناد الى الشباب والابتعاد قليلا عن ايران الامر الذي ازعج الشيوخ الذي يشكلون غالبية قيادة المجلس ما دفع بعمار الى الاعلان عن تشكيل تيار الحكمة والانفصال عن المجلس الاعلى الذي تزعمه همام حمودي.

هذا الامر بقدر ما يمنح عبد المهدي فرصة للعمل بعيدا عن التأثيرات السياسية التي يفرضها الانتماء الحزبي الا انه في الوقت نفسه من الممكن ان يجعله ضعيفا امام الاحزاب المهيمنة والتي تعمل على ترسيخ استحواذها على مفاصل الدولة لاسيما وان تشكيل الحكومات السابقة لم يخرج عن ان يكون توزيع حصص على الاحزاب المشاركة، بالشكل الذي يجعل الحكومة شبه مفككه اذ كلّ حزب يدير الوزارة التي تؤول تليه بمنآى عن الحكومة الى حد كبير.

الشيء الآخر الذي يمكن ان نشير اليه هنا سرعة تجاوب حيدر العبادي مع الاعلان عن تكليف عادل عبد المهدي اذ اسرع بتقديم التهنئة له فيما ابدى عبد المهدي بان يحصل على المساعدة من العبادي وهذه خطوة لم يشهدها تشكيل الحكومات السابقة التي كانت تجري بالرغم من أرادة الرئيس السابق.

ورغم ان العبادي كان يطمح الى ولاية ثانية وسعى اليها بقوة، غير انه تيقن بعدم التجديد له بعد اعلان زعيم التيار الصدري سحب دعمه له، رغم انهما تحالفا في كتلة واحدة، اضافة الى وقوف قيادات الدعوة بوجه ترشيحه وتحميله مسؤولية اخفاق الحزب في الانتخابات النيابية وضعف موقفه في المفاوضات بعدما رفض انضمام تحالفه(النصر) الى تحالف المالكي(دولة القانون) ما جعل قيادات حزب الدعوة وانصاره ينقسمون بين الطرفين الامر الذي رجح كفة تحالف سائرون الذي يقوده مقتدى الصدر وتحالف الفتح الذي يقوده هادي العامري ويضم تشكيلات الحشد الشعبي، وهما من اتفق على مرشح توافقي تمثل بعادل عبد المهدي، في الوقت الذي استبعد المرشحين الآخرين.

انقسام الكتل الكرد بشأن رئاسة الجمهورية، والشيعة بشأن رئاسة الحكومة قابله انشقاق في الموقف السني ايضا بشأن رئيس البرلمان الذي ذهب الى الشاب محمد الحلبوسي بعيدا عن رغبة القيادات السنية التقليدية التي كانت تميل الى مرشحين آخرين ابرزهم خالد العبيدي. وكان واضحا هذا الانشقاق بتقدم 7 مرشحين للمنصب.

غير ان دخول رجل الاعمال خميس الخنجر على خط التحالفات السنية وانضمام عدد من القيادات اليه جعل الموقف السني يتشظى فذهب الخنجر ومن معه للتحالف مع المالكي والفتح، فيما فضل الآخرون التحالف مع العبادي وسائرون.

هذه الانقسامات والتشظيات ستجعل من عملية تشكيل الحكومة شاقة ومعقدة بالنسبة للمكلف عادل عبد المهدي مع رغبة الكثير المشاركة بالحكومة وعدم التوجه الى المعارضة كما كانوا يعلنون سابقا، حيث لايمكن الجزم بموقف معين الان طالما ان السياسة العراقية كثيرة المتغيرات وتسيرها الاهواء التي تتلاعب بها ايضا التدخلات الخارجية لاسيما بعد تصاعد الصراع الامريكي الايراني الامر الذي يهدد العراق بان يكون ساحة المواجهة بالنيابة عن الطرفين.