رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستشار مفتى الجمهورية يكتب: آمال وطموحات حول التجديد الإفتائي

جريدة الدستور

فى إطار الجهود الحثيثة التى تبذلها مصر لمحاربة ظاهرة الإرهاب، تعقد الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم مؤتمرها العالمى الثالث بالقاهرة تحت إشراف الأستاذ الدكتور شوقى علام، مفتى جمهورية مصر العربية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، وبرعاية كريمة من فخامة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبمشاركة أكثر من مائة وعشرين عالما ومفتيا من ستين دولة، تحت عنوان «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق».

تحتضن مصر هذا المؤتمر العالمى للمرة الرابعة على التوالى انطلاقا من المسئولية الفكرية والمكانة العلمية التى تحتلها مصر التاريخ والحضارة، وأيضا من موقع الريادة الفكرية والعلمية الذى تحظى به فى نظر كل دول العالم التى تؤكد جميعا على الدور المحورى والهام الذى تلعبه مصر فى مكافحة الإرهاب، واستنادًا إلى الخبرات الكبيرة والمتراكمة التى كونتها فى مجال محاربة التطرف والإرهاب، حيث خاضت حربا ضروسا ضد التنظيمات الإرهابية التى تتخذ من بعض الأفكار الشاذة والمغلوطة قاعدة لها للانطلاق نحو تثوير الشعوب وإحداث انقسامات وفتن بالغة بين أطياف الوطن الواحد، والقضاء على الأمن والاستقرار والعمل على تقسيم الدول المستقرة إلى دويلات متناحرة متنازعة، وقد تحقق النصر على هذه الجماعات رغم ما تتمتع به من قدرة على الحشد وأيضا ما يرد إليها من تمويلات ضخمة، ولم يتحقق هذا النجاح إلا بالتلاحم بين منظومة الفكر المصرى الوسطى العقلانى، وبين جهود قوات مسلحة مجاهدة أبية لا تخشى بأسًا فى الدفاع عن الوطن، وجهاز شرطة وطنى قدم الكثير والكثير فداء لهذا الوطن.

ويعد هذا المؤتمر العالمى السنوى الذى ترعاه مصر كل عام واحدا من أهم وأكبر الجهود التى تبذلها البلاد لمحاصرة الإرهاب الأسود فكريا ومعنويا، حيث رصدت الأمانة العامة المنهج الفكرى المنحرف الذى تستند إليه هذه الجماعات، كذلك الفتاوى الشاذة التى تصدرها هذه الجماعات أو تنتزعها من سياقها التراثى لتطبقها فى واقع آخر، وقامت الأمانة العامة بالعمل على تفكيك المنظومة الفكرية لهذه الجماعات فى عدد من الأعمال العلمية الموسوعية، وبرامج التدريب للأئمة والدعاة فى أنحاء العالم الإسلامى، وإطلاق عدة مبادرات هامة، وصياغة مشروع قانون ضبط وتنظيم الفتوى، والعمل على إعداد مناهج دراسية شاملة لصناعة الفتوى تدرس ضمن مناهج التعليم الشرعى.. وغير ذلك من الجهود التى تبذلها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم.

وقد تعددت محاور مؤتمر هذا العام الذى يحمل عنوان: «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتَّطبيق» ليغطى كثيرا من المجالات التى نحتاج إليها فى هذا الصدد، حيث شغلت قضية التجديد التى نادى بها الرئيس عبدالفتاح السيسى بال كثير من الكتاب والعلماء والمفكرين، وبذل كثير من الجهود الفكرية الفردية فى تحديد ماهية التجديد، وخرجت محاولات ربما فهمت دعوة الرئيس إلى التجديد بشكل جانبه الصواب، ومن ثم فقد جاء مؤتمر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم لكى يضع قضية مثل هذه القضية المهمة أمام أنظار كبار العلماء فى العالم حتى تخضع قضية تجديد الخطاب الدينى لحالة اجتهاد جماعى ضرورية ومهمة وفريدة وغير مسبوقة.

وتأتى أهمية هذه الخطوة نظرا لضرورة وضع الإطار النظرى المنضبط لمفهوم التجديد الذى يحمى التجديد ذاته من محاولات العبث به وجره إلى صراعات أيديولوجية لا تنتمى إلى النموذج المعرفى الوسطى بصلة. دعونا نعترف بأن التجديد كغيره من المبادئ والأفكار السامية قد حاول البعض القفز عليه وركوب موجته وأدلجته فى إطاره الفكرى الخاص، بحيث أصبح مصطلحا محتلا بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ. إن العالم كله الآن تتجه أنظاره بشغف واهتمام إلى ما سوف تسفر عنه جهود علماء الأمة فى وضع هذا الإطار النظرى الذى يمنع العبث بالمصطلح، وحتى لا تتحول قضية التجديد إلى مجرد شعار أو مصطلح مفرغ من معناه، وأيضا إلى وضع الخطوات والبرامج والاتفاقيات التى تفعل هذه النظرية المهمة بل الحدث التاريخى المهم فى مجالات التطبيق المختلفة فى شتى المجالات السياسية والاقتصادية والطبية وغيرها من مجالات التجديد.

ومن ثم فقد جاءت محاور المؤتمر معبرة تعبيرا دقيقا عن هذا المعنى، وهى كالتالى:

المحور الأول: بعنوان الأصول المنهجية للفتوى، وفيه تبحث ماهية التجديد فى الفتوى ضمن إطار منهجى دقيق مع ضبط الفتوى بوضع المعايير المعتبرة عند العلماء فيمن يتصدى لشأن الفتوى موقعا عن رب العالمين تبارك وتعالى، وضرورة تقييد الفتوى فى إطار تخصصى، أيضا ينبثق من هذا المحور تفعيل دور الاجتهاد الجماعى المؤسسى فى عملية تجديد دور الإفتاء.

ويأتى المحور الثانى للمؤتمر بعنوان «ضوابط الإفتاء فى قضايا حقوق الإنسان»، ويهدف النقاش فى هذا المحور إلى وضع الضوابط والمعايير الهادفة إلى ضبط صناعة الفتوى وصيانتها من العبث والشذوذ الذى تمارسه جماعات الإرهاب باسم الدين.

وأما المحور الثالث فيتناول ضوابط الإفتاء فى المستجدات الطبية المعاصرة، كنموذج تطبيقى عملى للجانب النظرى، فنتيجة للتطور العلمى والتقنى واختلاف المفاهيم والقيم الإنسانية بل اختلال بعضها وبعده عن النموذج المعرفى المستند إلى الوحى استجدت قضايا طبية تحتاج إلى اجتهاد معاصر كمسألة القتل الرحيم، والموت الدماغى ومفهوم الحياة والموت فى الإسلام وقضية حقوق الجنين وتقنية استخدام الخلايا الجذعية فى علاج الأمراض المستعصية وقضايا الهندسة الوراثية، حيث تتنازع هذه القضايا خلافات فقهية حادة بين المعايير المعاصرة ومعايير الدين والأخلاق التى لا تتعارض مع تحقيق الصحة والسلامة للإنسان.

ويناقش المؤتمر فى المحور الرابع ضوابط الإفتاء فى المستجدات الاقتصادية المعاصرة، حيث تطورت المفاهيم المتعلقة بالاقتصاد، وأصبح العالم الاقتصادى شبكة مترابطة من البنوك والمؤسسات والبورصات، حيث نشأت أنواع من المعاملات الحديثة المرتبطة بكثرة وشيوع أنماط وصور جديدة للتعامل عبر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى، كالتسويق الشبكى ومعاملة الفوركس وغيرهما، وهى تحتاج إلى اجتهاد جماعى جديد.

وأما المحور الخامس فيتناول ضوابط الإفتاء فى قضايا الشأن العام والدولة، ويشتمل على مفهوم الدولة فى الإسلام وعلاقته بالفتوى، وقواعد الإفتاء فى القضايا السياسية وشئون الدولة، والإفتاء ودعم الاستقرار فى أمور الدولة، وتأثير فتاوى الإسلام السياسى على مسارات الأمن وكذلك قضية الإسلام والعلاقات الدولية.