رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المؤتمر العالمي للإفتاء وصناعة التجديد في الفتوى

جريدة الدستور

لا شك أن الفتوى عمل مهم ومركب ويحتاج لإعداد وأدوات، بجانب إعمال الفكر والنظر بغية الوصولِ للمطلوبِ، لذَا فقد قال العلماء: "إن الفتوى صنعةٌ"؛ فهي عملية دقيقة وصعبة وتحتاج من المفتي أن يكون عالمًا بالشرع الشريف؛ مدركًا لمصادره، وفاهمًا له، وعالمًا بالواقع بعوالمه الخمسة من زمان ومكان وعوالم وشخوص وأحوال وما بينها من علاقات بينيَّة.

ولا يزال يشغلني ذلك المصطلح الذي يقول: هناك "فتوى صانعة للأحداث وأخرى صنعتها الأحداث"، كأن يظهر حدث أو قضية ما على الساحة يثير الجدل فيستدعي ذلك وجود فتوى تفض النزاع مثل فتوى حرمة التعامل بالبيتكوين التي أصدرتها دار الإفتاء ومثلها فتوى حرمة لعبة الحوت الأزرق والتسوق الشبكي، وهناك فتاوى صنعت أحداثًا بل سببت كوارث مثل فتاوى الجهاد والخروج على الحكام وما شابه.

وما دامت هذه الفتوى بهذه الأهمية التي لا يخلو منها مكان ولا زمان؛ أصبح العمل على رعايتها وتقويمهما فرض عين على المؤسسات التي صناعتها الفتوى مثل المجامع الفقهية والمؤسسات الإفتائية.
ودار الإفتاء المصرية هي إحدى هذه المؤسسات التي حملت على عاتقها مسئولية البيان أولًا ثم التجديد ثانيًا، فبادرت بإنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم قبل ثلاث سنوات لتوحيد الخطاب الإفتائي عالميًّا ومعالجة قضايا الإفتاء ومواكبة مستجداته، والمساهمة في التجديد في الخطاب الإفتائي باعتباره من أهم أدوات الخطاب الديني المأمول تجديده.

وفضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية ومستشاره الدكتور إبراهيم نجم الأمين العام للأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم عملا خلال هذه السنوات على الولوج في كافة السبل لتنقية الخطاب الإفتائي وتقديم خطاب إفتائي رصين متصل بالأصل ومواكب لمستحدثات العصر.

وتسابق الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم بمصر الزمن لعقد مؤتمرها الثالث تحت عنوان: "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق" منتصف أكتوبر المقبل، انطلاقًا من الشعور بالمسؤولية الدينية الملقاة على عاتقها، وتأتي هذه الفعالية العالمية المهمة استجابة ضرورية لعملية التجديد في الفتوى وألا تظل حبيسة العصور السابقة لتستمر عملية "تجديد الخطاب الديني"، بحيث تتجه لغته بخطى أسرع وأوثق نحو التسامح ونبذ العنف والعنصرية.

وتأتي محاور المؤتمر وموضوعاته هذا العالم مواكبة لعملية التجديد، فمحوره الأول: «الأصول المنهجية للتجديد في الفتوى»، والثاني: «ضوابط الإفتاء في قضايا حقوق الإنسان» والثالث فهو مهتم بـ"ضوابط الإفتاء في المستجدات الطبية"، ورابعها: «ضوابط الإفتاء في المستجدات الاقتصادية»، وآخرها عن: «ضوابط الإفتاء في قضايا الشأن العام والدولة».

ولعل التجديد هنا لا يعني التغيير أو نقض الأحكام الشرعية بالأساس إنما هو إعادة بناء للخطاب الإفتائي بما يتناسب مع القضايا العصرية، وهذا يسير في خط متوازٍ مع تجديد الخطاب الديني، ونأمل أن نرى في "مؤتمر التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق" التي تعقده الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم الأثر والفائدة المرجوة من تجديد الخطاب الإفتائي.