رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المجتهد.. تامر مطر: المتطرف لديه مشروع متكامل وتفكيكه يحتاج منظومة علمية قوية

الداعية الشاب تامر
الداعية الشاب تامر مطر

التعليم المستنير حجر الأساس في محاربة الإرهاب والخطاب الوعظي لا يكفي للمواجهة
تجربة الدعاة الشباب تنافسية ولابد من وضع الجميع في إطار موحد
لو أن هناك مخرجًا شيطانيًا أراد تشويه صورة الإسلام لما استطاع أن يفعل ما فعله المسلمون بأنفسهم
ليس لدينا محتوى رقمي يغني عن المواقع الدينية في دول أخرى
الشعب المصري يمتلك الوسطية الذاتية
الإسلام لا يحارب الكافر بسبب كفره ولا يبدأ بالاعتداء على الغير
المتطرفون حرفوا معنى الجهاد وهناك فرق بين القتل والقتال في القرآن الجماعات المتطرفة أنزلت آيات القتال على المسلمين
راجعت القرآن الكريم كله فوجدت أن جميع آيات العذاب مرتبطة بمن ماتوا على الكفر 


في الأعوام الأخيرة ظهرت الكثير من الدعوات والنداءات التي تطالب بأهمية المواجهة الفكرية للإرهاب والتطرف، باعتبار أن المنطلق الأساسي للجماعات المتشددة بدأ من أرضية فكرية علمية، ثم تحول في مرحلة معينة إلى عمل حركي يتبنى العنف والتكفير، وبالتالي فإن مناظرة أصحاب هذا الاتجاه وتفكيك أفكارهم تحتاج إلى من يمتلك من العلوم ما يؤهله لبيان بطلان ما يستندون إليه أولا، وهذا يحتاج جهدا وجهادا من جميع المخلصين جنبا إلى جنب مع مؤسسات الدولة التي تحارب الإرهاب على مختلف الجبهات، ومن بين من أخذوا على عاتقهم دخول هذا المعترك عدد من الدعاة الشباب الذين تطوعوا لنشر وسطية الإسلام داخل مجتمعات الشباب التي تعد المستهدف الأول للجماعات الإرهابية، من هؤلاء الداعية الشاب تامر مطر المنسق السابق للمركز العالمي للفتوى الإلكترونية بالأزهر الشريف الذي كان ضيف "أمان" لمناقشة هذه القضية المهمة.


في بداية الندوة أكد الداعية الشاب تامر مطر أن محاربة التطرف لابد أن تبدأ بتحديد المشكلة أولا، ثم معالجتها، وليس الدخول في مسائل فرعية تبتعد عن القضية الأساسية، وتأخذنا إلى مناطق خلافية بعيدة عن الأصل والتي قد تهوى بنا إلى الاختلاف المنبوذ.

 

والحقيقة فإن أحوال المسلمين في جميع أنحاء العالم اليوم،تحتاج إلى وقفة جادة لإعادة النظر في الأسباب التي أدت بهم للوصول إلى هذه الصورة التي هم عليها الآن وهي صورة قاتمة بالفعل من الفرقة والاختلاف، فلو أن هناك مخرجًا سينمائيًا شيطانيًا حاول أن يصور فيلما يشوه فيه الإسلام، لفشل أن يفعل كما فعل المسلمون بأنفسهم، فما نعيشه اليوم هو حالة انفصال تام بين المسلمين والمباديء التي جاء بها الإسلام.

 

حل هذه المشكلة يتطلب أمرين في غاية الأهمية وهما: تحديد الرؤية والأهداف التي جاء بها الإسلام، وهاتان الغايتان هما مدار تجديد الخطاب الديني، الذي ينبغي أن يراعي الواقع، فالتشريع الإسلامي لم يأت منفصلا عن الواقع، فالمحرمات مثلا كلها جاءت لحكمة تصب في النهاية في صالح الكون والإنسان.

 

ولذلك فإن من المفترض أن يعتمد تجديد الخطاب الديني، على بناء الوعي، والبناء المعرفي والبناء الحضاري، وينبغي أن يتكاتف الجميع سواء الدعاة أو المؤسسات ليسيروا في نسق واحد وإطار شامل حسب رؤية واعية يلتقي فيها جميع الأطراف لتحديد هدف واحد، ومن الضروري أن يتم نقل العمل الدعوي من الفردي إلى الجماعي، لتحقيق الحضارة التي تسعى لسعادة الإنسان وعمارة الكون.

 

تتمثل هذه الرؤية الشاملة فيما أصّله الإسلام من قواعد في معالجة الكثير من الموضوعات والملفات الشائكة التي كانت تمثل إزعاجا للبشر قبل الإسلام، ومن ذلك مثلا قضايا المرأة والأحوال الشخصية والمواريث في سورة النساء، وجاءت طريقة العلاج في التشريعات المتعلقة بهذه الأمور خطوة خطوة، وليس التسرع في هذا العلاج، وفي النهاية أراد الاسلام أن يعلم المسلمين أن يسجلوا ويبنوا حضارة هدفها عمارة الكون وسعادة الإنسان.


التعايش بين المسلمين وغيرهم

 

وردا على سؤال حول التعايش بين المسلمين وغيرهم، قال مطر:

الإسلام أعطى لكل إنسان الحرية في اختيار عقيدته ولم يجبر أحدا على اعتناقه قال تعالى (فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف:29)، وعليه أن يتحمل نتيجة الاختيار، التي تكون إما الجنة أو النار، فالحرية هنا مبنية على المسئولية، التي تردُ الإنسان إلى فطرته السليمة، وليس كما يردد البعض أن ترك الحرية في اختيار الدين يعنى أنه لايوجد عقاب وثواب على ذلك في الآخرة.

وقد كفل الإسلام بذلك حرية الاعتقاد للجميع، إيمانا منه بهذه القاعدة.

 

وحول جرائم الجماعات الإرهابية في استهداف غير المسلمين قال مطر:

الإسلام لا يحاسب الكافر على كفره، ولا يبدأ بالاعتداء على أحد، وهو  ما لا يفهمه المتطرفون، وجميع آيات القرآن الكريم التي جاءت في مسائل الجهاد تتحدث عن القتال، وليس القتل، وهناك فرق كبير، كبير، كبير بين هذا وذاك، فالقتال معناه الفِعال، وهذا يقتضي أن يكون هناك أطراف متنازعة كحال الحروب وغيرها، لكن القتل فيفيد القصد من طرف واحد، والاسلام لم يأمر بقتل الكافر لأنه كفر بالله، ولا قتاله من أجل كفره، ولكن يطالب برد اعتدائه، ورد العدوان مطلوب ومأمور به، حتى وإن كان المعتدي مسلمًا، وقال الله تعالى في سورة الحجرات: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا  فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ  فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا  إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

 أما الآيات التي نزلت في المشركين فكانت لدفع الاعتداء على المسلمين فقط، ومن ذلك قوله تعالى: ( لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ  إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة: 8-9). فالخطاب هنا كما ترى واضح وصريح لا يحتاج إلى تأويل.


تكفير المسلمين وقتالهم

 

وعن تكفير المسلمين وقتالهم، وإنزال آيات القتال عليهم، أضاف مطر:

الجماعات المتطرفة مازالوا يضعون العهد المكي أمامهم، من حيث تصنيف المسلمين إلى معسكرين هما معسكر الكفر والإيمان ولا يفرقون بين مسلم وغير المسلم، فكل من يخالفهم يضعونه في معسكر الكافرين وينزلون آيات القتال عليه باعتباره من الكافرين والمحاربين.

وهناك نوع آخر من التطرف يتمثل في تنفير المسلمين من دينهم، بإنزال آيات العذاب التي جاءت في الكافرين،على المؤمنين، ولقد راجعت القرآن الكريم كله، فوجدت أن آيات العذاب التي يرددها الكثير من المشايخ المتشددين ويقرأونها بطريقة "النواح" التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، نزلت كلها فيمن كفروا وأشركوا بالله، وماتوا على ذلك، وجاءت هذه الآيات لتحكي عن مصيرهم يوم القيامة.

 

ولنضرب مثالا على ذلك قول الله تعالى (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ) (ق:30)، تجد الكثير من الأئمة في الصلاة يكررونها من أجل استجداء الدموع من عيون المصلين، إيهامًا للمصلي بأنه وصل بذلك إلى درجات الخشوع، وهذا غاية الخطأ في الفهم، لان النبي صلى عليه وسلم عندما كانت يُقرأ عليه القرآن كان يبكي في آيات فيها تعظيم له مثل قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا) (النساء:41).

حتى في الحديث عن عذاب القبر، يستغله المتشددون في تنفير الناس من الدين، وقد تنبه الإمام السيوطي- رحمه الله- إلى ذلك وألف مصنفا كاملا في التبشير بلقاء الله، وما أعده للمؤمنين من جزاء في دار الآخرة وهو كتابه المسمى (بشرى الكئيب بلقاء الحبيب).


تفنيد مصطلحات الجماعات الإرهابية

 

أما عن إشكالية تفنيد مصطلحات التنظيمات الإرهابية قال مطر:

هذه القضية خطيرة للغاية، وأعترف أن هناك قصورا كبيرا فيها، فهي تحتاج إلى عمل شامل من مؤلفات ودراسات ومراكز بحثية يتكاتف فيها الجميع لتوضيح المفاهيم، وتفنيد شبهات المتطرفين والجماعات الإرهابية والحقيقة أن التنظيمات الإرهابية، لديهم رؤية شاملة وخطوات مكثفة استطاعوا من خلالها في الفترة الزمنية السابقة  الوصول إلى أكبر  عدد من الجمهور، واستطاعوا أن ينشروا أفكارهم عن طريق قنوات الاتصال الجماهيري التي امتلكوها من فضائيات وصحف ومؤلفات ومواقع إلكترونية.

وفي مقابل ذلك لم تكن هناك منافسة متكافئة مع هذه الأدوات في الفترة السابقة، اللهم إلا في بعض البرامج التليفزيونية التي تبث لساعات طويلة، ولكنها مع ذلك تستهلك أوقات المستمعين خاصة من العوام في أمور سطحية، للإجابة على أسئلة فردية وشديدة الخصوصية، تكاد لا تنطبق إلا على حال السائل ولا تضيف للمتلقي شيئا.


تحصين الشباب من التطرف

 

وعن تجربته في تحصين الشباب من الوقوع في براثن التطرف، قال مطر:

الحصن الحصين للشباب من الوقوع في براثن التطرف هو التعليم، وأقول: قولا واحدا، فإن خطاب الوعظ لا يصنع بناءً معرفيًا، فالمطلوب الآن هو تعليم الشاب كيف يستوثق من المعلومة، علمه كيف يقيم ما يطرح على عقله، هل هو مقبول أم لا، فإذا علمته فقد أعطيته الكشاف الذي ينير له طريقه.

 

الدعاة الشباب

 

وعن تقييمه لتجربة الدعاة الشباب قال:

نحتاج أن تتضافر جهود هؤلاء الدعاة وفق رؤية شاملة، بدلا من العزف المنفرد، ولابد أيضا من الخروج عن النمطية في تقديم المحتوى، فقد ترضى عن بعضهم وأحيانا لا ترضى عن الآخرين، وبالتالي فإن خطة شاملة تجمع شتات هؤلاء تجعلهم أكثر قوة وأشد تأثيرا.

 

أما الوضع الحالي فالموضوع تنافسي بين الدعاة، الكل يحاول أن يقدم ما يملكه، وهي أيضًا تجربة ثرية، ولكل داعية جمهوره.

وفي هذا التوقيت أطالب بأن يتم وضع خطة شاملة من قبل الأجهزة المعنية لهؤلاء الدعاة، وتقسيم المحاور بينهم، عن طريق إعداد خريطة دعوية واضحة وشاملة لها رؤية محددة، اما تركهم للجهد الفردي سيكلفنا وقتا كبير جدا.


التوثيق الإلكتروني والإسلام المعتدل

 

وردا على سؤال حول التوثيق الإلكتروني ونشر الإسلام المعتدل، قال مطر:

مصر تأخرت كثيرًا في التوثيق الرقمي، فنحن لا نمتلك محتوى رقمي يغني عن اللجوء إلى المواقع الإلكترونية الممولة من دول أخرى، ولا نستطيع بالفعل منافستها، فعندما تبحث عن محتوى ديني  على الإنترنت تظهر لك مواقع عدة غير مصرية، تبث الفكر الذي يمثل توجهاتها، سواء حكمت عليه بالتطرف أو غير ذلك، أما نحن فليس لدينا إلا الفتوى المكتوبة على موقع دار الإفتاء، وهذا المحتوى ضئيل جدا، وسط حالة الزحم الموجودة على الإنترنت.