رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلطة السوداء.. لماذا «داعش» أكثر وحشية من «القاعدة»؟

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

تشغل المقارنة بين تنظيمي "القاعدة" و"داعش" حيزا كبيرا لدى الكثير من الباحثين المتخصصين في الإسلام السياسي، ويأتي على رأس الأسئلة التي تطرح نفسها في هذا الإطار، لماذا "داعش" أكثر وحشية من "القاعدة"؟.

وقد وضع الصحفي الألماني كريستوف رويتر إجابة منطقية لهذا السؤال في كتابه "السلطة السوداء، الدولة الإسلامية واستراتيجيو الإرهاب"، الذي يأتي تتويجا لرحلة طويلة من احتكاكه المباشر بالتنظيمين دامت ما يقرب من عشرين عاما، موزعة بين العراق وأفغانستان، عمل خلالها مراسلا لصحيفة ديرشبيجل الألمانية وأرسل لها عشرات التقارير من على خطوط النار، وكذلك أيضا زياراته التي تزيد على 18 مرة لسوريا منذ عام 2014، التي جعلته على يقين تام بالفروق بين التنظيمين.

يفرق رويتر في كتابه الذي ترجمه محمد سامي الحبال والصادر عن منتدي العلاقات العربية والدولية، بين داعش والقاعدة، من جوانب متعددة.

وفي مقدمة الكتاب يلفت النظر إلى نقطة مهمة حول المقارنة بين في معرض تفسيره لانتصارات داعش فيقول:
"كيف يمكن لتنظيم فاشل ومضيق الخناق عليه لا يمتلك سلطة ولا موارد تذكر ولا دعما ولا متعاطفين أن يحقق كل هذه الانتصارات؟
تختلف محاولات التفسير تبعا للمفسرين: فالخبراء في شئون تنظيم القاعدة يرون أن داعش انشق عن القاعدة ويتوقعون أن يشن في أية لحظة هجوما هائلا يضاهي هجمات 1 سبتمبر 2001، اما المحققون الجنائيون فيعتبرون داعش عبارة عن عصابة مافيا هدفها جني أكبر قدر ممكن من الأرباح الدنيوية في حين يرى باحثو العلوم الإنسانية العكس تماما، مشيرين إلى الأحكام الدينية التي يصدرها القسم الإعلامي في داعش وإلى تمجيد الموت والعقيدة بهدف نشر رسالة إلهية".

وبالتالي فإن المؤلف لا يقنع بأن المنطلق الأساسي لتنظيم داعش جاء من أرضية دينية، كما هو الحال في تنظيم القاعدة ويعترف بذلك صراحة فيقول:
"في صيف 2010 ما إن تنبأ الجنرال راي أوديرنو بتفاؤل مشوب بالحذر بأن دائرة القيادة المتهالكة في الدولة في "الدولة الإسلامية" ستواجه أوقانا عصيبة حتي تولت القيادة مجموعة من ضباط سابقين في جهاز المخابرات والجيش، لقد كانوا من الكادر السابق لنظام صدام حسين الذين سنراهم في السنوات القادمة يحققون انتصارات داعش وخلف ستار شعار إقامة دولة إسلامية وهيئة الأمير الصوري أبي بكر البغدادي".

يعتبر المؤلف أن أبي بكر البغدادي الخليفة المزعوم للتنظيم الإرهابي مجرد صورة لزعامة دينية فقط، تعطي انطباعا بأن المنطلق الأصلى لداعش هو الدين لتحقيق مكاسب من خلفها.

لماذا داعش أكثر تشددا من القاعدة؟

ثم يكشف المؤلف الإجابة المهمة على السؤال الأبرز حول الفرق بين داعش والقاعدة، وكيف أن تنظيم البغدادي أكثر تشددا من الأخير، ويبدأ إجابته منطلقا من اختلاف التفسيرات للنصوص الوحي، ومدى قربها وبعدها من حقيقة الدين.

يقول المؤلف: لقد قام داعش بتصوير فيديوهاته ذاتيا، وكان يعرف تماما كيف يستغلها، وقد كان يعتمد في المبالغة في جرعة الفظاعة عن قصد في بعض الحالات، بحيث أن عدوه كان يلوذ بالفرار غالبا قبل وصول داعش فعلا".

تأويل النصوص الشرعية

ويرى المؤلف أن داعش يعتمد على تأويل النصوص الشرعية في القرآن والسنة بما يتوافق مع توجهاته، مؤكدا أن هذا المنهج ليس جديدا على مثله من الجماعات التي تحاول الالتصاق بالإسلام، فيقول:
"حتى أقدس الكتب الإسلامية، القرآن بعد نزوله علي محمد تغيرت تفسيراته علي مر القرون دوما، تماما كالشمع، ككتلة تذوب وقابلة للتشكل من جديد، تم تكييف تفسير الآيات لتناسب المتطلبات السياسية اللاهوتية، وفرضه بالطبع على أنه توضيح نهائي للمعنى الإلهي، إلى أن تطلبت الأونة الأخيرة تفسيرا جديدا".

ويدلل على ذلك بقضية العمليات الانتحارية واختلاف الحكم عليها في بعض التأويلات:

"مثل الهجوم الانتحاري الذي يعد العنصر العسكر الأساسي في موجة هجمات داعش الذي لم تسبقه حركة إرهابية أخري في إرسال أكبر عدد من السائقين بسيارات مليئة بالمتفجرات، فحتي الهجمات الانتحارية يمكن تفسيرها علي انها تتوافق مع شرع الله أو علي انها إثم عظيم، لأن للانتحار تاريخا مضطربا في الإسلام بدءا من قبوله، مرورا بلعنه في الخلود في نار جهنم، وعودة قبوله من جديد، كل ذلك يستند إلى نصف الآية 29 من سورة النساء: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ).

وقد كان حزب الله الشيعي أول تشكيل إسلامي لجأ إلى الانتحاريين في لبنان بانتظام اعتبارا من عام 1983، ومرة أخرى كان لابد لأن يتناسب الوحي مع هذا الوضع الجديد، وبتأمل حسابي تم إصدار فتوى تشرعن الهجمات الانتحارية لطالما كانت تقتل أكبر عدد ممكن من الأعداء، فظهر مصطلح جديد هو: استشهادي، المشتق من الشهادة، فالشهداء يدخلون الجنة فورا، واليوم اصبح الهجوم الانتحاري ممارسة شائعة لدرجة أن داعش ارسل المئات لتفجير أنفسهم في حطوط العدو ونقاط تفتيشه، ولم يكلف التنظيم نفسه عناء تقديم تبرير لذلك، متجاهلا تفسيرا يعود لألف عام وموسوعات أحاديث نبوية يرفعها شعارا له".
وبهذا يقرر المؤلف أن التنظيم يلجأ إلى تأويلات النصوص الشرعية من منطلق تحقيق مصالحه ويرى أن الأرضية التي يقف عليها في تفسيرات للوحي لا علاقة لها بالإيمان، فيقول:
"إن هذا النوع الجديد من الراديكالية التي تمارسها "الدولة الإسلامية" لا علاقة له بالإيمان بالدين والطاعة العمياء لله، بل على العكس من ذلك فتنظيم داعش لا يعتمد علي الإيمان بل يعتمد على تخطيط إستراتيجي وحسابات واقعية من أجل تحقيق أهدافة، دون أن يترك شيئا للصدفة أو للدين، ولم يسبق لتشكيل جهادي في العقود الماضية قبل داعش لجأ بهذا الشكل إلى الاستخدام الرصين للأكاذيب، والتبديل التكتيكي غير العقائدي للتحالفات، وعدم الثقة المطلق بالجميع بما فيهم أمراء داعش أنفسهم، ونظام تجسس ورقابة متطور، كما ان جماعات أخرى فشلت في استغلال إغواء كتابة التوكيل الإلهي على رايتاتها، ولكن داعش عرف كيف يوظف التفويض الإلهي بمثابرة وبنجاح أيضا، رغم أنه لا تمكن رؤية الإيمان في أعماق الدولة الإسلامية بل الحسابات فقط، وفي الحقيقة لا يريد داعش السير علي خطى تقاليد الوجود الإسلامي، بل يريد تعريف نفسه من خلال إقحام الإسلام في تسميته".

ومن هنا كان أول الفروق بين تنظيمي داعش والقاعدة هو الأرضية التي ينطلق منها كل منهما، فالقاعدة ينطلق من أرضية دعوية، أما داعش فيعتمد في الأساس على الشكل الإيماني الخارجي فقط.

سياسة الإخضاع

ويختلف التنظيمان أيضا في التعامل مع الأرض الإسلامية، فالقاعدة يعتمد بشكل كبير على الشعوب ويرى أنها يمكن ان تشاركه أو تساعده في القضاء على أعدائه عن طريق العمل الثوري، أما داعش فيعتمد على سياسة إخضاع الشعوب لسيطرته وكأنها قطعان من النعاج.

ويضيف المؤلف: "إن دمج الإخضاع بدولة ناجحة- نوعا ما- أنتج مزيجا يجمع بين الجهاديين ومخططي السلطة أصحاب الرتب الرفيعة في حزب البعث، مع أنه قد يبدو للوهلة الأولى أنه من المستحيل أن يكون هناك التقاء بين حزب علماني ومجموعة متعصبة دينيا، قد يعتقد المرء أن هذين العنصرين المتضاربين تماما في جوهرهما لا يمكن أن يلتقيا معا، ولكن بحنكة ومهارة فائقتين يمكن خلق تعاون بينهما لفترات قصيرة".

ويعلل ذلك فيقول:
"إذ ثمة تشابه كبير جدا بين الأنموذجين من حيث البنية، فالاثنان يفترضان أن قيادة الجماهير يجب أن تعود إلى نخبة صغيرة وقوية، بحيث يتمكن حزب البعث من تحقيق مشروعه القومي وداعش من تحقيق مشروعه الإسلامي بإقامة "دولة الخلافة.

فشل القاعدة

ويعتبر أن تنظيم القاعدة فشل في استغلال الظروف لصالحه خاصة في إيمانه أو اعتماده على الشعوب والتي دعلته يتخلى عن إخضاعهم له ويبحث في القضاء على "العدو البعيد" الذي يدعم الأنظمة العربية والإسلامية من وجهة نظره:

يؤكد المؤلف أنه: "على النقيض، يجب النظر إلى القاعدة على أنها حركة فشلت على الدوام، وذلك بسبب إيمانها العميق بآمالها بدلا من استغلال الظروف الواقعية لصالحها، لقد كان زعماء القاعدة الأوائل مؤمنين بالله وبالشعوب الإسلامية التي قد تنتفض يوما في وجه أنظمتها وضد جبروت الغرب الكافر، وطوال سنوات اعتمدت القاعدة على نظرية العدو البعيد، التي أوجدها في منتصف التسعينيات أيمن الظواهري، المنظر الذي فر من مصر: تدعم الفرضية وجوب محاربة "العدو البعيد" المتمثل بالولايات المتحدة وأوروبا لكي يتخلى عن دعم العدو القريب المتمثل بالأنظمة الاستبدادية العربية مما يؤدي إلى انهيارها.
لقد كانت هذه الفرضية خطة هروب أيديولجي من العجز إلى حد ما لكي يتمكن القاعدة من دحر الخصم الفعلي وهو العدو القريب المتمثل بحكام السعودية ومصر"..

ويدلل على ذلك بما حدث في أفغانستان فيقول:
"ففي افغانستان أدى قتال المجاهدين ضد قوات الاحتلال السوفييتية إلى انسحابها وبدا وكأن ذلك كان سببا في انهيار الاتحاد السوفييتي داخليا، وبما أن الخطة نجحت هنا فلماذا لا تنجح في أماكن أخرى أيضا؟ بل إن ابن لادن ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، وتوهم إمكانية تفكيك الولايات المتحدة إلى ولايات في حال تعرض هذا البلد إلى ضربة قوية كفاية، ولكن بالرغم من قوة الضربة الإرهابية التي وجهتها القاعدة للعالم ايضا إلا أنها لم تؤد إلى تفكك الولايات المتحدة الأمريكية...
ومن وجهة نظر رزينة فإن هؤلاء كانوا رومانسيين دينيين يشبهون الإرهابيين اليساريين الأوربيين في سبعينيات القرن الماضي فيما يخص وهمهم بقدرة القوة الثورية، فقد كان اليساريون الأوربيون يؤمنون أيضا بأن إرهابهم ضد رموز ما كان يعرف بـ "نظام الخنازير" المتمثل بقمع الدولة سيحض الشعوب على التمرد وقد باء هذا التوجه بالفشل كما هو معروف".

إذن القاعدة يعتمد على القوة الثورية للشارع أو الإنسان الناضج، في خلع الأنطمة ويعتبر الشارع شريكا له في ذلك، ومنها توخيه سقوط ضحايا من المسلمين في عملياته الارهابية ضد العدو البعيد ومن ذلك الاعتداء على السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا في عام 1998، يقول المؤلف:

"برر أحد المخططين المجهولين موت مئات المدنيين المسلمين بأن القنابل انفجرت ظهر يوم الجمعة، وفي هذا الوقت يكون المسلمون الجيدون متواجدين في المسجد وليس في الشارع!!".