رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أباطيل وأسمار".. قضية تكفير محمود شاكر للمفكر لويس عوض

لويس عوض
لويس عوض

لم يكن أحد يتخيل أن المعركة التي خاضها الشيخ محمود شاكر،في ستينيات القرن الماضي، مع الأديب لويس عوض حول اللغة العربية وقبول التحديث الغربي لمناهج التعليم، لتحيا من جديد في ثمانينيات القرن العشرين.

حقيقة فقد كان الرجلان نتاج مدرستين، الأولي مدرسة الثقافة الغربية التي يمثلها الدكتور لويس عوض، ومدرسة الثقافة العربية الإسلامية التي كان يمثلها الشيخ محمود محمد شاكر.

نتج عن هذه المعركة كتاب "أباطيل وأسمار" عام 1956م، الذي كان يمثل جزءًا مقدرًا من تراث المعارك الأدبية والفكرية في بدايات القرن العشرين في العالم الإسلامي الذي تعد مصر قلبه.


إحياء المعركة هذه المرة جاء من قلب وزارة الثقافة المصرية، ففي عام 1989م حصل لويس عوض على جائزة الدولة التقديرية في الآداب، فرفع مواطن كان يعمل قبل إحالته إلى التقاعد في وزارة الثقافة، دعوى أمام القضاء يطالب فيها باسترداد جائزة الدكتور لويس عوض التي حصل عليها بدعوى أنه مخالف لصحيح الدين في مجمل أعماله لأن الشيخ شاكر كفره في كتابه "أباطيل وأسمار" فكيف يحصل على جائزة الدولة التي هي في الأساس من ضرائب المصريين؟ 

تم رفع الدعوى أيضا بالمثل ضد وزير الثقافة وكل من شارك في منحه الجائزة، وقد عرض صاحب الدعوى كل مؤلفات لويس عوض الفكرية والفنية من شعر ومسرح ورواية ونقد، مستندا في الاساس لكتاب الشيخ محمود محمد شاكر "أباطيل وأسمار"، الذي اعتبر أفكار لويس عوض مجموعة من الرموز الوثنية، واعتبر الشياطين والملائكة والإنس والجان كائنات خيالات أسطورية وخرافات شعبية، وكتب عن الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى الأوربية ما لا يليق بمؤمن مسيحيًا كان أو مسلمًا. 

ودعم المدعى دعواه بكتاب محمود محمد شاكر "أباطيل وأسمار"، وكتاب "جمال الدين الأفغاني المفتري عليه- الرد على لويس عوض" لمحمد عمارة.. والكتابان يوجزان مختلف الاتهامات الموجهة إلى لويس عوض خلال خمسة وثلاثين عامًا مضت.. وهي اتهامات شديدة التعارض؛ فهي تدين الرجل بالتعصب المسيحي والإلحاد والفرعونية والتغريب والشيوعية والليبرالية. 



تم حفظ القضية بعدها بعدة أعوام، لكن الجدير بالذكر أن كتاب "مقدمة في فقه اللغة العربية" للويس عوض قد صودر بعدها بناء على طلب الأزهر. 

فتحت القضية فكرة "سلطة النص ونص السلطة" فى كتابات المثقفين، وكيف يمكن أن يستند البعض إلى معركة فكرية في الماضي انتصر صاحبها أو انهزم ليطالب بمحو ذاكرة التاريخ بهذه الدرجة. 

استطاعت واقعة رفع القضية بسحب الجائزة من الدكتور لويس عوض استقطاب جبهة من المثقفين وقفت بشجاعة إلى جانب لويس عوض، وهي المفاجأة التي لم تكن في حسبان من رفع القضية في الأساس، ولم يرتب لها لويس عوض بالرغم من تعدد المعارك التي خاضها، ولأول مرة يخرج بعض الدعاة الأزهريين ويدعون إلى محاورة لويس عوض لا إلى مصادرة أفكاره بدعوى الحسبة. 

الفكر السلفي التقليدي قابع في أروقة الأزهر، كما هو قابع فى دروب وقواعد المجتمع المصري والعربي، وبقاء المشروع الحضاري المشارك فى بناء المستقبل هو الباقي أيضًا، ولكن بمزيد من الوعي والثقافة والحوار يكون البديل الوحيد لمواجهة عنفوان الفكر وجمود التصور.