رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين الثبات والتغير.. نظرية «العدو القريب والبعيد» عند القاعدة وداعش

الظواهري- البغدادي
الظواهري- البغدادي

تشابهت المرجعية الفكرية لمعظم الحركات التي تطلق على نفسها "جهادية"، حيث إن معظمها اتخذت من أفكار سيد قطب (مفكر، وعضو بجماعة الإخوان) مرجعًا لها.

على الرغم من أن تنظيم "داعش" تربى في حضن القاعدة، واستلهم أفكاره ومرجعيته الفكرية منها، فإنه تمرد، وأصبح الآن وجها أخر لتنظيمه الأم. واختلف التنظيمان في ترتيب أولوياتهما القتالية من خلال نظرية "العدو القريب والعدو البعيد".

يمكن تعريف نظرية العدو القريب على أنها "استهداف الدوائر المحلية قبل الدوائر الخارجية، أما العدو البعيد هو استهداف للدوائر الخارجية قبل الدوائر المحلية".

نظرية العدو القريب والبعيد عند داعش
العدو القريب بالنسبة لتنظيم "داعش" يتمثل في الأنظمة الحاكمة للدول العربية والإسلامية، وتقف هذه الأنظمة وراء عدم وصول التنظيم من تحقيق حلمه وإقامة دولة الخلافة، ويرى التنظيم أن هذه الأنظمة فاسدة "مرتدة" لا تطبق شرع الله ويجوز قتالها، وبالتالي فالعدو القريب يصبح من أولوية داعش في ساحة القتال، مستغلاً فى ذلك ضعف النظم المحلية الحاكمة بعد ثورات الربيع العربي وهشاشة مؤسساتها، فتهيأ للتنظيم أنه من السهل السيطرة عليها، ونظرية العدو القريب هي التى دفعت داعش لاستهداف مسجد الروضة فى سيناء نظرًا لاختلاف المنهجية الفكرية.

العدو البعيد يتمثل في الغرب على واجه العموم والولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، ويتم استهدافهم كمرحلة لاحقة نظرًا لحمايتهم للأنظمة الحاكمة ومساعدتهم فى استمرار حكمهم.
 
وحدث تحول في استراتيجية "داعش" القتالية، حيث نفذ التنظيم عددًا من أضخم العمليات الأمنية في تاريخه، منها إسقاط الطائرة الروسية فوق أراضي سيناء بمصر، مرورًا بتفجير برج البراجنة في جنوب بيروت، وصولاً إلى هجمات باريس، ووفقًا لهذه المتغيرات التي حدثت فى استراتيجية التنظيم أصبح العدو البعيد هدفا له أولوية عند القيادة.(1)

أسباب اتجاه داعش إلى العدو البعيد
هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء هذا التغير، منها أن التنظيم أصبح يستشعر بفقدانه ميزة التمكين، وبالتالي أخذ يشق لنفسه العودة إلى طريقة النكاية، وأيضًا تخلى التنظيم عن تجنيد الأجانب وبذل الجهود لإقناعهم بالانضمام إلى دولتهم، واكتفى بتجنيد هؤلاء في بلدانهم، بالتالي احتاج التنظيم إلى الوصول إلى المجندين في أراضيهم، ويعتبر أحد أهم هذه الأسباب التحالف الدولي ضد داعش، وبالتالي أدى ذلك إلى نمو الروح الانتقامية لدى داعش من الدول المشاركة في التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وتمثل دور التحالف الدولي في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية بين تدريب القوات العراقية والسورية التي تدخل في اشتباكات مباشرة ضد عناصر داعش المسلحة.

التحالف قام أيضًا بدور استخباراتي بجمع المعلومات قبل بدء المعارك، وامتدت مهامه أيضًا لشن غارات جوية وقيادة القصف الجوي والمدفعي لمعاقل وثكنات الكيانات الإرهابية، وتمكنت دول التحالف من توجيه أكثر من 22 ألف غارة بالعراق، وشن 9775 غارة جوية بالأراضى السورية.(2)

عودة الدواعش إلى بلادهم، فكلما ضاق الخناق على التنظيم في سوريا والعراق، فر المقاتلون الأجانب إلى بلادهم، وهذا يمثل تهديدا كبيرا على الدول الأوروبية، حيث يعود بعض الدواعش من أجل تجميع صفوف التنظيم فى بلاده أو من أجل الانتقام من بلاده بتنفيذ عمليات منفردة. ووصل عدد المقاتلين الذين يحملون جنسيات أوروبية وبدأوا فى العودة إلى بلادهم حوالى 8500 شخص.

بالإضافة إلى الخسائر التى لحقت بالتنظيم على أرض الواقع في معاقله الرئيسية بسوريا والعراق وليبيا، مما يعنى أن الانهيار التدريجى قادم، وبالتالى يسعى التنظيم من خلال ضرباته إلى أوروبا بإثبات وجوده عكس الواقع.(3)

استراتيجية داعش فى استهداف العدو البعيد
اعتمدت داعش في استراتيجية توسعها الدولي على التوسع المناطقي في ليبيا، وإقامة خلايا نائمة فى كل من تركيا ولبنان لزعزعة استقرار البلد، والتركيز الجديد على استهداف الغرب من خلال قسم العمليات الخارجى الذى أنشئ حديثا.(4)

وفقا لمجلة "دابق" الداعشية، فإن التنظيم لم يعد يفرق بين العدو البعيد والعدو القريب، واعتمد على تكتيك مختلف لكل دولة لديه عناصر بها، ففى أمريكا يعتمد على مخاطبة الأمريكيين المضطهدين نتيجة العنصرية، واهتم أيضا فى أمريكا بتوجيه خطابه للسود من أجل تشكيل خلايا عنقودية، وظهر تأثير ذلك فى عدة عمليات، منها استهداف معرض الرسوم، أما فى فرنسا وبريطانيا يعتمد التنظيم على المهاجرين العرب والأفارقة الذين يشعرون بحالة من الاغتراب فى الدول الأوروبية، وتقوم استراتجية التنظيم فى لبنان بالاعتماد على خلاياه النائمة ومحاولة السيطرة على بعض القرى اللبنانية فى أوائل عام 2015 إلا أن حزب الله تمكن من إحباط هذا الهجوم.

ويسعى التنظيم أيضا إلى محاربة حزب الله من خلال خطاب مذهبي طائفي يهدف إلى شعال الفوضى لضمان وجوده، أما في السعودية فيعتمد على خلاياه النائمة فى تنفيذ هجمات ضد المساجد الشيعية، أما فى اليمن فقد أعلن التنظيم عن خلافته فى اليمن ونشر فيديو لأنصاره وهم يرفعون الراية السوداء فى العاصمة صنعاء، ونفذ أيضا عدة هجمات انتحارية ضد المساجد الشيعية ومقر الحوثيين.(5)

يتضح لنا مما سبق أنه قبل عام 2015 كانت الأولويات الاستراتيجية لـ"داعش" جغرافية بالأساس تهدف إلى الاستيلاء على الأراضي ثم تطهيرها للسيطرة عليها عسكريًا وأمنيًا ثم بناء مؤسسات وفقا لرؤية التنظيم، ثم حدث تصعيد تدريجى فى خطاب التنظيم ضد العدو البعيد بدأت بهجمات باريس الإرهابية الذى نفذها التنظيم كانتقام من المشاركة الفرنسية فى الغارات الجوية على سوريا.

نظرية "العدو القريب والبعيد" عند القاعدة
أما عن تنظيم القاعدة فهو نشأ بالأساس عندما تمكن بن لادن من إقناع الظواهرى بترك العدو القريب المتمثل فى الأنظمة الحاكمة، والانشغال بمقاتلة الولايات المتحدة الامريكية التى تعتبر العدو الأول للإسلام (العدو البعيد)، وبالتالى ركز تنظيم القاعدة منذ نشأته على العدو البعيد وأعطى لها الأولوية فى ساحته القتالية، واستغل التنظيم معاداته للخارج فى كسب شعبى فى الداخل يوفر لهم بيئة حاضنة تساعدهم على عملية التجنيد واستقطاب أكبر عدد من المجندين لمقاتلة أعداء الإسلام. ونفذ التنظيم عددًا من الهجمات داخل الولايات المتحدة، أشهرها على الإطلاق استهداف برجى التجارة الدولية فى 11 سبتمبر 2001.

ومنذ نشأة تنظيم القاعدة إلى الآن لم يحدث تغيير واقعى أو نظرى فى إعادة ترتيب أولويات التنظيم القتالية، ونتج عن ذلك انشقاق جبهة النصرة.(6)

يمكن القول إن تنظيم داعش لا يخرج عن منظومة فكر الجهاد العالمى (تنظيم القاعدة)، فالأصل الذى تجمع عليه تنظيمات الجهاد العالمى كافة تتلخص فى تحكيم شرع الله وإقامة الحكم الإسلامى وفق منظورهم المتمثل فى إقامة الخلافة (الدولة الإسلامية)، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بالجهاد والقتال فى سبيل الله، أى إن كان ترتيبهم لأولوياتهم فى القتال، ومعظم الاختلافات الواقعة بينهما لا تتطرق إلى التصورات والأصول العامة.