رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شيخ الأزهر يطالب المسلمين بأخذ العقائد من العلماء الدراسين للإسلام

جريدة الدستور


قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الشفاعة هي سؤال فعل الخير وترك الضر عن الغير على سبيل الضراعة والتضرع إلى الله سبحانه وتعالى، وهي نوع من أنواع الدعاء، مشيرا إلى أن المقصود بالشفاعة في يوم القيامة هي السؤال في التخليص من موقف القيامة وأهواله، وقد تحدث عنها القرآن الكريم في مواضع عدة فقال تعالى: "يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا"، وفي هذه الآيات دلالة على ثبوت الشفاعة؛ لأن نفي الشفاعة بلا إذن يعني ثبوت شفاعة بإذن؛ فالشفاعة ثابتة بالقرآن الكريم.

وأضاف خلال برنامج الإمام الطيب، أن الشفاعة تكون للأنبياء في أقوامهم، وتكون للصالحين الذين يشفعون في العصاة، وتكون للمتحابين في الله يشفع بعضهم في بعض، وأيضا هناك شفاعة المظلوم لمن ظلمه، وشفاعة الفقير للغني، وشفاعة سقط الحمل الذي لم يكتمل فهو يشفع لوالديه، والشفاعة بهذا المعنى أوسع بكثير جدا من شفاعة الانبياء، مبينا أن النبي ﷺ له في القيامة ثلاث شفاعات؛ أما الشفاعة الأولى فيشفع في أهل الموقف حتى يقضى بينهم بعد أن يتراجع الأنبياء عن الشفاعة حتى تنتهي إليه، وأما الشفاعة الثانية فيشفع في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة، وهاتان الشفاعتان خاصتان له، وأما الشفاعة الثالثة فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار ألا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها.

وأوضح الإمام الأكبر، أن الشفاعة الكبرى هي شفاعة خاصة بالنبي محمد ﷺ في الحشر يوم القيامة، حيث يشتد البلاء على الناس، ويشق عليهم الانتظار، ويذهبون إلى الأنبياء يستشفعون بهم عند الله لكي يصرفهم عن هذا الموقف الصعب، وكل نبي من الأنبياء يعتذر ويتراجع حياء وخجلا من الله، ثم يذهبون إلى النبي ﷺ؛ فيشفع لهم، ويقبل الله شفاعته في الخلق، مؤكدا أن هذه الشفاعة ليست خاصة بأمة النبي ﷺ وحدها، وإنما هي شفاعة عامة لأهل الموقف جميعا، لا فرق بين مؤمنهم وكافرهم؛ فالكل مستفيد من هذه الشفاعة الكبرى.

وأشار إلى أن الشفاعة في أهل الكبائر وهم الذين استحقوا دخول النار، فيشفع لهم؛ فلا يدخلونها، أو يخرجون منها إن كانوا قد دخلوها، ليست خاصة بالنبي ﷺ، بل يشاركه فيها الأنبياء والشهداء والمؤمنون والصالحون، موضحا أن العقيدة بدوائرها الثلاث بدائرة السمعيات فيها آيات وأحاديث تبين أن النبي ﷺ سيشفع في العصاة والمذنبين يوم القيامة، لكن علينا أن نحترس ليس كل العصاة والمذنبين، فإيماننا بالشفاعة لا يعني أن الشفاعة سوف تصدم أو تعطل قانون " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ".

ونوَّه الإمام الأكبر إلى أن هناك فرقا بين طلب الشفاعة من الله تعالى أن يشفع فيه الأنبياء وأهل الخير والصلاح، فهذا لا بأس فيه ولا شيء فيه على الإطلاق، وبين أن يطلب بشكل مباشر من هذا الولي أو هذا الصالح أن يقضي له حاجته في الدنيا فهذه هي التي لا نقرها، لافتا إلى أن كثيرا من شبابنا الذين تأثروا بالمنهج السلفي، حصروا تأخرنا في التعليم والصحة والاقتصاد في مسألة التوسل وأن هذا شرك من دون الله، وأنا أقول لهم، وأطمئنهم: إن هذه الأفعال ليست بشرك، إنما الشرك أن تعبد الحسين أو السيد البدوي من دون الله، أو أن تصلي ركعتين للسيد البدوي فهذا شرك، وهذا لم يفعله أحد من المسلمين من وقت النبي ﷺ وحتى يوم الناس هذا.

وأكد الإمام الأكبر أن الإيمان لا يستقيم ولا يكتمل إلا بالإيمان بالجنة والنار، وهما العاقبتان اللتان تنتظران خلق الله من الإنس والجن، فحياة كل منهما لابد منتهية -في آخر الأمر- إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وفي الجنة والنار تبدأ حياة النعيم الأبدي أو رحلة الشقاء الأبدي، وقد استفاضت آيات القرآن الكريم في وصف الجنة ونعيمها، ووصف جهنم وعذابها، حيث يقول الحق سبحانه: {فيها عين جارية *فيها سرر مرفوعة *وأكواب موضوعة * ونمارق مصفوفة}، ويصفها سبحانه: {وظل ممدود *وماء مسكوب * وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة*وفرش مرفوعة}، وورد في وصف النار: {وجوه يومئذ خاشعة * عاملة ناصبة * تصلى نارا حامية * تسقى من عين آنية * ليس لهم طعام إلا من ضريع *لا يسمن ولا يغني من جوع}.

وتابع أنه ليس من الحكمة أن يموت الإنسان ويترك هكذا بدون حساب، لأنه لو لم يكن هناك جزاء في الدار الآخرة لكانت الدنيا شبه غابة يفعل فيها الإنسان ما يشاء ويقتل من يشاء، فلا بد من افتراض الجنة والنار لأن كل ما ذكرناه من وقائع وأحداث يوم القيامة قبل الجنة والنار كلها ممهدات لنتيجة أخيرة هي إما الجنة أو النار، كأن الجنة والنار هي الغاية والهدف من البعث واليوم الآخر، وللأسف فإن الإنسان في الحضارة الأخيرة التي نعيش فيها يعتقد أنه ليس موجها من قبل عليم خبير يرشده إلى طريق الخير ويبعده عن طريق الشر، فأعرض عن هذه الهداية، وأصبحنا نرى الدول والبشر والفقراء والبؤساء يعانون بسبب طغيان هؤلاء الذين يعتقدون مثل هذا المذهب.

وأوضح الإمام الأكبر أن ميزان السماء يحكم بين الناس إما إلى الجنة وإما إلى النار، وهذه عدالة السماء، والإنسان بدون هدي السماء في ضلال مبين، وهذا ليس وعظا، فأنا لست واعظا، مع تقديري لمهمة الوعظ، لكني معلم وكنت أتمنى دائما أن ألقى الله وأنا أشرح درسا، وما أقوله هذا ليس وعظا وإنما تأمل وأنا على استعداد لأن أتلقى ما ينقض هذا التأمل أو يهدمه.

وبين الذي يجب على المسلم أن يعتقده حيال الجنة والنار، أولا: أن الجنة والنار حقيقتان ماديتان، وأن النعيم والعذاب كما يكون للروح يكون للجسد أيضا، وهذا ما تقتضيه الأوصاف الواردة في القرآن حيال كل منهما، والأمر الثاني: إجماع العلماء المسلمين عن آخرهم على أبدية نعيم الجنة، وأنه دائم باق لا ينقطع ولا يفنى أبدا، أما دوام جهنم وعذابها بدوام النار وعذابها أو فناؤها بمن فيها وصيرورتها عدما في وقت ما من الأوقات؛ فالجمهور يرى أن النار خالدة ومؤبدة، مثلها في ذلك مثل الجنة، وبعض العلماء يرى أنه لم يرد في القرآن «نص قطعي صريح في دوام النار، وإنما فيه التصريح بخلود الكفار فيها، وهو يتحقق بأنهم لا يخرجون منها ما دامت موجودة، أما أنها تنقطع أو تدوم فهذا شيء آخر ليس في القرآن ما يقطع به».

ولفت إلى أن الجنة والنار مخلوقتان الآن، وذلك وفقا لما جاء في القرآن الكريم: { وسارعوا إلىٰ مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}، أي أنها أعدت وموجودة بالفعل، لأن الإعداد فرع الموجود؛ في المقابل يقول المعتزلة نحن نؤمن بالجنة والنار إلا أنهما تخلقان يوم القيامة، لكن الرد على المعتزلة هو أن الآيات والأحاديث كلها تشير إلى أن الجنة والنار مخلوقتان، لأن النبي ﷺ رأى الجنة {عند سدرة المنتهىٰ * عندها جنة المأوىٰ}، ولم تكن مخلوقتين لما رآهما في المعراج، فلا يرى المعدوم، كما أن قصة سيدنا آدم عليه السلام ونزوله من الجنة، لكن المعتزلة قالوا في هذه النقطة أن سيدنا آدم نزل من بستان حدثت فيه هذه القصة، وهذا ليس إنكارا للجنة والنار ولكن اختلاف في التفسير.

وفي نهاية حلقات برنامج الإمام الطيب قال الإمام الأكبر: إذا كان لي من نصيحة أو كنت في مقام من ينصح أبناءه وبناته، فأقول أمران؛ الأمر الأول: أن نأخذ العقائد من العلماء، وأضع تحت كلمة علماء أكثر من خط، أعني العلماء الذين أفنوا أعمارهم في دراسة الإسلام. وألا يأخذوها عن أشباه العلماء، ممن جيء بهم وألبسوا المسوح وانطلقوا، أحذر الناس من سموم هؤلاء، وأحذر المسلمين من الاستماع إليهم، عليك التعرف أولا على من تستمع إليه، هل هو متخصص فيما درس؛ أم أنه رجل أعطي أداة إعلامية وأعطي كتابا وقيل له انطلق لأنك ستعيد الإسلام إلى أيامه الأولى.

وأضاف: أما النصيحة الثانية فهي أنني معجب كثيرا بكتابين، كتاب للشيخ العلامة المجتهد رحمه الله شيخنا شيخ الأزهر الأسبق محمود شلتوت وهو حجة، وهذا الكتاب اسمه «الإسلام عقيدة وشريعة» وأتمنى أن يكون هذا الكتاب موجودا في كل بيت مسلم، ويقرأ فيه البنات والأبناء ولآباء والأمهات. وهناك كتاب آخر، وهو كتاب الشيخ محمد الغزالي، وقد عشت معه فترة طويلة، عشت بجواره عاما كاملا، وهذا الكتاب اسمه «عقيدة المسلم»، ولذلك أوصي بقراءة هذين الكتابين، وإن أمكن أن يُحفظا عن ظهر قلب فسيكون ذلك أفضل. والله من وراء القصد.