رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا يحتفي الإخوان بقصة يوسف عليه السلام؟.. «القره داغي» نموذجا

جريدة الدستور

تهتم جماعة الإخوان اهتماما كبير بالقصص والسيرة، وتربي أبناءها على سماع الروايات وحفظها دون التثبت من صحتها، حتى تصبح هذه الروايات من أساسيات الثقافة العامة لأفرادها، ورغم أن الجماعة تضم قسما تاريخيا للدعوة ترأسه الكثير من رموزها، وبدأ هذا القسم نشاطه من اليوم الأول الذي تأسست فيه على يد حسن البنا، وصار قسما رسميا من أقسام الجماعة تحت اسم "قسم نشر الدعوة" عام 1951م، إلا أن الإنتاج العلمي لهذا القسم طغت عليه النزعة القصصية والاعتماد على الروايات غير الدقيقة والأحاديث الضعيفة والموضوعة التي لا تقدم ما يفيد المسلمين.

وقد ذكر الخطيب البغدادي في كتابه (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، الخطيب البغدادي، (2/164-165): "ما أمات العلم إلا القصاص، إن الرجل ليجلس إلى القاص برهة من دهره فلا يتعلق منه بشيء".

فإنك بالفعل لا يمكن أن تجد ما تستفيد به في دينك من هذه القصص والروايات التي لا تنبني عليها عقيدة ولا تقوم عليها شريعة.

وتحظى قصة نبي الله يوسف عليه السلام بمنزلة عالية لدى الجماعة التي يرى أتباعها تشابها كبيرا بين دعوتهم ودعوته، في تأييد مظلومياتهم، وتعرض قياداتهم للسجن في كل البلاد التي ظهرت فيها، ثم تمكين الله لنبيه عليه السلام في الأرض، في صورة تغري أتباع الإخوان إلى انتظار التمكين لهم.

وينظر القصاصون في الجماعة إلى قصة يوسف عليه السلام أيضا على أنها نموذج لكيفية تعايش الأقليات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة، على اعتبار أن الإخوان يمثلون الإسلام وحدهم في البلاد الإسلامية، وأنهم مضطهدون من بني جلدتهم كما وقع لنبي الله يوسف من إخوته الذين لم يكونوا يقدرون قيمته ولا يعرفون ما ينتظره، وتمثل ذلك في رؤية القيادي الإخوان على محيي الدين القره داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في كتابه " يوسف عليه السلام قدوة للمسلمين في غير ديارهم"، الذي يعد محاولة للي أعناق النصوص وإنزالها في غير منازلها لإثبات التشابه بين الجماعة وقصة نبي من أنبياء الله تعالى، وإن كان المؤلف يحاول أن يثبت أن الكلام عام للمسلمين في بلاد الغرب.

ورغم ذلك فإننا نجد هذا المنهج في إسقاطات الجماعة على واقعهم في بلاد المسلمين باعتبار أنهم أقلية مختارة، تمثل الإسلام من وجهة نظرهم بين مجتمعات تحارب الإسلام رغم أنها إسلامية، وهي الروح التكفيرية الخفية التي تلبس أجساد أتباع الجماعة؛ شعروا بذلك أم لم يشعروا.

يقول القرة داغي: "فقد عاش يوسف عليه السلام في مصر محافظاً على دينه وعقيدته وأخلاقه، ولم ينزلق - بفضل الله تعالى- نحو الشهوات على الرغم من الضغوط الشديدة من امرأة العزيز، ونسوة أخريات، حتى بلغ الأمر إلى ما ذكره القرآن الكريم: (... وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) . وقد ضحى في سبيل الحفاظ على أخلاقه بكثير من المميزات، بل سجن على ذلك عدة سنوات.

وهو أن على الأقلية المسلمة أن تأخذ القدوة من يوسف عليه السلام في أن يكون همها الأكبر الحفاظ على دينها، وعقيدتها، وأخلاقها، وأخلاق الأجيال اللاحقة من خلال الأخذ بكل الأسباب المادية والمعنوية، والآليات التربوية والعملية الممكنة لتحقيق هذا الهدف، وهنا يظهر دور الثبات والحفاظ على الهوية والأفراد، وإلاّ فلا قيمة لأي هدف دنيوي مهما كان كبيراً وعظيماً إذا ترتب عليه ضياع الدين والأخلاق، وهذا ما صرح به سيدنا يوسف فقال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي)، وذكر السجن مطلقاً حتى يفهم منه أن السجن حتى ولو طال كل العمر أحب وأفضل من الوقوع في معصية تؤدي إلى غضب الله تعالى، فما بالك بوقوع الكفر، والانصهار، والذوبان للشخص نفسه، أو للجيل اللاحق".


أزمة التأويل

انظر مثلا إلى رؤية القرة داغي للقرآن الكريم في هذا الكتاب يقول: " إن الغاية من نزول القرآن الكريم هو التعقل والتدبر، والتبصر، والتفكر، والتحليل العقلي مع العمل".

وربما كانت هذه الأشياء من غايات القرآن الكريم وهي مطلوبة بالفعل، وإنما الغاية الأساسية هي عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة دينه الذي ارتضاه الله لعباده، والحُكْم والتحاكم إليه في جميع شئون الحياة، والتقرب إليه سبحانه بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار، كما قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (29-30) سورة فاطر.

وقال تعالى: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ) (91 - 92) سورة النمل.

ومن فضل الله ورحمته أن جعل هذا القرآن محفوظاً بحفظ الله له، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (9) سورة الحجر.

أما قول القرة داغي أن من غايات القرآن "التحليل العقلي مع العمل"، قد تبدو هذه الجملة مسايرة تماما لإعمال العقل في النصوص عن طريق فهمها وتطبيقها كما أمر الله تعالى وكما فهمها الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم من النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تسير في اتجاه "التأويل" المنبوذ لنصوص الشرع الذي نراه في إسقاط أتباع الجماعة آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة على مواقفهم، خاصة في قصة يوسف عليه السلام التي تظهر دائما في أدبيات الإخوان، وكثيرا ما شبه قيادات ومفتيّ الإخوان محمد مرسي بعد سجنه بيوسف عليه السلام وأوهموا أتباعهم بأن التمكين قادم إليه لا محالة وأن فترة وجوده في السجن تشبه تلك الفترة التي قضاها يوسف عليه السلام في السجن والتي سبقت التمكين له.

يقول القرة داغي: "وبناء على ذلك فإن تأويل الأحاديث يشمل ما يسمى في عصرنا الحاضر بالتحليل السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبذلك يتحقق الاقتداء الكامل، لأن تأويل يوسف عليه السلام للأحاديث إذا حمل على النبوة فلا قدوة فيها، لأنها غير مكتسبة، ولكن إذا شمل التحليل العقلي القائم على الحكمة فإن ذلك هو محل الاقتداء".

إسقاط التمكين

ويحاول داغي إسقاط تمكين نبي الله يوسف عليه السلام في الأرض على حال الجماعة فيقول:

"تركيز السورة على تقوية الإيمان والأمل، والثقة المطلقة بالله تعالى في جميع الأحوال ، وحتى في حال المحن والشدائد والمصائب والفتن والابتلاءات، حيث إن القصة أثبتت أن كل ما أصاب يوسف عليه السلام كان ضمن حلقات متسلسلة لتوصيله إلى ما أراده الله تعالى له من التمكين، وأن كل حلقة بما فيها من المحن والشدائد كانت ضرورية للوصول إلى الحلقة الأخرى وهكذا.

فلو لم تكن هناك مؤامرة إخوانه بإلقائه في الجب لما استطاع المارَّة أن يأخذوه إلى مصر، ولو لم يقوموا ببيعه، بل تركوه عندهم لما تحققت الحلقة التالية، وهي أن يشتريه عزيز مصر، وكذلك لو لم تكن حلقة فتنة المرأة لما دخل السجن، ولو لم يدخل السجن لم يتحقق له اللقاء بالشخص الذي رأى رؤية بأنه يسقي سيده خمراً، وهكذا تقدير العزيز العليم.

فكل ما أصابه كان ضمن هذا التقدير، وهذا يعطي الأمل الكبير لكل من يسير على الحق والصواب فتصيبه المصائب والمحن فإن عليه ألا ييأس من روح الله تعالى، فقد تكون أسباباً لمنح عظمى.