رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بـ«السلام السيبراني والتوبة».. كيف تواجه إندونسيا الإرهاب؟

إندونسيا
إندونسيا

لأول مرة.. مؤتمرات توبة «يعتذر فيها الإرهابيون لضحاياهم»
إعداد سفراء لـ«السلام السيبراني» لمحاصرة السموم الفكرية 
خطة لإعادة تأهيل السجناء واحتواء العائدين من سوريا والعراق

تضع جميع الجماعات والتنظيمات الإرهابية، إندونسيا نصب أعينها، وتعتبرها مخزنًا ضخمًا لاستقطاب المقاتلين وتجنيدهم، كونها أكبر بلد مسلم في العالم، ووجودها في الجنوب الآسيوي بمثابة باب لفتح القارة الكبيرة، مستغلين قربها من ماليزيا والفلبين وتايلاند من جهة وأستراليا من جهة آخرى.

كانت فكرة "الخلافة" المحرك الأول والمحور الأساسي لتحريك ونشأة التنظيمات الإرهابية، والمدخل الذي استغله تنظيم داعش الإرهابي، ومن قبله جماعات السلفية الجهادية والقاعدة لوضع قدم لها في تلك الدولة، وهو ما دفع المجتمع المشكل من فصائل مختلفة لرفض العنف ومحاولة التجديد دائمًا لنزع فتيل قنابل الإرهاب التي نفذت عمليات كبرى فيها.

في محاولة هي الأولى من نوعها بالعالم أجمع، نظم برنامج الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب في إندونسيا التابع للحكومة، الأربعاء الماضي، مؤتمرًا موسعًا شارك فيه 124 متطرفًا تائبًا، هدفه تقديم الاعتذار لـ51 من الناجين من أعمال إرهابية، بأحد فنادق العاصمة جاكرتا.

قالت ني لوه ارنياتي، المستشارة في "مؤسسة الناجين الإندونيسيين"، التي قاطعت اللقاء- بحسب وكالة الأنباء الفرنسية- "ثمة عدد كبير من قدامى الإرهابيين كانوا في هذه القاعة. لسنا مستعدين نفسيًا، لقد غفرنا لهم لكننا لا يمكننا التنبؤ بردات فعلنا اذا ما استفاقت عواطفنا".

تزامن المؤتمر مع لقاء موسع في مصر، جمع أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، بوفد أندونيسي للاستفادة من تجارب الأزهر الشريف في مواجهة الفكر الإرهابي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة حول الكثير من القضايا، واتفق الطرفان على عقد دورات مختلفة في جاكرتا وعدد من المدن لنشر الفكر الأزهري الوسطي، وتدريب الأزهر للائمة الإندونيسيين لنشر صحيح الدين في بلادهم.

البرنامج الحكومي للقضاء على التطرف ومكافحة الإرهاب في إندونسيا، نجح في تفكيك جزء كبير من الجماعات المسلحة المتطرفة على مدار الفترة الأخيرة، وشهدت الدولة هدوئًا واستقرارًا منذ أخر عملية إرهابية نفذها انتحاريان في محطة حافلات جاكرتا، مايو 2017، ما أدى إلى مقتل 3 من عناصر الأمن في هجوم أشارت الشرطة إلى وقوف "داعش" ورائه.

تعد "جماعة أنصار الدولة"، الإرهابية، المبايعة لداعش، التي تشكلت في 2015، من عدة تنظيمات متطرفة، أخر التنظيمات التي تستهدف إندونسيا، ونُسب إليها هجوم جاكرتا في يناير 2016، وخلف مقتل أربعة مدنيين.

في 15 فبراير الماضي 2018، اتهمت محكمة إندونيسية، أمان عبد الرحمن، مؤسس "أنصار الدولة"، الذي بايع داعش في "2014"، بأنه دبر من محبسه 3 هجمات انتحارية فى العاصمة جاكرتا عام 2016، وأقام معسكرًا لتدريب المتشددين في إقليم "أتشيه" الإندونيسي.

تعرض أكبر بلد مسلم في العالم لسلسلة من الهجمات التي شنها متطرفون، منها اعتداءات "بالي" التى أدت إلى مقتل أكثر من 200 شخص فى 2002. وكان معظم الضحايا من السائحين الاجانب لكن 38 إندونيسيا قتلوا أيضا.

بعد تنفيذ عمليات إرهابية كبرى راح ضحيتها أندونيسيين ثار المجتمع على الجماعات الإرهابية وفكرها، وحدثت لدى بعض الجماعات انقسامات، ومواجهات "فكريّة وجسديّة"، لاسيما بين إرهابيين منتمين لجماعات متطرفة و"سلفيين" ينتمون للتيار السلفي العلمي الذي يرفض الجرائم الإرهابية.

لم تكن "أنصار الدولة"، هي الجماعة الوحيدة التي هددت إندونسيا ويظل "فلولها" يحرضون على تنفيذ عمليات، فقد أصدر مركز "اعتدال" لمكافحة التطرف الأربعاء الماضي، تقريرًا مصورًا عن أخطر الجماعات الإرهابية في إندونيسيا. 

ذكر التقرير أن أولى هذه الجماعات هي الجماعة الإسلامية وأميرها أبو بكر بعاشير وكانت أهم عملياتها هجوم بالي عام 2002 والذي تسبب في قتل أكثر من 200 شخص، وثانيها "مجاهدو شرق إندونيسيا" التي يتزعمها بابو وردة والتي انضمت لتنظيم داعش الإرهابي وأعلنت عن ولاية لها هناك، فضلًا عن وجود جماعة "المدافعين عن الإسلام" وأهم عملياتها استهداف عدد من الكنائس في إقليم أنشيه، وجماعة "أنصار التوحيد" المنشقة عن الجماعة الإسلامية وبايعت جماعة داعش عام 2014. 

انضم عدد كبير من الإندونيسيين في صفوف داعش بسوريا والعراق، وأصدر مركز تحليل السياسات والنزاعات، تقريرًا خلال 2015 يفيد بأن 500 مهاجرًا يقاتلون مع التنظيم، وظهرت عدة مقاطع فيديو على الإنترنت لمقاتلين إندونيسيين في سوريا وأخرى في إندونيسيا تهدد بالقيام بهجمات في إندونيسيا.

تسعى إندونيسيا للتعاون مع دول الجوار لمحاصرة الإرهاب، فقد وقعت اتفاقية تعاون مشترك لمُكافحة الإرهاب، في يناير الماضي مع خمس دول هي: "ماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند وبروناي" من بين 10 أعضاء بـ"منظمة آسيان" جنوب شرق آسيا، ويحرص التعاون على التعاون معلوماتيًا واستخباراتيًا، ومقاومة عودة المتطرفين من تنظيم "داعش" بسوريا والعراق.

بجانب التعاون الاستخباراتي والمقاومة المسلحة، ترتكز خطة الوكالة الوطنية لمكافحة الإرهاب، بحسب تصريحات لرئيسها، سوهاردي أليوس، في فبراير الماضي، على تعاون جميع المحافظات في الدولة لمكافحة الإرهاب، وتأهيل السجناء الإرهابيين السابقين وأسرهم في مختلف المناطق، وتنظيم برامج تربوية ورقابية للسجناء الإرهابيين السابقين ممن لديهم أيديولوجية متشددة لإعادة دمجهم في المجتمع، فضلًأ عن احتواء "العائدون" من مناطق الصراع وتوفير بيئة خصبة لهم لإعادتهم إلى الفكر الوسطي.

بحسب الوكالة فقد تم تدريب الشباب كسفراء للسلام السيبراني في بعض المحافظات لنشر المحتوى الإيجابي والسلمي، في ظل وجود محتوى تكنولوجي متطور ومتطرف من الجماعات الإرهابية لاستقطاب إرهابيين جدد لاسيما من داعش والقاعدة، وإظهار حقيقة تلك المواد المسمومة التي يبثونها.