رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ما سر التقارب التركي مع الغرب الليبي الآن؟

جريدة الدستور

من الملاحظ في الفترة الأخيرة اهتمام وتواجد تركي في الملف الليبي، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، توجته وأكدته الزيارة الأخيرة منذ يومين لرئيس حكومة الوفاق الليبية، فائز السراج إلى إسطنبول ولقاوه بالرئيس التركي رجب أردوغان.

لكن المراقب بدقة يجد أن التواجد التركي اقتصاديا لم يغب عن المشهد منذ الثورة الليبية في 2011، لكن التواجد "سياسيا" مرت عليه مراحل قوة وخفوت، ولم تكن لليبيا أولوية عند نظام أنقرة إلا في قليل من المحافل الدولية.
وشكلت زيارة السراج الأخيرة ولقائه أردوغان، أهمية وتأكيد التقارب التركي خاصة مع الغرب الليبي والحكومة المتواجدة هناك، ربما كانت الشركات التركية وعودتها للعمل في ليبيا هو عنوان هذا التقارب، لكن تحاول أنقرة إثبات وجود سياسي أيضا عبر دعم تحركات البعثة الأممية هناك.
بل وصل الأمر إلى أن قام أردوغان بتعيين ممثلا له في ليبيا، وهو أمر الله ايشلر والذي أجرى عدة لقاءات في العاصمة الليبية طرابلس، ونظم عدة زيارات لمسئولين ليبيين ودوليين إلى أنقرة لبحث الملف الليبي وتطوراته.
ومن بين اللقاءات المهمة التي أجراها هذا المندوب، هو لقائه بالمبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة في اجتماع شبه مغلق للاستماع إلى تفاصيل "خطة سلامة" للحل في ليبيا، ثم خرج للإعلام بعدها ليؤكد "دعم تركيا بقوة لـ"خارطة طريق سلامة، واصفا إياها بـ"فرصة مهمة وتفتح نافذة جديدة أمام الحل بليبيا، مؤكدا وقوف بلاده على مسافة واحدة من جميع الأطراف الليبية".

نفور مع "الشرق"

في مقابل هذا التقارب مع الغرب الليبي، يوجد نفور يفوقه مع "الشرق الليبي"، خاصة بعد تكرار خطاب "اتهامات" وتأكيدات على ضلوع نظام أردوغان في تمويل ودعم "الإرهاب" في ليبيا، وأخذت الاتهامات صبغة سياسية من قبل هجوم رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح وبعض نوابه على أنقرة واتهامه بدعم تيار "المفتي" وبعض المتطرفين في ليبيا، واستقبال أنقرة وعلاج جرحى من مقاتلي "مجلس شورى بنغازي" المناويء للجيش بقيادة "المشير" خليفة حفتر، وهو ما يعد دعما ضمنيا وحقيقيا لأطراف ضد "الجيش"، حسب الاتهامات.

وحمل الاتهام أيضا صبغة عسكرية كانت هي الأشرس، من قبل المتحدث باسم الجيش الليبي في الشرق، العميد أحمد المسماري، والذي كرر كثيرا التأكيد على دعم تركي للمتطرفين المناوئين للجيش، ومدهم بالأجهزة اللاسلكية وأجهزة التشويش، مستشهدا بالسفينة التركية التي تم القبض عليها هي في طريقها إلى ليبيا وكانت محملة بمواد تستخدم في صنع المتفجرات.(أنقرة نقت قطعا أن تكون السفينة ملكا لها، وطالبت بالتحقيق في الأمر).
وبين تقارب ونفور ظل الموقف التركي على ما هو عليه منذ فترة ليست بالقصيرة، خاصة بعد عملية "الكرامة" التي أطلقها حفتر في الشرق الليبي.

وعودة إلى زيارة السراج وتقاربه مع نظام أردوغان، والذي يمكن في هذا التوقيت ربطه من الناحية الاقتصادية في جانب محاولة من حكومة الوفاق التي تعاني عدة مشكلات اقتصادية، بمغازلة الشركات التركية للعودة من جديد أو استئناف مشروعاتها المعطلة منذ أحداث 2011، لعل وعسى أن تسهم في "إنعاشه اقتصادية".

لكن سياسيا، يمكن النظر للتقارب من ناحية حرص السراج وحكومته وسياسي الغرب الليبي على إجراء الانتخابات خلال العام الجاري حتى تنتقل البلاد إلى دولة مؤسسات منتخبة، لربما يمكنها مواجهة المخاطر المحيطة بها، وهنا قد يكون "طمع" من قبل السراج في دعم تركي للعملية الانتخابية عبر دعم البعثة الأممية لإتمام خطتها أو محاولة لكسب دعم تركي مباشر لمواجهة دعم من قبل آخرين للمشير حفتر حال دخوله في المنافسة.

لكن هل هذا التقارب بين السراج ونظام أنقرة سيؤثر على علاقة حكومة الوفاق بالدولة المصرية والتي هي في قطيعة مع نظام أردوغان، وهل يمكن قراءة الزيارة في إطار محاولة من قبل الغرب الليبي للاستقواء بتركيا للضغط على مصر؟.
الحقيقة وبقراءة متواضعة للواقع يمكن الرد بكلمة واحدة وهي: لا.. لن تؤثر الزيارة "البروتوكولية" على علاقة مصر بحكومة "الوفاق" كون مصر ليست وصية على أحد ولا تريد، فهي تحاول المساعدة في حلحلة الأزمة الليبية، وتواصلت فعليا عبر "اللجنة المعنية بالملف الليبي"، مع كل الأطراف، وخاصة في موضوع "توحيد" المؤسسة العسكرية الليبية، فمن مصلحة القاهرة استقرار ليبيا، وأكد ذلك دعمها لخطة "سلامة" وللعملية الانتخابية.
لكن يظل سر التقارب الآني التركي مع الغرب الليبي يكمن في بعد اقتصادي "براجماتي" بين الطرفين، يمكن أن يتخلله بعد سياسي يتمثل في دعم العملية السياسية ما لايؤثر على علاقات ليبيا بدول الجوار خاصة مع مصر، أما تركيا فمحاولاتها للتقارب مع القارة السمراء لن يتوقف.
ــــــــــــ
"*" كاتب وباحث سياسي