رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأفكار الظلامية الإرهابية والثورة التنويرية


حين يشتد الفقر وتتدهور أوضاع الصحة والتعليم والسكن والغذاء، حين تغيب التنمية الحقيقية فى المناطق الفقيرة وبخاصة فى جنوب الصعيد والمناطق الحدودية المهمة فى مصر وعلى رأسها سيناء الغالية، تكون الأرض ممهدة لزراعة الأفكار المتشددة والإرهابية فى رءوس الشباب لضمهم باسم الدين إلى جماعات التكفير والجهاد والإرهاب...

...وتصبح محافظاتنا الحدودية، بدون التنمية والبشر، مرتعا لتهريب السلاح وتدريب الإرهابيين.

فى الفترة الأخيرة نجد أن التصدى للإرهاب بالأمن فقط من خلال الجيش والشرطة. ليس بالأمن فقط نقضى على الإرهاب، فللقضاء عليه واجتثاث جذوره لابد من تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الحقيقية والعدالة الانتقالية بمحاكمة ومحاسبة كل من يقترف جرائم مخالفة للقانون من قتل وتدمير منشآت الدولة وممتلكات الشعب وحرق دور العبادة وإشعال الفتن.

فالعدالة الناجزة استقرار للمجتمع وحق للجميع. ولكن هذا كله ليس بكاف ما لم يرتبط بثورة ثقافية مجتمعية تعيد لنا التنوير الذى يهزم الأفكار الظلامية، ثورة ثقافية يشترك فى تقديمها عدة وزارات وجهات مسئولة: وزارة الثقافة، والهيئة العامة لقصور الثقافة، وزارة الشباب والرياضة، مراكزالشباب فى كل أنحاء مصر، والمجلس الوطنى للإعلام، وهيئة الكتاب، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالى، وهيئات المسرح والفنون بكل أشكالها.

التعليم الذى يعتمد على التنوير والتعريف بالتاريخ الوطنى وتعميق الانتماء والهوية، والثقافة التى تعتمد على حرية الفكر والإبداع فى كل المجالات الأدبية والمسرحية والسينمائية والفنون التشكيلية، والإعلام القائم على التثقيف والتنوير بإعادة نشر القيم الإيجابية الديمقراطية، ودور قصور الثقافة فى نشر المفاهيم والقيم والحفاظ على الموروثات الثقافية الفلكلورية، ودور مراكز الشباب فى احتواء طاقات الشباب بعمل معسكرات تثقيفية وترفيهية ورياضية وفنية، وإجراء حوارات مستمرة مع الشباب. ولابد من نشر الخطاب الدينى الوسطى المتسامح من خلال المؤسسات الدينية وجميع المؤسسات الثقافية، كل هذه الوسائل أساسية فى التصدى للفكر الظلامى الإرهابى المتطرف البعيد عن جوهر الأديان فى العدل والمساواة والمحبة والسلام.

وفى المؤتمر الأخير الذى جمع خيرة المثقفين المصريين، والذى انعقد فى المجلس الأعلى للثقافة لمدة ثلاثة أيام متوالية، كانت جميع التوصيات تتمحور حول عنوان أساسى: ثورة ثقافية تنويرية فى كل ربوع مصر. فإذا بدأنا بالتعليم بكل مراحله المختلفة لابد أن تلجأ الوزارة إلى خبراء التعليم لوضع مناهج تعتمد على إعمال العقل وتطوير الابتكار وليس على التلقين والحفظ. كما نحتاج إلى تعليم يكون وفق خطة مدروسة لما هى احتياجات التنمية الوطنية، والتدرب على التفكير العلمى وإتقان المنهج العلمى فى البحث والتفكير، وتطوير البحث العلمى وتوسيع التعليم بجميع مراحله وبخاصة التعليم الجامعى. غير تنمية القدرات والمواهب فى مجال التخصص. مناهج يكون هدفها تعميق الانتماء للوطن، وتعتمد على التعريف بتاريخ هذا الوطن ونماذجه الريادية، والتعريف بقادة الفكر والسياسة والعمل البارزين فى تاريخه، كما يسعى لنشر قيم التسامح والمحبة والمواطنة وعدم التمييز والتدريب على العملية الديمقراطية من الصغر والحرص على ديمقراطية العلاقة بين الطلاب والمدرسين وبين المدرسين والإدارة.

وإذا تحدثنا بتفصيل عن مراكز الشباب، فهل نطمح أن تصل الدولة بهذه المراكز إلى المناطق البعيدة والفقيرة فى الكفور والنجوع والقرى، لجذب الشباب إلى أنشطتها المتنوعة لتستوعب طاقاتهم بدلا من تركهم نهبا للجلوس على المقاهى وانتشار أمراض الإدمان وشتى صور الاغتراب، وبدلا من تركهم فريسة للفكر المتطرف الإرهابى.

وبالنسبة لقصور الثقافة المنتشرة فى كل أنحاء البلاد وحتى فى المحافظات الحدودية، والتى يقوم عليها مسئولون كلهم حماس لأداء مهامهم ولكن يقيدهم ضعف الإمكانيات المادية، كما تقيدهم مختلف اللوائح والقوانين البيروقراطية. آن الأوان لأن تلعب هذه القصور دورا كبيرا فى إطلاق الإبداعات الفنية والأدبية لدى الشباب المصرى بالذات من خلال أشكال مثل نوادى السينما والفرق المسرحية والفنون الشعبية والحفاظ على الموروثات والفلكلور الشعبى فى كل منطقة.

ولا ننسى أطفال الشوارع. هل نطمح فى خطة قومية يشارك فيها كل تلك المؤسسات بالتعاون مع منظمات المجتمع المدنى لاستيعاب هؤلاء الأطفال وتحويلهم من مجموعة محرومة ناقمة على المجتمع إلى مجموعة تتمتع بالحد الأدنى من توفير الاحتياجات الأساسية المادية وتوفير المجالات الثقافية والتعليمية والتدريبية من أجل إعدادهم للمشاركة فى بناء الوطن.

هل آن الأوان لكل الوزارات المعنية التى أسلفنا ذكرها أن يجتمع ممثلوها مع عدد من الشخصيات من كبار المفكرين والمبدعين والمثقفين فى جميع المجالات، لتحقيق هذه الثورة الثقافية. يجلسون معا، يضعون خطة عمل لتنفيذها فورا فى كل ربوع مصر جنوبا وشمالا وشرقا وغربا، يعملون كخلايا النحل لنشر الفكر الديمقراطى الوطنى المستنير التقدمى ومحاصرة ووأد الفكر الإرهابى الظلامى.

إن الاستعداد من قبل شرفاء مصر فى كل المجالات للعمل من أجل هذا الهدف النبيل متوفر، فهل نبدأ؟