رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكامنا ..أقدارنا


عرف العالم الأول من دنيانا ذات الغرفة الواحدة نتيجة للعلوم وتقدمها والفنون وروعتها ووسائل التواصل وما أسرعها عرف أن الحاكم هو خادم لشعبه وبقدر حبه وإخلاصه لشعبه ولوطنه بقدر حب الناس له وحرصهم عليه حتى قال الحاكم لزائره وهو يسأله عن انضباط الأمن وروعة الأمان فأجابه إننا أقمنا اسواراً منيعة لا يمكن اختراقها أو فتح أى ثغرة فيها

... ولكن الصديق الزائر سأله إننا تجولنا ولم نر الأسوار المنيعة التى تحكى عنها، فأجابه الحاكم إن شعبنا هم السور الواقى والسلاح الحامى والعيون الساهرة والوفاء لدولتهم، ومن نحن إلا لخدمة هذا الشعب. لقد نقلنا عنهم فكتبنا «الشرطة فى خدمة الشعب» شعار مكتوب على رأس كل مسئول ولكنه أصبح شعاراً باهتاً بالياً ونسيه السائل والمسئول معاً فأصبح كالعملة الورقية أو المعدنية التى تجاوزها الزمن حتى اختفت معالمها ولا نستطيع أن نتعرف على قيمتها، إما لأنها كانت ثم انتهى عصرها وسحبت من التعامل، وإما أنها أصبحت باهتة حتى لا تستطيع أن تعرف قيمتها ولا تاريخ صناعتها أو طباعتها.

لقد استخدمنا كلمة الديمقراطية حتى نسينا مدلولها وتاه تعريفها وقاومنا تعبير مدنية الدولة استناداً أن تعبير الديمقراطية يكفى ولهذا انهض أذهان القارئ بتعريف الديمقراطية علنا نراجع أنفسنا وحكامنا حول المفهوم الذى ارتضيناه وقبلناه فى دستورنا وقوانيننا وأحكامنا. فالديمقراطية نظام سياسى واجتماعى حيث الشعب هو مصدر السلطات وهو يحكم نفسه بنفسه أى عن طريق ممثلين عنه يحكمون بينهم.ومن أهم خصائص الديمقراطية أن ينتخب الشعب ممثليه عن طريق انتخابات عامة التى تمارس بدورها الحكم المتعارف عليه والموضوع بواسطته عن طريق نوابه قوانين ليست عرقية ولا إثنية ولا دينية مع حفظ حقوق المعارضة التى تراقب الحكومة وإن كانت لا تحكم مع احتمال تغيير المواقع والمراكز أو قد تصبح الأقلية هى الحاكمة والأكثرية محكومة. والحقوق التى على الحكومة أن تصونها وتحققها والتى منها حرية التعبير وحرية العقيدة وحرية الاجتماع وحرية الصحافة وسائر وسائل الإعلام.

ونجاح الحكومة – أى حكومة - فى تحقيق دولة القانون التى تحترم وتضمن حقوق المواطنين وتحقيق المساواة بين سائر المواطنين دون تمييز بسبب الدين أو الاعتقاد أو اللون أو الجنس أو المستوى الاجتماعى أو أى سبب آخر.ومن أهم مميزات دولة القانون ضمان عدم الجمع بين السلطات الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية وكذلك عدم تغول سلطة من هذه السلطات على غيرها.وهذا لا يتحقق إلا بالخضوع الكامل للدستور، فالدستور ليس للشعب فقط ولكن احترامه يبدأ من الحاكم وحكومته ثم للشعب، مع احتكام الجميع إلى السلطة القضائية عند الخلاف، وإلا أصبح الدستور حبراً على ورق ما لم يخضع له الجميع كما هو القسم الذى يؤديه كل من فى سلطة أو موقع رسمى.كما يخطئ من يظن أن الديمقراطية أقرب إلى الفوضى فيميلون إلى الديكتاتورية وهى ميل طبيعى ينحرف نحوه بعض الحكام فى الدول المتأخرة ثقافياً وسياسياً ظانين أن الشعب قاصر غير مدرب على مراقبة الحكام ومحاسبتهم، فالحاكم هو الأب الروحى لأطفال قصر لا يعرفون يمينهم من شمالهم وأن الحاكم هو مبعوث الإرادة الإلهية والساهر الواعى المدرك لاحتياجات شعبه والمدافع عن مصالحهم حتى يطلق عليه فى بعض المجتمعات المحيطة «ولى الأمر» وكأن الشعب كله دون سن التمييز يعجز عن أن يختار لنفسه، غير مدرك الفرق بين يمينه ويسارهوالسؤال الذى يفزع الجميع هو العلاقة بين الديمقراطية والدين، أو بلغة أكثر دقة النظم الديمقراطية ودمجها بالدين، فالحكم الدينى ينظر إلى الحقائق كمنزلة لها الأولوية على التفكير الفلسفى وهو مقدم حتى على الحقائق العلمية لاستناده على نصوص دينية لها قدسيتها لا تغيير فيها أو تبديل وكل ما فيها صالح لكل زمان، فكل الحقائق مطلقة لا تقبل تأويلاً أو تغييراً .كما أن تفسيرها وتأويلها يسند إلى فئة من البشر لها الاحترام، ومعارضتهم غير جائزة على الأقل من الجانب الأدبى.وفى الدولة الدينية يقع الشعب كله تحت وصاية من بيدهم التفسير والتأويل والتبرير وهم بشر غير معصومين من الخطأ إلا أنهم يقومون بدور الوصاية مع أننا ندرك أن كل مشرع أو واعظ يعكس عقليته وثقافته فى شرحه وتأويله وثقافة عصره وكل هذا يقع موقع الفرض والوصاية على جيل من البشر قد يأتى آخرون فى جيل آخر برؤى مغايرة وتفسيرات مختلفة تتفق مع ظروف ومتغيرات عصرهم.أما الحديث عن الديمقراطية الدينية فيبدو أنه حديث نظرى محض لكن من الجانب الواقعى مختلف، إذ كيف يمكن تطبيق الديمقراطية، أى حكم الشعب للشعب بالشعب، بينما هناك سلطان وسيطرة شبه كاملة لرجل الدين - فى أى دين - حيث ينظر إلى رجل الدين الذى يجعل من الدين أوامر ونواه، وأفضل مثال على ذلك نجده فى انتخابات الإيرانيين لمجلسهم النيابى عام 2005، وكذلك الرئاسة فى عام 2009، إذ تمت كل الاختبارات على اعتبارات دينية مع رفض كل ما عداها فجاءت السلطات النيابية والرئاسية للمدعين بأنهم يمثلون الله على الأرض وكأننا فى العصور الوسطى التى برز فيها السلطان الدينى. وأقرب مثال على أرض الواقع اعتراض مجلس القضاء الإدارى على تعيين النساء فى القضاء مع مخالفة ذلك مخالفة صريحة لدستور 2014 الأمر الذى تداولته وسائل الإعلام وفى طريقه إلى القضاء كأول امتحان لدستورنا الجديد «وغداً لناظره قريب».

■ رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر