رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أحمد فضل شبلول: الشعر يتعامل مع اللغة في أصفى صورها وأجلّ تراكيبها

أحمد فضل شبلول
أحمد فضل شبلول

بالتزامن مع اليوم العالمي للشعر، قال الشاعر أحمد فضل شبلول، في تصريحات خاصة لــ"الدستور": عندما كتبتُ في بداية رحلتي الشعرية أقول: "يا شعرُ يا حقيبةَ الإله" لم أكن أدرك المعنى الكامن وراء هذا السطر الشعري.

وعندما أخذت أفكر في المعنى وما يحمله من رؤى ودلالات وتأويلات وانبعاثات، وجدت فيه الكثير مما يمكن أن نذهب إليه، وما يمكن أن يرمز إلى أهمية الشعر وخطورته في حياتنا، فهو الحقيبة التي يضع الله فيها أسراره وأسرارنا، بل أسرار الوجود وقصة الخلق من مبتداه إلى منتهاه. هو الحرف المضيء والوضيء بين الكاف وبين النون، ويمنحه لبعض عباده المخلصين من وراء حجاب، وهم الموهوبون من الشعراء. أو أنه المكتوب في اللوح المحفوظ، فما من كتابة في هذا اللوح سوى الشعر، بما يحمله من معاناة الإنسان وآلامه وأحلامه في رحلة الحياة.

وتابع "شبلول": لذا كنت أعتقد أن الشعر قبسٌ من الرحمن، وأن الشاعرَ الفذَّ بين الناس رحمنُ. أو كما قال عباس محمود العقاد: والشعر من نفسِ الرحمن مقتبسٌ ** والشاعرُ الفذُّ بين الناس رحمنُ
وكنتُ قد كتبتُ الجملة الشعرية "يا شعر يا حقيبة الإله" قبل أن أقرأ قصيدة العقاد التي أتذكر أن عنوانها كان "الحب الأول".
ولكنني أمضي بعد ذلك في قصيدتي المبكرة التي حملت عنوان "قراءة في دفتر الشعر" فأقول: يا شعر يا حقيبة الإله.. مسافرٌ أنا .. إلى بلادِك السحيقة.. فربَّما أعانقُ القصيدة العريقة.. وربما أرى الإلهَ يكتبُ القدر
يقولُ للقصيدِ: كُنْ. فيسَّحِر.

ويبدو أنني في تلك الفترة كنتُ أومن برسالية الشاعر، أو أن الشاعر مبعوث إلهي من الله للبشر، أو أنه رسولٌ من خلال تلك الموهبة الشعرية التي لا يمنحها الله للكثيرين، أو هو حامل الحقيبة الإلهية المليئة بالشعر المنحاز للحق والخير والجمال، وللإنسان وللموسيقى والألوان.

وأوضح "شبلول": ولكن بعد ذلك اكتشفت أن للشعر أدوارًا أخرى، ورسائل مغايرة تنحاز أيضا للإنسان، مثل دور الشعر في حفز الهمم الإنسانية، وخاصة الشعر الغنائي الذي استمعنا إليه أثناء حرب السادس من أكتوبر على سبيل المثال. إلى جانب الشعر العاطفي الذي يصف مشاعر الإنسان ويتجول في أعماقه وإنسانيته ويفضح قدرته على العشق والتسامي، والحب الدفين الذي يكنّه الرجل للمرأة شريكة الحياة، والمرأة للرجل الذي خُلقت من ضلعه.

كما أدركتُ أن الشعر يتعامل مع اللغة في أصفى صورها وأجلّ تراكيبها، فنقول على الجملة النثرية التي تحمل قدرا من التركيب الشعري إنها جملة شعرية حتى وإن لم تكن موزونة على البحور الخليلية. لذا قال البعض إن الشعر نشاط لغوي في المقام الأول، لأن اللغة تتجلى في التراكيب الشعرية الجديدة، وفي الصور الشعرية المبتكرة بطريقة مدهشة ومفاجئة، قد لا نجدها عند الكتاب الآخرين إلا قليلا، وبطريقة ربما تفاجئ نقاد الشعر أنفسهم، فلا يملكون لها تفسيرا أو تأويلا في بعض الأحيان.

ولفت "شبلول" إلي: الشعر يتجول داخل الأعماق الإنسانية ويحاول أن يحافظ على التوازن ما بين الداخل الوجداني الرمزي الرومانسي النوراني، وبين الخارج العبثي السريالي المأزوم الذي قد يرتد إلى الداخل مرة أخرى، ويمر من خلال وعي الشاعر إلى لاوعيه، ثم يحاول الخروج مرة أخرى في ثوب آخر. وعندما لا يفلح تسقط الكلمة ويسقط الحرف فيتصدّع شيءٌ في الإنسان، ويصير القمرُ ترابًا يتهجَّى في الأحجار، ويصيرُ الماءُ سرابًا يتناسل في الشيطان. ولكن عندما تخرج الكلمة النورانية، وتصعد يصبح الحرف رموزًا للأقدار. ويضحى الشعر حقيبة للإله. لأردد ثانيةً: 
يا شعرُ يا حقيببةَ الإله
لي بسمةٌ مهاجرة
فآنسَ الشموسَ كي تُضيئ دربيَ الملئَ  بالعسس
واقبضْ على فزَّاعة الظلام
واستلهمَ الحروفَ واحضن السلام.