رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزهى عُصور المرأة المصرية

شهر مارس من أهم شهور السنة، فهذا الشهر يضم أكثر من مُناسبة تُؤكد أن المرأة كيان عظيم لا يُمكن الاستهانة به على الإطلاق، ففي الثامن من مارس نحتفل باليوم العالمي للمرأة، وفي السادس عشر من مارس نحتفل بيوم المرأة المصرية، وفي الحادي والعشرين منه عيد الأم. 


وكل تلك الاحتفالات تدل على الاهتمام بالمرأة في العالم كله، وحفاوة كل المجتمعات بها، فلو تحدثنا عن مكانة المرأة في الحياة بوجه عام، والمرأة المصرية بشكل خاص، سنكتشف أنها كيان غير عادي استطاع أن يُغير مجرى التاريخ، فنهضة المرأة المصرية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بقضايا مجتمعية خطيرة، علاوة على أن مكانة المرأة وصلت إلى درجة التقديس في مصر القديمة، حيث ظهرت معبودات من النساء على هيئة آلهة، كما أن المرأة المصرية كان لها باع كبير في إثبات جدارتها وحفر مكانتها في مصر الفرعونية، فلقد اعتلت كرسي العرش، مثل الملكة "حتب" أم الملك "خوفو" و"خنت" ابنة الفرعون "منقرع"، و"إباح حتب" ملكة طيبة، و"حتشبسوت" و"تي" زوجة "إخناتون"، و"كليوباترا" أشهر الملكات في مصر القديمة، وكثير من الناس لا يعلمون أن المرأة عملت واعتلت منصة القضاء منذ الفراغنة، فلقد عملت "نبت" وهي حماة الملك "بيبي الأول" من الأسرة السادسة، وتكرر المنصب كذلك في عهد الأسرة السادسة والعشرين، كما عملت في مجال الطب والأعمال التجارية، والمخازن، وأيضًا كانت كاهنة.

ولا ننسى أن جميع الأديان السماوية المُقدسة حرصت على احترام المرأة ووضعها في المكانة التي تليق بها، وخاصة الدين الإسلامي، الذي حاول العديد من أصحاب الفكر المتطرف إلصاق بعض الأفكار الرجعية الخاصة بالمرأة به، وفي الحقيقة فهو بريء تمامًا مما نُسب له، فالإسلام قدس دور المرأة ومكانتها، ومنحها جميع الحقوق، ولم يفرق بينها وبين الرجل سواء في القيم الإنسانية، أو العقائد، أو العبادات، أو في الأمور الحياتية، مثل القوانين التي تحفظ الحرية والكرامة والعِرض، واعترف كذلك بحقها في العلم والعمل واختيار شريك حياتها، ولذا أجاز لها حق الخُلع، حتى لا تستمر في حياة زوجية غير راضية عنها. 


كما أن الإسلام أباح لها الاشتراك في المعارك والفتوحات، فكانت تقوم بالإسعافات، وكان لها دور في المشورة ويُؤخذ رأيها، ولا ننسى أنها امتهنت وظيفة من أخطر الوظائف وهي الإفتاء، وأكبر دليل على احترام الإسلام للمرأة أنه حفظ لها حُقوقها كاملة، مثل حقها في الإرث، والمهر، والنفقة، وغيرها من الأمور المالية التي تصون كرامتها وحقوقها، وتُشعرها بالأمان.


وعلينا أن نذكر أن أول من ساهمت في إنشاء أول مدرسة حكومية لتعليم البنات في مصر كانت امرأة، وهي زوجة "الخديوي إسماعيل"، وأول من أسست مجلة مصرية تدافع عن حقوق المرأة كانت "هند نوفل"، فقد أسست مجلة "الفتاة" عام 1892م، كما شاركت "هدى شعراوي" من خلال مُؤسسة "الاتحاد النسائي"بأول وفد عربي في المؤتمر النسائي الدولي بروما عام 1923م، كما أسست المرأة كذلك الأحزاب السياسية التي تدافع عن قضاياها، ولا نُنكر دورها الريادي في نجاح ثورة 1919م، وكذلك في ثورات الربيع العربي.


فالحقيقة أن المرأة لم تترك أي مجال من مجالات الحياة، أو أي ميدان من ميادينها إلا وطرقته بمنتهى القوة والشجاعة والبسالة، فهي المُناضلة، والثائرة، وأم الشهيد، والشهيدة، والمُقاتلة، وهي الأم والزوجة والأخت والابنة والصديقة، وهي الصدر الحنون، والعقل الحكيم المُدبر، والقلب الرحيم، وهي الإنسانة المُثابرة التي تحملت الكثير حتى تحصل على حُقوقها، فلم تكلّ أو تملّ أو تتراجع، فلم تسمح للحياة أن تقهرها، ولا للأعراف أن تهزمها، ولا للجهل أن يستشري بداخلها، فلقد قهرت كل شيء في سبيل نُصرة مبادئها وأفكارها، وناضلت من أجل إنجاح قضاياها.


ولذا احترمتها الدولة، ووثقت فيها القيادة السياسية، وأنصفها فخامة الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، فلقد عينها وزيرة ونائبة وزير، ومُحافظ، ونائب محافظ، وقاضية، وفتح لها مجال التعيين في النيابة العامة ومجلس الدولة، وجميع الجهات القضائية. 


علاوة على حزمة القوانين والتشريعات التي تتم دراستها من أجل حماية وصون كرامة المرأة، مثل مشروع القانون الموجه لمكافحة العنف ضد المرأة، ومشروع منع تزويج الأطفال، وقانون الأحوال الشخصية الجديد، ومشروع قانون المجلس القومي لتأمين المرأة المصرية، وقانون العُقوبة البديلة لحبس الغارمات، وأيضًا المُبادرات الرئاسية لتمكين المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا، وسلامة صحتها، وكل هذا مُتسقًا مع أحكام الدستور المصري الصادر عام 2014م، والذي ينص على حق المرأة في التعيين في كل وظائف الدولة دون تمييز، وحقها في تقلد الوظائف الإدارية العليا، وفي جميع الجهات القضائية.


فحقًا المرأة تعيش في عصرها الذهبي، وهي أزهى عُصورها على مر التاريخ.