رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«كهف القارئ».. كتاب نقدى جديد يشتبك مع قضايا روائية

الكاتب العراقي كه
الكاتب العراقي كه يلان محمد

تطرح الرواية سواء العالمية أو العربية الكثير من الأسئلة المنبثقة من انشغالات العصر الذي كُتبت فيه، ما يجعلها سجلًا يكشف عن أحوال المجتمعات والأفراد في فترة تاريخية معينة. في كتاب "كهف القارئ"، للكاتب والناقد العراقي كه يلان محمد، والصادر حديثًا عن دار "صفحة 7"، حفرٌ في قضايا وأسئلة تتعلق بفن الرواية فضلًا عن تحليلات نقديّة لعدد من الأعمال الروائية البارزة. 

غلاف كتاب “كهف القارئ”

تشابك الرواية والصحافة 

يضم الكتاب عددًا من المقالات التي يشتبك كل منها مع قضية أو فكرة تتعلق بالرواية، ويستهل الكاتب عمله بمناقشة عن العلاقة الرابطة ما بين الرواية والصحافة، فيشير إلى أن ثمة علاقة وثيقة تربط بين المجالين سواء على صعيد استقاء الكاتب الروائي لفكرة عمل مما تنشره الصحافة من الأخبار والموضوعات، أو على صعيد الأثر الذي يتركه عمل الروائي  بالمجال الصحفي في رشاقة وسلاسة أسلوبه الروائي. 

ويلفت محمد إلى أن الروائي عليه أن يتمتع بحس صحفي ما يجعله منتبهًا لما يُعرض في الصحف، موضحًا أن الروائيين العاملين بالصحافة استفادوا من خبرتهم بالكتابة الصحفية في أعمالهم الروائية على صعيد المضمون الذي كان شرارة خرجوا منها بعمل روائي متكامل مثلما كان الحال مع نجيب محفوظ في روايته "اللص والكلاب"، والروائية السورية مها حسن في روايتها "عمت صباحًا أيتها الحرب"، وأيضًا الروائي العراقي خضير فليح الزيدي في روايته "فاليوم عشرة"، وكذلك فالروائي الصحفي يفيد من الكتابة الصحفية في بناء أسلوب روائي مميز غير مثقل بالفخامة اللفظية. 

الرواية وغواية السيرة 

لا يُنكرُ معظم الروائيين الأخذ من معين تجاربهم الشخصية لبناء الأعمال الروائية، فالجانب السيري يحضر في كثير من الأعمال الروائية بتنويعات مختلفة سواء عبر التعبير عن الرؤى الفكرية ورغبات الكاتب على لسان الشخصيات الروائية أو أن تكون الشخصيات المبثوثة في أعطاف الأعمال الروائية وجوهًا متعدّدة لشخصية المؤلّف مثلما نجد في أعمال الكاتب محمد شكري. 

من جهة أخرى، قد لا يكتفي الكاتب بالنهل من سيرته الذاتية فحسب وإنما يفيد من سير الآخرين التي قد تكون مادة دسمة للعمل الروائي، حتى وإن كانت تتسم بالبساطة أو عدم الشهرة، "فما يكسب السيرة الروائية خصوصية هو ما يتمتعُ به الكاتبُ من قدرة على خوض لعبة التَّخييل، بفضل إعفائه من ضرورة تطابق كل ما يُحكيه في عمله مع ما ذكرته كتبُ التاريخ".

الرواية والمُحرّم

يُبين الكاتب أن "التنازع بين رغبة فن الرواية في تناول شتى الموضوعات دون الامتثال لمفهوم المُحرم، وما تفرضه السلطةُ من القيود على التفكير سيظل عنوانًا لواقع الخصومة بين الروائي والرقيب؛ سواءُ أكان مُتلبسًا بصفة سياسية أم بألقاب دينية"، لافتًا إلى أن العمل الروائي يصطدم بالمؤسسة السياسية أو الدينية حينما تجرى محاكمته بناء على قواعد أخلاقية سائدة.

ويقول الكاتب إن الرواية قد تلعب دورًا سياسيًا غير مباشر بما تصنعه من وعي لدى القارئ، وبما تقدمه من استشراف للمستقبل بناء على الواقع. 

الأدب والنقد

قاد الواقع الجديد بما يشهده من هيمنة العالم الافتراضي إلى تغيرات في المشهدين الروائي والنقدي، فالقارئ صار بإمكانه إجراء مناقشات مع كاتبه المفضل ومتابعة ما ينشر حول أفكاره وأعماله، ومن الجانب الآخر، بات بإمكان الروائي أن يتعرف إلى آراء القراء تفصيلًا حول أعماله، وهو ما يعتبره الكاتب "عاملًا لتشكيل مزاج جديد في الكتابة، ونشوء ذائقة حساسة". 

ونتاجًا لتلك المتغيرات، بات التجديد في الرؤية والأدوات النقدية مطلبًا رئيسًا حتى لا يؤول النقد إلى الجمود والركود، وفي هذا الصدد يرى الكاتب أن "المُلاحظ في حالة النقد مؤخرًا، فراغ علبته من الأدوات التي تمكن من إجراء قراءات عميقة للنص، واستكناه ما يضمره من مؤشرات دالة على التحول على الأصعدة كافةً".

اتجاهات الرواية 

يرى الكاتب أن جُلَّ الأعمال الروائية التي صدرت خلال السنوات السابقة استمدت تيماتها الأساسية من الواقع المعيش ومن الظواهر التي غزت المُجتمعات عقب الحروب، بيد أن جانبًا من الروائيين اتجه إلى موضوعات مغايرة مثل التاريخ والتصوف بحثًا عن مناطق مختلفة تبرز إبداعهم.

ويشير إلى أنه في سياق العالم المعولم الراهن وفي إطار انفتاح المجتمعات بعضها على بعض بفعل التطورات توزعت الموضوعات الروائية بين النزعة الاستشرافية والتوجّس من الآخر، والصراع بين التقليد والحداثة. كما أن الرواية قد تقدم مؤشرات دالة على تحولات في مستوى الواقع والفكر. 

الرواية الوحيدة 

لا ترتبط مقدرة الكاتب وكفاءته بكم ما يكتبه وإنما بما يطرقه من موضوعات مميزة وأساليب أدبية متفردة، وفي هذا الصدد يوضح الكاتب أن ثمة روائيين كشفوا عن تميزهم بعمل واحد فقط، فهناك شعراء كتبوا رواية واحدة، لكنها كانت فارقة مثل الشاعر ميخائيل ليرمنتوف الذي برزت روايته "بطل من هذا الزمان". وفي السياق ذاته،  فثمّة كُتَّاب لم يصدر لهم إلا عمل روائي وحيد، مثل رواية "سارة" لعباس العقاد، ورواية "اللعبة" لتوفيق الصايغ.  

وإلى جانب ما يناقشه الكاتب من قضايا روائية، يقدم قراءات في عدد من الأعمال العالمية لكبار الروائيين مثل جوزيه ساراماجو وباتريك موديانو وجون شتاينبك وإيزابيل الليندي وباولا هوكينز وإليساندرو باريكو وأفونسو كروش، وهي قراءات اتسمت بملامسة جادة لما يطرحه العمل الروائي من إشكاليات وأفكار.