معايشة لـ«الدستور» بقرية المعماري حسن فتحي بعد التطوير.. والأهالي: اهتمام الدولة بعث لنا سعادة

بمجموعة من الخامات البسيطة والمستوحاة من البيئة التي كانت محيطة به استطاع المعماري الرائد حسن فتحي تأسيس عدد من المباني التي اعتمد في معمارها علي الطين اللبن ونظام القباب، ولم تكن تصميمات عادية ابدًا ولكنها مع مرور الوقت أصبحت مزارات تاريخية مميزة ومن أبرز العوامل الجاذبة للسياحة في مدينة القرنة بشكل خاص ومحافظة الأقصر على وجه العموم، حيث يتوافد إليها عدد كبير من الطلاب والمهندسين من مختلف بلدان العالم المهتمين بهذا التراث والأيقونة المعمارية حسن فتحي.

ومع مرور الزمان والخامات البسيطة المستخدمة في تصميم منزل قرية المهندس حسن فتحي تهالكت المباني وتوقف النشاط بقصر الثقافة، وأغلق المسجد أبوابه أمام المصليين، نظرًا لأنها لتشققات حوائطها أصبحت هذه الأماكن غير أمنة على روادها، ولكن كان هناك دورًا هامًا للدولة المصرية وتحديدًا وزارة الثقافة برئاسة الدكتورة أيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة في أعادة ترميم المباني التراثية التي نفذها المعماري العالمي حسن فتحي، واسترجاع استقبالها لروادها من جديد.

وأجرت «الدستور» معايشة داخل قرية المعماري الرائد حسن فتحي بمحافظة الأقصر، لرصد أراء الأهالي حول أعمال التطوير والترميم التي تمت داخل القرية، وبالإضافة إلى تصريحات من المسئولين عن عودة الحياة مرة أخري إلى القرية:

مع أولي خطواتنا داخل قرية المهندس حسن فتحي نجد أن متبقي فيها بعض المباني التراثية المميزة بنفس هيئتها القديمة ولمسات المعماري الرائد حيث انه اعتمد في بناءها على الطوب اللبن لذلك هي بارزة، ولكن هناك بعض المنشآت المستحدثة ايضًا داخل القرية المعتمد فيها على الخامات الحديثة.

أهالي القرية

قال الحاج أحمد عبدالراضي، يقيم بمنزل المهندس حسن فتحي بقريته التراثية بمدينة القرنة، إنه يعيش داخل القرية منذ صغره وهو في سن 10 سنوات حتي الوقت الحالي، و أنهم مهجرين من منطقة جبل القرنة وتوافدوا لقرية حسن فتحي، حيث أن المعماري حسن فتحي انشئ قرية متكاملة وبني فيها منازل و مسرح ومسجد و3 مدارس وسوق سياحي وسوق تبادل تجاري، وأنه بعد فترة من الزمن تدهورت حالة القرية وأهملت المنازل وانهارت، موضحًا أنه أجري أعمال ترميم منزله علي نفقته الخاصة وجعله قبله ومزار سياحي لجميع السائحين والزائرين المتوافدين من جميع أنحاء العالم لرؤية منزل حسن فتحي وطريقة تصميمه الفريدة، بالإضافة إلي التعرف علي تاريخه.

وأضاف لـ«الدستور» أن والده كان يعمل مع المهندس حسن فتحي لفترة طويلة جدًا وبعدها ترك له منزله الذي أول منزل بني في القرية، حيث أن حسن فتحي بني 70 بيت داخل قريته التراثية، إلا أن هناك العديد من الأهالي غير ملامح منازلهم،  إلا أنه نفذ أعمال الترميم لمنزله واستمرت تقريبًا 18 عامًا للحفاظ علي المنزل بنفس طريقة بناءه بالطوب اللبن ونفس هيئته المعمارية المميزة، مشيرًا إلي أن تفاجأ أن منزله أصبح قبلة لجميع المعماريين في العالم والمهتمين بمجال العمارة بالطين، وأن تعاقدت معه شركات لزيارة المنزل، وطلاب الجامعات من جميع بلدان العالم، بجانب السائحين والزائرين.

وأوضح أنه يتولى الشرح للطلاب عند زيارتهم للمنزل وتعرفيهم على العمارة بالطين قائلا «انا بديهم معلومات ما اخدوهاش بالجامعة»، كما أن هنآك ورشة لتدريب الطلاب على طريقة العمارة بالطين على نفس نهج المهندس حسن فتحي، ويتوافد العديد من الطلاب لتعليم، وأبرزهم طلاب الجامعة الألمانية، حيث أنه يتم تنظيم دورة تدريبية لهم مثل أي مكان أخر، ولكن خاصة بطريقة معمار حسن فتحي.

وحول الترميمات التي تم أجرؤها لقرية المعماري الرائد حسن فتحي

 تابع لـ"الدستور"، أن اهتمام الدولة المصرية ووزارة الثقافة بإعادة ترميم الأماكن التي شيدها المهندس حسن فتحي للحفاظ على هذه العمارة بعث لنا ولأهالي القرية بأكملها سعادة كبيرة، حيث أن الترميم تم علي يد معماريين من أعلي مستوي، مما ساهم ذلك في تحسين جودة هذه المناطق والترويج لها بشكل كبير جدًا، موضحًا أن هذا بجانب منزله الذي تم تشيده بالجهود الذاتية بنسبة 80%وسيتم المتبقي من أعماله خلال الفترة القادمة.

وأشار الحج أحمد عبدالراضي إلى أنه قبل جهود الدولة المصرية في أعمال التطوير والترميم كان هو الذي يعمل على تعريف الجميع بأهمية عمارة المهندس حسن فتحي ويروج لها ايضًا، إلا أن بعد الافتتاحات التي تمت لأعمال الترميمات التي شملت قصر الثقافة، والخان، والمسجد، أصبحت القرية معروفة عالميًا وأن تعددت الاماكن الخاصة بالزيارة بجانب منزله الذي كان مالكًا للمعماري حسن فتحي وتوارثه عن والده.

ولفت لـ"الدستور" أن القرية تستقبل زيارات العديد من السائحين والزائرين من البلدان المختلفة المهتمين بعمارة المهندس حسن فتحي، حيث أن هناك عدد منهم يتجول بمفرده البعض الأخر يصطحبهم في جولة داخل منزله والمناطق التي تم ترميمها مؤخرًا، بينما يتوافد العديد من طلاب الجامعات للمشاركة في تدريب عملي عن طريقة تنفيذ العمارة باستخدام الطين وتصميم القباب ويتم تعليمهم ذلك داخل القرية، قائلاً «باب البيت مفتوح لأي حد يجي بنستقبله».

حول منزل المهندس حسن فتحي وأسباب تحويلة لمزار سياحي

أوضح محمود أحمد عبدالراضي، أبن مالك منزل المهندس حسن فتحي، أن المهندس حسن فتحي عاش في منزلهم لمدة 3 أشهر وأهداه إلى جده، وكان هناك تواصل بين جده والمهندس حسن فتحي حتى بعد مغادرته للقرية وسفره إلى القاهرة، حيث أن والده مازال يحتفظ ببعض الجوابات التي كان يرسلها لهم المهندس حسن فتحي حتى الوقت الحالي، بجانب أنهم يحتفظوا بالعديد من الصور التي تجمع جده والمهندس حسن فتحي والعاملين في اعمال المعمار الرائعة والمنفذة من الطين داخل القرية.

وذكر لـ"الدستور" أن جميع هذه الصور والمقتنيات يتم عرضها للزائرين والسائحين المهتمين بعمارة المهندس حسن فتحي أثناء جولتهم داخل منزلهم، وتبرز الصور التذكارية الموجودة لديهم اهتمام حسن فتحي باختيار العمالة من داخل القرية لهدف رئيسي وهام جدًا ليصبح ارتباطهم بالمكان ارتباط حنين لتشيده جيدًا والحفاظ عليه بهيئته وعدم فقدانها.

قال أحمد يوسف الجمل، من أهالي قرية المهندس حسن فتحي التراثية بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر، إن القرية بدأ بناءها سنة ١٩٤٥ وتوقف المشروع في عام ٥٢، وأن خلال الفترة الأخيرة أجريت أعمال الترميم داخل القرية وخاصة للأماكن التي شيدها المهندس حسن فتحي، مما ساهم في أعادتها في هيئة أفضل ما كانت عليه، سواء للمسجد أو المسرح أو الخان بشكل كامل.

وأضاف لـ"الدستور" أن أهالي القرية في غاية السعادة بعد أجراء أعمال الترميم التي تمت داخل الأماكن المعمارية الخاصة بالمهندس حسن فتحي، والتي تعد مزارًا سياحيًا بارزًا وقبله لجميع السائحين من جميع أنحاء العالم المهتمين بطريقة معمار المهندس حسن فتحي والتي تشمل تشيد المنازل من الطين اللبن.

وأوضح أيضًا أن أهالي القرية سعداء جدًا بافتتاح مسرح حسن فتحي بعد توقفه لمدة 12 عامًا، والمسجد بعد غلقه لمدة عامين، واهتمام الدولة بهذه الأماكن التراثية جيدًا للغاية، مقدمًا الشكر باسمه هو وأهالي القرية بأكملها لجميع المسئولين بالدولة المصرية وهيئة اليونيسكو على أعمال الترميمات التي تمت وإعادة المباني مرة أخرى بنفس هيئتها.

وذكر لـ"الدستور" أن قرية المهندس حسن فتحي التراثية منذ وقت بناءها في الأربعينات في القرن الماضي وهي تستقبل السائحين والزائرين المهتمين بالتراث، وجميع طلاب العالم بمجال الهندسة الذين يدرسون فن عمارة المهندس حسن فتحي، حيث أنها يطلق عليها التجربة الرائدة للمعماري العالمي حسن فتحي، نظرًا لأنه اعتمد في العمارة على الخامات البيئية الموجودة، موضحًا أن الترميمات التي تمت مؤخرًا بالقرية ساهمت بشكل كبير جدًا في زيادة عدد المتوافدين إليها والترجي السياحي لها بشكل مميز. 

بينما قال محمود سيد محمود، البالغ من العمر ٥١ عامًا، من أهالى قرية المهندس حسن فتحي، إن أهالي القرية في حالة فرحة لجهود المسئولين في أعادة الأماكن التراثية التي شيدها حسن فتحي كما كانت في السابق، حيث أن المسجد تم إعادة فتحه من جديد مع بداية العام الحديد ويستقبل المصلين والزائرين مرة أخرى بعد عامين كاملين للغلق، مقدمًا شكره وامتنانه لجميع المسئولين بالدولة المصرية للجهود التى بذلوها لاسترجاع هذه الأماكن التاريخية لنفس هيئتها القديمة وانقاذها من الانهيار. 

وأضاف لـ"الدستور" أن الأماكن التراثية التي اسسها المهندس العالمي حسن فتحي ساهمت بشكل كبير جدًا في جعل القرية بارزه ومعروفه للعالم بأكمله، حيث أن يتوافد عدد كبير جدًا للتعرف على تراث حسن فتحي وذلك بعد القراءة في كتبه عن هذه الأماكن، مشيرًا إلى أن المسجد الذي شيده حسن فتحي داخل القرية يعد أول مسجد شيد على الطراز الإسلامي وشكل القباب بمحافظة الأقصر، ويأتي إليه الزائرين بشكل دائم وكل عام لمشاهدته نظرًا لأنه ضمن تراث المعماري العالمي.

المسئول عن أعمال الترميمات بمواقع المهندس حسن فتحي داخل قريته

من ناحيته قال المهندس لطفي حسن، المسئول عن أعمال الترميمات بقرية المهندس حسن فتحي، إن مرحلة الترميمات الأولي بدأت بعد سنوات طويلة وأن هيئة اليونيسكو ساهمت بالجانب المالي، وتحت أشراف التنسيق الحضاري التابع لوزارة الثقافة، وتضمنت المرحلة الأولي 3 مباني وهم المسجد والمسرح والخان، حيث أن الحالة كانت يائسة جدًا لهذه المباني والمشكلة بأكملها كانت تنحصر في المياه الجوفية والصرف الصحي والري بطريقة سيئة ما أدي بدوره في عمل تصدعات وشروخ  للحوائط  في هذه المباني ومنها تهدم أثر نزول المياه في المنسوب المنخفض، وأسلوب الصرف ايضًا الذي ساهم في تلف الأساسات.

وأضاف لـ"الدستور" أن أعمال الترميمات للمباني التراثية  شملت استبدال الأحجار التالفة بأخري جديدة من نفس النوعية، وتصنيع الطوب بالمقاسات المختلفة بالنسبة للحوائط  والقباب والإرشات  بنفس المقاييس وكل التكنيكات التي اعتمد عليها حسن فتحي، وتمت أعمال الترميم لجميع المباني، مشيرًا إلي أن جزء القباب الموجود داخل الخان كان مغطي بطبقة من البلاستر ولكنه فضل عدم تغطيتها مره أخري حتي يظهر تكنيك التنفيذ الخاص بالمهندس حسن فتحي، نظرًا لأنها الجزئية التي توضح تراثه ومدي اهتمامه بإضافة لمسات الأيدي العاملة التي يصعب إيجادها حاليًا، قائلاً: «أحنا عانينا منها وكان في مشكلة لأن العمال تطوروا في استخدام الطوب الأحمر وغيره من الخامات وأن الأيد تشتفل في الطوب اللبن مكنش في حساسية كافية، بس نجحنا أننا نخلي الموجودين يعملوا نفس شغل حسن فتحي».

وأوضح أن ترميم وتطوير الخان بقرية المعماري الرائد حسن فتحي يشمل جزئين الأول الترميم للحفاظ على الأماكن المعمارية الخاصة بالمهندس حسن فتحي، والثاني أعادة استخدام المكان، نظرًا لأن أن وزارة الثقافة تسعي لذلك بشكل جيد، حيث أنه تم تأسيس عدد من المحال للحرف اليدوية لتعد منافذ بيع وعرض، وأنها في الوقت الحالي تحت التنفيذ وخلال الأيام القادمة ستصبح جاهزة، لافتًا إلى أن الطابق الثاني في الخان بدأ يستخدم كمبيت للفنانين، ويعتبر ضمن الاضافات الخفيفة التي ساهمت بدورها في إحياء المكان مرة أخري.

وأشار إلى أن عندما يتم افتتاح هذه المنافذ ويتوافد العديد من الفنانين إلى المكان سواء للرسم أو عرض أنواع الفنون سيساهم ذلك في الاستمرارية ونقطة هامة جدًا لتشجيع السياحة والترويج لها داخل المكان بشكل أكبر، موضحًا أن مازالت هناك أعمال الترميمات المرحلة الثانية والتي تتضمن منزل حسن فتحي، وتطوير باقي المنطقة بعمل أرضيات جديدة ليصبح المكان ممشي بدلاً من أن تكون مكان عابر للسيارات، وذلك بهدف تهيئة المنطقة كما كان يريد حسن فتحي.

الثقافة

قال محمد ادريس، رئيس الإدارة المركزية لإقليم جنوب الصعيد الثقافي السابق، في أخر تصريحات أدلي بها لجريدة الدستور قبل وفاته، إن هناك سعادة كبيرة تنتاب أهالينا بقرية حسن فتحي التراثية بعد افتتاح  قصر الثقافة بداخلها وعودته للحياة مرة أخري بعد قيام اليونيسكو بترميمه هذا القصر التراثي العظيم داخل هذه القرية الجميلة، والمجهود الكبير الذي قامت به وزارة الثقافة بقيادة الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وأنه بعد الانتهاء من الترميمات داخل القصر كان لزامًا عليهم إعادة الانشطة الفنية والثقافية مرة أخري إلي هذا القصر و أحضان قرية حسن فتحي التراثية.

وأضاف لـ"الدستور" أن بداية الأنشطة اقيمت فعاليات مهرجان التحطيب القومي والذي يقام كل عام أمام قصر ثقافة حسن فتحي، ثم توالت بعد ذلك الفعاليات الثقافية والفنية التي قدمت من خلال قصر ثقافة حسن فتحي بتنظيم احتفالية فنية كبري خاصة بالتراث الشعبي والسيرة الهلالية والفلكلور قدمتها أبن الأقصر الفنانة شيماء النوبي وسط حضور جماهيري كبير، متمنيًا مواصلة تقديم هذه الأنشطة والفعاليات الفنية والثقافية.

وأوضح «إدريس» أن بدأت بالفعل البروفات الخاصة لإقامة وتقديم العرض المسرحي للمخرج الكبير يسري السيد علي مسرح قصر ثقافة حسن الذي سيتم تقديمه للجمهور بعد شهرين، وأنه تم تنظيم العديد من الفعاليات الفنية والثقافية الخاصة سواء بالصغار أو المرأة وللشباب وجميع شرائح المجتمع.

ووعد رئيس إقليم جنوب الصعيد الثقافي أن تكون الفترة المقبلة فترة يقدم فيها وجبات فنية وثقافية دسمة لكل أهالينا بقرية حسن فتحي، متمنيًا أن يكون هناك تفاعل كبير بين الأهالي والجماهير بالقرية مع إدارة قصر ثقافة حسن فتحي وفرع ثقافة الأقصر.