رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أن نثق بما نراه.. كيف غيرت الفوتغرافيا مانعرفه عن أنفسنا (ما نعرفه عن وجوهنا)

ترقى كتابة تاريخ صورة البورترية إلى كتابة تاريخ التصوير الفوتوغرافي نفسه بدأت علاقة الفوتوغرافيا والجسم تظهر بصور البورترية ، فكانت صورة البورتريه مؤشرا للطبقة الاجتماعية لإظهار القوة والمكانة والنبل وكانت مخصصة عادةً للأثرياء ، لأن البورتريهات المرسومة كانت باهظة الثمن، وفي ذلك الوقت معظم العوام ، حتى في أوروبا وأمريكا الشمالية ، لم يتمكنوا من امتلاك صورة خاصة لأنفسهم لكن مع التطور التكنولوجي لعلم التصوير وإطلاق أول كاميرات Kodakواستحداث طرق تثبيت الصورة والطباعة الورقية  وتقليل زمن التعريض صارت الصور الفوتوغرافية أقل تكلفة مما مكن الكثير من امتلاك صور خاصة بهم

عندما أعلن عنdaguerreotype لأول مرة في عام 1839 ، كانت أوقات التعريض حوالي 15 دقيقة ، مما قيد التصوير في موضوعات الطبيعة الصامتةأو المناظر الطبيعية ؛ومع ذلك في نفس العام ، أنتج روبرت كورنيليوس ما يعتبر أول صورة فوتوغرافية ذاتية.

Robert Cornelius the first photographic self-portrait

بدأت ستوديوهات البورتريه في الظهور لم تلق هذه الاستوديوهات نجاحًا فوريًا ، حيث كان الجمهور لا يزال غير متأكد من الوسيلة الجديدة ولردع مخاوفهم ، سعى المصورون لالتقاط صور لأشخاص مشهورين ، مثل أبراهام لنكولن وتشارلز ديكنز. 

أصبح التصوير الفوتوغرافي للصور الشخصية وسيلة الناس للحصول على صورة لأفراد الأسرة أو أحد المشاهير دون الحاجة إلى تكليف فنان برسم صورة تستغرق وقتًا طويلاً.

بحلول عام 1841 ، أسفرت التطورات الكيميائية عن لوحات أكثر حساسية ، وقد طور فويغتلاندر من النمسا عدسة Petzval ، التي كانت أكثر حساسية للضوء بـ 20 مرة ، و أسرع من العدسات الموجودة فسمحت هذه التحسينات بأوقات تعريض تتراوح من 10 إلى 60 ثانية ، وهي قصيرة بما يكفي لتصوير الأشخاص.

يمكن الأن الحصول علي صورة شخصية في زمن أقل وبتكلفة منخفضة عن اللوحات المرسوة وهو ما جعل المستهلكين يتهافتون علي الوسيط الجديد ،رغم أن تكلفة الصورة الفوتوغرافية لم تكن في متناول الكل ففي عام 1840 ، كانت تكلفة داجيروتايب حوالي 30 دولارًا ، أي ما يعادل أجر ثلاثة أشهر أو أكثر للشخص العادي.

لذا ظلت الصور الشخصية استثمارات ثمينة ونادرة ؛ بالنسبة للعديد من الأشخاص ، الذين يأملون في الحصول على صورة واحدة فقط طوال حياتهم وهو ما أدى وتسبب في ظهور صورة ما بعد الوفاة. نظرًا لارتفاع معدل وفيات الأطفال في القرن التاسع عشر ، فإن الفرصة الوحيدة للعديد من العائلات لتذكر طفلهمالمتوفي قد تكون صورة ما بعد الوفاة وبالمثل ، فإن الأحباء المسنين الذين وافتهم المنية ربما لم تكن لديهم أبدًا صورة شخصية أثناء حياتهم ، لذلك كانت صورة ما بعد الوفاة بمثابة ذكرى ملموسة وحيدة.

Post-mortem, unidentified young girl, George Eastman House

بدأت صورة البورترية تتعلق بالسياق الاجتماعي عندما  تعاون المصور Robert Adamson مع الرسام      David Octavius Hillفنقلا صور الجسم من الفراغ والخلفيات الثابتة إلي فراغ تشغله كائنات وعناصر أخري وبالتالي ظهر مفهوم السياق الاجتماعي للصورة ، واقتصر فن التّصوير كذلك على بعض اللّقطات العامة التي توثق حضور المجاميع في اصطفاف متكلف، لكن ما برحت اللّقطة حتى تحولت إلى فن، له قواعده وله أسسه المعروفة

 

Robert Adamson ( 1821 –1848)

بدأت صور البورترية لتحقيق الوظيفة الأساسية وهي (تحديد الهوية)ثم تطورت  إلى أكثر الوظائف حساسية (تسجيل المشاعر) ،عند الحديث عنالوظيفة الأساسية (تحديد الهوية)فالهوية بهذا المعنى ليست إشارة إلى الشخصية المميزة للفرد أو الهوية الثقافية أو الاجتماعية أو الروحية ، ولكن على وجه التحديد إلى شكل إداري من الهوية يعتمد على حقائق موضوعيةابتداءً من ثمانينيات القرن التاسع عشر ، أدخل التصوير الفوتوغرافي في خدمة الشرطة في محاولة لتوحيد السجلات الجنائية وجعلها أكثر كفاءة. 

بدأ هذه التغييرات ألفونس بيرتيلون-Alphonse Bertillon (1853-1914) ، رائد الأنثروبومترية ، أو دراسة قياسات جسم الإنسان ، استخدم برتيلون التصوير الفوتوغرافي كطريقة لتحديد المجرمين المتكررين حتى ذلك الحين ، كان المجرمون قادرين على تقديم هوية مزيفة وإحباط التحقيق. في المقابل ، الصورة لا تكذبإذا كان الشخص الذي قدم إلى العدالة يشبه إلى حد كبير الصورة المرفقة في الملف ، فلا بد أنه لديه سجل سابق. 

طور بيرتيلون سلسلة كاملة من الأدوات التي تجعل من الممكن توحيد إنتاج صور التعريف: على سبيل المثال ، مقعد دوار بزاوية 90 درجة يسمح بالتقاط صورة شخصية وكاميرا ذات مسافة ثابتة تتيح قياسات تناسبية للوجه. تدريجيا ، أصبح دور الوجه البشري كعلامة موثوقة للهوية مؤكدا هذا هو دور أو الغرض من الصورة عند التقاطها في مكان تصوير معتمد من الدولة، هنا  يستخدم الوجه كمستند يؤكد التوافق القائم بين الذات والصورة. بعبارة أخرى ، تثبت الصورة هويتنا.

برزت التساؤلات حول الجوانب النفسية للصورة ، فرأي المحللون والفلاسفة ونقاد الفنون في ذلك الوقت أن الفوتوغرافيا إمتلكت المقدرة علي تجسيد الغائب والإحتفاظ باللحظة وتخليدها وأنه رغم المزايا الواضحة للصور الفوتوغرافية المتمثلة في تجميد لحظة واحدة وجعلها لا تنسى في الحياة ، إلا أنها تطرح تساؤلات حول  ماهية وجودها ومدى ارتباطها نفسياً بالوقت الذي التقطت فيه الصورة وارتباطها بالمشاهد نفسه إذ يقدم التصوير الفوتوغرافي أسئلة حول الحضور والهوية، فالصور الفوتوغرافية  لا تلبي الهاجس الفني لدي الفنان فحسب  بل تلمس المشاهد أيضا، فنحن نبحث عن أدلة لوجودنا ولحظات تمكننا من فهم أنفسنا وما يمكن أن نصبح عليه ، وكثيرًا ما نكتشف هويات متعددة داخلنا .

 نحفظ من خلال الصور الفوتوغرافية ، ذكريات الحقيقة السابقة والحياة الماضية مجسدة في الصورة الفوتوغرافية ونستدعي ذلك في كل مرة ننظر فيها للصور . إذ  نتذكر الوجود الغائب  absent presence  وكما ذكر سارتر “الصورة تمثل الوجود في الغياب، فالصورة هي الشيء الذي يسمح للغائب أن يكون موجودًا أمامنا”.

نظرا لأن  صورة البورترية كمحدد للهوية استخدمت من قبل الأنظمة الديمقراطية والأنظمة الاستبدادية والعنصرية كان هذا سببا في أن عددًا من الفنانين المعاصرين عملوا على تفكيك وتخريب استخدامات فن البورتريه لعب السرياليون برموز ومعايير الصور من أجل إبعادها عن الاستخدامات المألوفةعبرالسخريةمن المظهر الجاد للصور ، فنفذوا مشروعًا فنيًاشارك فيه  إيف تانجوي-Yves Tanguy (1900-1955) ، فقام بتصوير وجهه في أوضاع ملتوية ساخرا من استخدام البورتريهات كمحدد للهوية. 

 

Yves Tanguy his contorted face

وقام توماس راف (1958 -) ، التابع لمدرسة دوسلدورف ، بعمل صور جواز سفر لعائلته وأصدقائه  ولكن بهدف عرضها في شكل ضخم على جدران المتحف. وبالتالي سلط الضوء على الغربة عن الواقع الناتجة عن توحيد صورة الهوية الذي يحول الوجه إلى سطح خالي من المشاعر ، دون أي عمق نفسي. هنا يلغي توماس راف العلاقة بين تمثيل الفرد والشخص الحقيقي.

AD6801 Reflections on the Real - Thomas Ruff: The Portraits –

أصبحت الصور الشخصية عنصرًا أساسيًا في التصوير الفوتوغرافي الحالي ويمكن رؤيتها في وسائل الإعلام في أي مكان تقريبًا ، خاصةً المشاهير وللحديث بقية عن تحولات صورة البورترية 

(يتبع)