رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إِنَّ وَشَطَحَاتُهَا

افتقادنا لمزايا المرأة الطبيعية

بين المرأة الراسخة في العبودية، تلك التي لا تقوم حياتها إلا بالاستناد على رجل، يكون هو الأساس الذي من غيره يسقط مبناها سقوطا مدويا، وبين الأخرى المتمردة التي لا تجد في نفسها حاجة إلى الشريك أصلا، بل تسفه من قيمة الرجل، وتؤثر الاعتماد على نفسها بالكلية، وترى الأفضلية المطلقة لعلمها وعملها، بين هاتين، وقد كثر وجودهما في السنين الأخيرة بشكل ملحوظ، يظهر افتقادنا إلى نموذج المرأة الطبيعية، وهي التي تعتبر وجود الرجل بجانبها شيئا إيجابيا، تحكمه عاطفة قوية صادقة، وفي الوقت نفسه تعتبر علمها وعملها مما لا يمكن التفريط فيه ولا التنازل عنه.. وقد غابت تلك المرأة الجميلة مع التعقيدات الزمنية غيابا ملحوظا، لم يعد حضورها كالفترات الأسبق، وصارت كالعملة النادرة!
لا ينفي الأمر أن المجتمع مسئول عن غيابها، وليست الأهواء الشخصية وحدها، فهو المجتمع الذي أساء إلى النساء طويلا وضغطهن ضغطا شديدا، بمدى تعاقب الدهور، فأفقد المرأة ثقتها في نفسها، وجعلها إما مائلة إلى العبودية، بمعناها البائس، وإما إلى التمرد، بملامحه القاسية، وقد ذكرت الصورتين بالتفصيل..
تميل المرأة إلى العبودية، ومعناها وقوع الشخص تحت قهر داخلي أو خارجي (قهر جديد أو موروث)، وهو ما يخالف الحرية والاستقلال، حين يصيبها اليأس من تفهم المحيطين بها لحاجاتها الجسمانية والنفسية، ترى ساعتئذ أن الخضوع، ولو شكليا، للناس، سيحمي إنسانيتها المهددة؛ فتنتظر العريس الذي يحدثها عنه الجميع ويتمناه لها الجميع، كأنها بلا أهمية بدونه، وترضى بأول المتقدمين لها، ولو لم تجد فيه فارس أحلامها، موافقة على منطق الجموع العجيب السائد: "ضل راجل ولا ضل حيطة"!!
وتميل إلى التمرد لو تعاظم لديها الحس بوأد آمالها إذا أطاعت الذين يحثونها على الارتباط برجل مناسب يُسرِّي الهمَّ عن فؤادها، وكذلك إذا تزيدت في تحديها للرجال فلم ترض بمساواتهم بل أرادت تقليل شأنهم أمام شأنها، علما بأن تحقيق المساواة كاف، وكذلك إذا أنكرت جهودهم الوظيفية والحياتية؛ حينئذ تنتفض رافضة أن تعترف بأهليتهم للمسئوليات، بل تسميها ظلما، وتقاتل لإثبات عدالتها الخاصة العجيبة!
في الحكايتين محاكاة بلا ريب، وهو ما قصدته بالأهواء الشخصية آنفا، فيهما محاكاة لنساء اخترن العبودية ونساء فضلن التمرد، وانتشرن جميعهن، بما يحملنه من الأفكار المغلوطة، في الواقع وفي السوشيال ميديا، ولكن في الحكايتين أيضا فردية ما، لا شأن لها بالسير على منوال الأخريات، وقد تبدو المتمردة قوية والراسخة في العبودية ضعيفة، غير أنهما فقدتا طبيعتيهما بمقدار متساوٍ تقريبا!
المرأة الطبيعية يكون قرارها بقبضتها من البداية؛ فليست خصوصيتها ملكا لأحد أيا كان، وتكون كاملة الأنوثة، ومتعلمة ومستنيرة، وواعية ونبيهة، تعرف نفسها وأهدافها معرفة حقة، وبوسطية طبعها تأبى انسحاق قلبها غمًا كما تأبى المبالغة في تقديراتها للأمور.