رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ناصر عراق: جاذبية سري أسهمت بنصيب وافر في تعزيز الحركة التشكيلية المصرية

جاذبية سري
جاذبية سري

نعي الكاتب الروائي ناصر عراق، الفنانة التشكيلية جاذبية سري، والتي رحلت عن عالمنا، مساء أمس الأربعاء، عن عمر ناهز السادسة والتسعين، بعد رحلة عطاء فنية وإبداعية استمرت لأكثر من نصف قرن.

وقال   الكاتب الروائي،  برحيل الفنانة القديرة السيدة جاذبية سري أمس (1925- 2021) تفقد الحركة التشكيلية المصرية واحدة من جيل الرائدات في عالم الفنون الجميلة، فهذه الفنانة التي عاشت 96 عامًا أسهمت بنصيب وافر في تعزيز الحركة التشكيلية المصرية التي بدأ تبلورها مع تأسيس مدرسة الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1908، وقد قرأت عن تجربتها الثرية قبل أن ألتقيها شخصيًا، حيث احتفى بها غير مرة الفنان والناقد التشكيلي الكبير الأستاذ عز الدين نجيب، لكن في منتصف تسعينيات القرن الماضي أقامت معرضًا خاصأ للوحاتها، لا أذكر بالضبط هل كان في مجمع الفنون بالزمالك، أم بقاعة الدبلوماسيين بالزمالك أيضًا.

وتابع "عراق"، المهم توجهت نحو المعرض وتعرفت إليها، فأسرتني بساطتها وجديتها وصوتها الخفيض كانت في حدود السبعين، قصيرة القامة بشكل لافت، تتجول في القاعة بهمة ونشاط، تتحدث مع هذا وتجيب عن أسئلة ذاك، ترتدي قميصًا طويلا فوق بنطلون جينز أزرق، أما شعرها فقصير و(كنيش)، بينما تضع فوق عينيها نظارة ذات زجاج سميك يكشف عن عطب واضح في القدرة البصرية. كانت هيئتها بشكل عام بسيطة مثل نسمة لطيفة ومثل هيئة معظم زميلاتي حين كنا طلبة في كلية الفنون الجميلة، وتساءلت: كيف حافظت هذه السبعينية على حيويتها ونشاطها وتألقها؟

- نشرت مقالا يحتفي بتجربتها المتفردة

في تجوالي بالمعرض تأملت بإعجاب لوحاتها العامرة بحب البسطاء، المنفذة بجسارة تخفي مهارات لافتة يعززها قاموس لوني طازج غزير الدرجات، الحق أنني انفعلت بلوحاتها كثيرًا، فكتبت عنها مقالا طويلا يحتفي بتجربتها المتفردة، وللأسف لا أذكر الآن أين نشرت هذا المقال؟ ربما في جريدة الشعب أو العربي أو القدس العربي.

 حين قرأت السيدة جاذبية المقال اتصلت بي تليفونيًا، وشكرتني كثيرًا. وبعد أيام قليلة، فوجئت بها تعاود الاتصال بي قائلة: (من فضلك يا ناصر.. أريد صورة من مقالك عني، وفورًا لأن عندي برنامج تليفزيوني بعد ساعة، وأنا الآن في مكان بعيد عن بيتي لا أستطيع توفير المقال الذي أحتفظ بنسخة منه في شقتي. أنا آسفة لأني أربكتك. فلنلتقي بعد نصف ساعة أمام مبنى التليفزيون).

على الفور أخذت صورة من مقالي وتوجهت نحو مبنى التليفزيون، ووقفت أمامه، وبعد دقائق قليلة هلت الفنانة المتميزة بالهيئة نفسها التي رأيتها في المعرض، فقلت لنفسي: كل هذه البساطة في امرأة واحدة. تناولت مني المقال وهي تشكرني وتتمنى لي المزيد من التوفيق، لكنها توقفت عن الكلام فجأة، ومالت برأسها قليلا جهة اليمين، إذ لمحت الفنان القدير محمود مرسي يمرق من خلفي متوجهًا نحو مدخل المبنى، فقالت لي وهي تشير نحوه: (أنا أحب هذا الفنان العبقري)، فحركت رأسي مؤيدًا وقلت: (ومن منا لا يحب محمود مرسي)، واختتم قائلا، والآن أقول... وكلنا أيضًا أحببناكِ يا أستاذة جاذبية....مع السلامة يا فنانتنا القديرة.