رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يقول «عدس» وياكل الكافيار!

لا ألتفت إلى ما يردده الهاربون من مصر وكتائبهم الإلكترونية.. هؤلاء كائنات طفيلية لزجة تطفو على وجه وسائل التواصل.. كذبهم مفضوح، ودافعهم معروف، وأجرهم مدفوع.. لكننى أتوقف كثيرًا بالدهشة أو الاهتمام أمام ما يكتبه بعض المثقفين أو أساتذة الجامعات أو الخبراء ممن يعيشون بيننا، بعضهم يبدى القلق تجاه موضوعات بعينها، أنا أحترم كل من تدفعه المصلحة الوطنية أو حتى الرغبة فى المشاركة أو لفت الانتباه.. السمة الأساسية لما أقرأه هو غياب المعلومات والنظرة الواسعة للأمور، بعضهم يبدو كما لو كان متعسفًا فى قراءة بعض الحقائق لهدف هنا أو هناك.. لاحظت تكرارًا للحديث عن القروض التى تمول بها مصر مشروعات التنمية، من يكتبون غالبًا ليسوا خبراء فى الاقتصاد، ولا أنا.. ولكنَّ هناك شيئًا اسمه «فقه الواقع».. القاعدة المجردة لا تصلح للحكم على واقع خاص، ما يصلح فى الأرجنتين لا يصلح فى مصر، والعكس صحيح.. لقد قامت ثورة ٣٠ يونيو والبلد فى حالة كساد عظيم، بدءًا من أحداث يناير ٢٠١١، وتضاعف فى عام حكم الإخوان والصراع الذى دار فيه، كانت الكهرباء تنقطع بالساعات وكان لا بد من عودة الكهرباء حتى تعود الحياة، كان لا بد أن نستثمر فى محطات الكهرباء.. فى ضوء تراجع الناتج القومى كان لا بد من الاقتراض.. الآن حللنا أزمة الكهرباء ونصدر الفائض منها، وبالتالى المشروع سيسدد قرضه.. هذا مثال من عشرات الأمثلة.. ما فعله الرئيس السيسى فعله واحد من أعظم رؤساء أمريكا وهو «روزفلت»، وهو الذى أنقذ أمريكا من الكساد العظيم سنة ١٩٢٩.. تولى روزفلت الحكم وأمريكا على حافة الانهيار، وجد أن الحل هو أن تدخل الدولة بثقلها لتمويل مشروعات التنمية لتتحرك عجلة الاقتصاد، أنفق كل مليم تملكه الإدارة الفيدرالية على المشاريع، فك ودائع الدولة، اقترض ما يمكن اقتراضه، شق الطرق وبنى الجسور والكبارى، حرك كل ذرة رمل يمكن تحريكها فى أمريكا، تحركت عجلة الاقتصاد بعد توقف كاد يصل إلى الموت.. المشاريع شغَّلت عمالًا، والعمال اشتروا بضائع، والبضائع صنعها عمال آخرون.. إلخ.. هذا هو ما فعله الرئيس السيسى حرفيًا للتغلب على الكساد واستيعاب العمالة العائدة من ليبيا وغيرها.. هو يشترك مع روزفلت فى تبنى كل منهما سياسات اجتماعية توصف بالتقدمية، تجاه المرأة وذوى الحالات الخاصة والبسطاء.. إلخ.. فما هى السيناريوهات الأخرى التى كان يقترحها خبراء الفيسبوك للخروج من هذه الحالة التى خرجت منها مصر بالفعل؟ فى الحقيقة لا شىء سوى الكلام.. النقطة الثانية أن مخططات التنمية العملاقة التى تنفذها الدولة المصرية ليست بنت اللحظة الحالية.. ولا هى من بنات أفكار المسئولين الطارئة.. هذه مخططات حلم بها الخبراء والعلماء المصريون، وبعضها وضعته هيئات التنمية الدولية، ولم يكن هناك من يملك الجرأة والعزم لتنفيذها، فكانت توضع فى الدرج ويغلق عليها، الرئيس السيسى امتلك الجرأة والعزم لتنفيذها، وساعده فى ذلك مارد يطوعه لخدمة الناس اسمه الجيش المصرى، وأى تأخير فى تنفيذ هذه المخططات ذات الطابع القومى كانن ستنتج عنه مضاعفة تكاليفها، ومزيد من تراجع الأحوال، وبالتالى لم يكن أمام مصر بعد عقود من عدم الإنجاز والتراجع سوى الهروب للأمام، وقد أنجزت مصر فى سبع سنوات ما كان يحتاج سبعين عامًا لإنجازه.. ليس سرًا أن مخطط تطوير القاهرة الكبرى كان موضوعًا منذ عهد الرئيس مبارك، لكنه كان يحمل اسم القاهرة ٢٠٥٠.. أى أنه كان علينا أن ننتظر تسعة وعشرين عامًا أخرى من اليوم حتى نرى تطوير عين الصيرة ومجرى العيون! ما فعلته الدولة المصرية أنها قبلت التحدى، وموّلت هذه المشروعات دون أن تسمح لأحد بسرقة خيرات مصر تحت شعار الاستثمار، هذه المشاريع ستعمل وستدر عوائد وستسدد تكاليف إنشائها من الأرباح التى تحققها، بعض المستثمرين تشكك فى الجدوى الاقتصادية للعاصمة الإدارية والعلمين.. قبلت الدولة التحدى ومولت هذه المشروعات، الآن هذه المشاريع ناجحة بالورقة والقلم، وهناك تنافس على الشراء فيها، وعلى الاستثمار فيها بشكل عام.. الحقائق تبدو واضحة، لكن بعض خبرائنا يفكر بطريقة «فيها لاخفيها» وأنه ما دام لم يتم استدعاؤه لمهمة ما، فعليه أن يشغل وقت فراغه فى التشكيك فى كل شىء وأى شىء.. بعضهم قد يكون مخلصًا، ولكن ينطبق عليه المثل القائل «اللى ميعرفش يقول عدس»! وللمثل قصة طريفة عن علّاف ترك امرأة تمت له بصلة قرابة فى دكانه وعاد ليضبطها متلبسة بالجرم المشهود مع رجل غريب، انطلق يطارد الرجل فتعثر المجرم فى جوال عدس فسقط على الأرض، ظفر الرجل بغريمه فأوسعه ضربًا حتى أدماه انتقامًا لشرفه، بينما المارة الذين لا يعرفون حقيقة ما جرى يتهمون التاجر بالقسوة ويلومونه على ضربه الرجل لأنه تعثر فى جوال العدس، لم يستطع التاجر أن يفصح عن الحقيقة واكتفى بالقول «اللى ميعرفش يقول عدس»!.. بعضهم يأكل الكافيار ويحدثنا عن العدس!