رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاستقالات في حركة النهضة من منظور تاريخي

حركة النهضة
حركة النهضة

أعد مركز تريند للبحوث والاستشارات دراسة جديدة تحت عنوان "قراءة في موجة الاستقالات الأخيرة في حركة النهضة: هل هي بوادر التآكل من الداخل؟ عن الانقسامات داخل جماعة الإخوان المسلمين التي تهدد وجودها.

ووفقا للدراسة التي أعدها الباحث في الحركات الاسلامية "فريد بن قاسم" الاستقالة أو الانشقاق ليست أمرا جديداً داخل الجسم الحركي والتنظيمي للجماعات الإخوانية، فتاريخ جماعة الإخوان المصرية منذ نشأتها إلى اليوم ليس في أحد وجوهه سوى تاريخ صراعات داخلية تفضي في كثير من الأحيان إلى انفصال أفراد أو انشقاق مجموعات.

ولم تشذ حركة النهضة في تونس عن هذه القاعدة، لأن مسألة الاستقالات والانشقاقات كانت حاضرة في محطات كثيرة من مسيرة هذه الحركة قبل ما يعرف بـ“الربيع العربي” وبعده، وتعد موجة الاستقالات الأخيرة غير مسبوقة في تاريخها منذ نشأتها سواء من حيث عدد المستقيلين الذي وصل إلى 131 فرداً.

أولاً: الاستقالات في حركة النهضة من منظور تاريخي

عرفت الحركة من طور إلى آخر تغييرات تنظيمية من الجماعة الدينية إلى الحزب السياسي وتطور موقعها في الساحة السياسية من دور الاحتجاج والمعارضة إلى دور الحكم.

ورغم التطورات والتغييرات إلا أن انتماء الحركة لجماعة الإخوان ووجود رئيسها راشد الغنوشي أمران لم يتغيران مع مرور الوقت.

موجة الاستقالات الأولى في النهضة 

كانت في عام 1977، عندما كانت الحركة تحمل اسم الجماعة الإسلامية، حيث استقال حميدة النيفر الذي كان حينها نائب الأمير  مع  عشرين عضواً بسبب هيمنة الأمير وخضوع الأعضاء استناداً إلى مبدأ الطاعة وكوّنت هذه المجموعة" تيار الإسلاميين التقدميين" وهو التعبير التونسي عن تيار اليسار الإسلامي. 

جدير بالذكر أن من بين أسباب استقالة النيفر، اختلافات فكرية وأيديولوجية حول مرجعية الجماعة وأدبياتها حيث لا يؤمن تيار الإسلاميين التقدميين بأدلجة الدولة، وإنما يركز على ما يسميه الثورة الثقافية.

موجة الاستقالات الثانية في النهضة 

جاءت الموجة الثانية من الاستقالات في بداية عقد التسعينيات، وقد اتخذت الاستقالة اسم “تجميد العضوية”، وقد شملت أعضاء بارزين من القيادات التاريخية للحركة الإسلاموية أمثال عبد الفتاح موروويتمثل سياق هذه الموجة في اندلاع مظاهر الصدام والمواجهة بين حركة النهضة والسلطة الحاكمة، آنذاك، وقد تفجرت تلك المظاهر إثر حادثة باب سويقة في 17 فبراير 1991 التي عمد فيها أفراد ينتمون إلى حركة النهضة إلى إضرام النار في مقر التجمع الدستوري الديمقراطي الحزب الحاكم.

برّر المستقيلون ما سمّوه تجميد العضوية والنشاط في الحركة بعدم موافقتهم على منهج العنف وبتمسكهم بالوسائل السلمية ووصف الغنوشي المستقلين بأنهم يقدمون هدية لــ “أعداء الإسلام والكافرين”.

استقالات 2013

كان رياض الشعيبي من أوائل الذين استقالوا من الحركة في نوفمبر 2013، ولاستقالته دلالة خاصة إذ أسس حزب البناء الوطني ثم قرر حل هذا الحزب والعودة إلى الحركة في سبتمبر 2020 استجابة لما قال إنه نداء من راشد الغنوشي للعودة.

 ومن بيم المستقلين  حمادي الجبالي أمين عام الحركة ورئيس حكومة الترويكا الأولى  وتعود أسباب الاستقالة لخلافات حول التقدير السياسي لبعض المسائل بدءاً من مقترحه تشكيل حكومة تكنوقراط إثر اغتيال المعارض اليساري شكري بلعيد في  إلى رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية في عام 2014 في مخالفة لقرار الحركة.

ووفقا للدراسة فان  سجل الاستقالات في النهضة تتعلق في أغلبها بقيادات بارزة في التنظيم ولم تخلُ منها أي مرحلة من المراحل التي مرت بها الحركة الإسلاموية سواء في أوقات العسر والشدة أو ما تسميه المحنة أو في أوقات العنفوان والقوة أو ما تسميه التمكين. 

ووفقا للدراسة  فأن الدافع وراء استقالات الكثير من العناصر يعود إلى خلافهم مع رئيس الحركة سواء في توجهاته واختياراته السياسية أو في طريقة تسييره وإدارته لشؤون التنظيم الإدارية والمالية وطريقة اتخاذ القرار خصوصاً بعد وصول الحركة إلى الحكم، ونادراً ما تعلق الأمر بخلاف أيديولوجي نابع من مراجعة عميقة وجذرية لمرجعية الحركة.

 الاستقالات الأخيرة

 أعلن 113 عضواً بتاريخ 25 سبتمبر الماضي ثم  18 عضواً آخرين ليبلغ العدد الإجمالي 131.

 وتشمل قائمة المستقيلين قيادات بارزة على غرار وزير الصحة الأسبق عبداللطيف المكي، ووزير الفلاحة الأسبق محمد بن سالم، وسمير ديلو، وآمال عزوز، ومنية بن إبراهيم، ونواباً في البرلمان منهم جميلة الكسيكسي، ومعز الحاج رحومة، إضافة إلى أعضاء في مجلس الشورى وفي المكاتب الجهوية والمحلية. 

وتمثِّل هذه الاستقالات حدثاً غير مسبوق إذ لم يسبق للمرأة النهضوية أن استقالت في المراحل السابقة.

وتابعت الدراسة: أن السياق الداخلي لحركة النهضة منذ عام 2011 قد تميز بظهور الخلافات إلى العلن، وبصعوبة التحكم في وتيرتها، وتفاقم الصراع على مواقع الهيمنة والنفوذ وآليات توجيه الاختيارات السياسية داخل التنظيم؛ فتحوَّل الأمر إلى أزمة حادة.

 كما زاد من ازمة النهضة فشلها ورفضها من قبل الشارع التونسي، مماعمَّق أزمتها الداخلية فتفجرت التناقضات بين أجنحتها المتصارعة، ولم تعد هناك إمكانية لأن تستمر تلك الأزمة في ظل انعدام أفق لحلِّها داخلياً.

دلالات الاستقالات الأخيرة ومآلاتها

وفقا للدراسة فقد يقوم المستقلين بتكوين حركة جديدة أو تكون  الاستقالات مجرد خطوة ذات طابع تكتيكي تهدف إلى فك عزلة الحركة الإسلاموية  والبحث عن تحالفات مع بقية الأحزاب في إطار استراتيجية التصدي للإجراءات المعلنة من رئاسة الجمهورية واستعادة مواقع النفوذ والسلطة.

لا يُستبعَد أن تضم القائمة عناصر انتهازية تستعمل الاستقالة كورقة ضغط لتحسين شروط التفاوض حول موقعهم ودورهم داخل الحركة في أفق المؤتمر القادم.

واختتمت الدراسة أن الاستقالة الجماعية لـ 131 عضواً من حركة النهضة حدثاً غير مسبوق في تاريخها وكاشفاً عن الأزمة التي تشهدها في ظل تراجع مكانتها ودورها وشعبيتها،، كما بينت الاستقالة  ما تعانيه الجماعة الإسلاموية من خلل بنيوي ومشاكل تنظيمية، فهي تريد أن تتحوَّل إلى حزب سياسي مدني تلبية لشروط الاجتماع السياسي التونسي وضغط قواه المدنية الحية، ولكنها تصطدم بأدبيات الجماعات الإسلاموية ومقتضيات الانتظام داخلها القائمة على البيعة والولاء والطاعة للزعيم.