رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طالبان 2021

 يحفل تاريخ حركة طالبان بالكثير من الأحداث والأزمات والصراعات التى تعرضت لها الحركة منذ نشأتها بعد إنهاء الوجود الروسى فى أفغانستان نهاية ثمانينيات القرن الماضى، وهى عبارة عن مجموعة من الطلبة  نشأوا على محاربة الاتحاد السوفيتى السابق بالاشتراك مع المجاهدين العرب ومنها اشتق اسم الحركة طالبان.. وبعد نهاية الحرب نشبت الحرب الأهلية بين رفقاء السلاح واستطاعت طالبان السيطرة على الحكم عام ١٩٩٦ وأعلنت الإمارة الإسلامية واتخذت منهج التشدد والعنف فى الحكم منها تطبيق الحدود حرفيًا وقمع النساء وحرمانهن من التعليق وفرض البرقع بشكل إلزامى عليهن وفرض زى معين على الرجال وترك اللحية وغيرها من الأمور التى جعلت الحركة الوليدة لا تحظى باعتراف المجتمع الدولى باستثناء دولتين أو ثلاث من ضمنها الجارة باكستان الداعم الكبير للحركة، حتى إن الحركة أصبح لها فرع فى إسلام آباد اسمه طالبان باكستان.. بالإضافة إلى هذا عملت الحركات على إيواء أعضاء تنظيم القاعدة وعلى رأسهم زعيم التنظيم أسامة بن لادن وأصبحت أفغانستان الحاضنة لجميع التنظيمات الإرهابية فى العالم.. واستمر حكم الحركة خمس سنوات حتى جاءت أحداث الحادى عشر من سبتمبر وضرب برجى مركز التجارة العالمى فى نيويورك ومبنى البنتاجون بواشنطن.
وحملت الولايات المتحدة حركة طالبان وتنظيم القاعدة المسئولية وأعلنت حربًا على أفغانستان استطاعت من خلالها إزاحة حركة طالبان من الحكم واحتلت أمريكا أفغانستان.. ولكن الحركة لم تنته رغم تعرضها لأزمات كثيرة من ضمنها موت الملا عمر زعيم الحركة واغتيال قاعدتها بعد ذلك.. إلا أنها استطاعت بعد عشرين عامًا أن تعود مرة أخرى وتجبر الولايات المتحدة على الخروج من أفغانستان بشكل مهين تابعه العالم أجمع، واستطاعت السيطرة مرة أخرى على أفغانستان رغم المليارات التى صرفتها واشنطن على الجيش الأفغانى المدعوم من تسليح وتدريب.
طالبان أمام اختبار صعب الآن، فالمجتمع الدولى حتى الآن يرفض الاعتراف بها كحاكم جديد لأفغانستان لسابق معرفته بتاريخها الدموى والسيئ فى الحكم ويضع بعض الشروط المسبقة للمجتمع للاعتراف بنظام الحركة، وهى تتعلق أساسًا باحترام حقوق المرأة وعدم إعاقة خروج اللاجئين الأفغان ومنع عودة الإرهاب وتسهيل وصول المساعدات وأيضًا تشكيل حكومة انتقالية.
وقال وزير الخارجية الفرنسى «إذا كان الجيل الجديد من طالبان يريد اعترافًا دوليًا، فيتعين عليهم أولًا أن يسمحوا بخروج الأفغان الذين يريدون مغادرة هذا البلد لأنهم خائفون، ومن ثم عليهم أن يحولوا دون أن يصبح بلدهم ملاذًا للإرهاب. يجب عليهم أن يثبتوا ذلك بشكل ملموس للغاية».
طالبان عليها إذن التخلى عن بعض ثوابتها وأساليبها فى الحكم التى انتهجتها سابقًا إذا أرادت أن تصبح حكومة مثلها مثل باقى حكومات العالم.. ولديها فى النموذج الإيرانى مثل، فهو الأقرب لها فى أسلوب الحكم من وجود مرشد أعلى ووجود نظام دينى فى البلاد ورغم ذلك لديها علاقات مع معظم دول العالم.
والدليل على ذلك أن الأيام الأخيرة شهدت مشاورات سياسية لتشكيل «حكومة دينية» فى أفغانستان، ترأسها هيبة الله أخوند زاده زعيم الحركة الذى يتوقع أن يكون «المرشد الأعلى لأفغانستان»، على غرار الهيكل السياسى الإيرانى.
ومن المتوقع أيضًا أن يشغل قادة كبار آخرون فى طالبان مناصب مهمة فى الحكومة المنتظرة، وأبرزهم الملا عبدالغنى برادر أحد مؤسسى الحركة، وسراج الدين حقانى نائب زعيمها، ومولاوى محمد يعقوب نجل الملا محمد عمر زعيم طالبان الراحل.
أظن أن الرعاة الإقليميين لطالبان مثل قطر وتركيا قادرون على مساعدة طالبان فى أسلوب الحكم هذا.. فقادة طالبان موجودون فى فنادق الدوحة منذ سنوات.. ويجرون لقاءات بمسئولى الدول الأخرى عن طريق نافذة العاصمة القطرية.. واختار قادة طالبان قطر وتركيا رعاة الإسلام السياسى فى المنطقة لتشغيل مطار كابول.. بالتالى هؤلاة الرعاة يريدون لتجربة طالبان ٢٠٢١ أن تنجح وسيعملون على مساعدة الحركة على تغيير سلوكها السابق حتى تصبح الحكومة الطالبانية الجديدة حليفًا موثوقًا يعتمد عليه فى منطقة مهمة مثل وسط آسيا.