رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سينما نجيب محفوظ.. 74 «رائعة» فى مكتبة الشاشة الفضية منذ الأربعينيات

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

عرض كتاب «سينما نجيب محفوظ»، الصادر عن سلسلة «آفاق السينما» في الهيئة العامة لقصور الثقافة، من تأليف الصحفي والناقد والباحث نادر عدلي، التجربة السينمائية لأديب نوبل نجيب محفوظ، وذلك من خلال 115 صفحة مقسمة على 6 فصول.

وحملت هذه الفصول الستة العناوين التالية: «سيرة ذاتية ومناصب سينمائية»، و«كاتب سيناريو ومؤلف سينمائي»، و«28 فيلما مصريا عن روايات نجيب محفوظ»، و«قصص أدبية عن الأفلام»، و«فيلموجرافيا (قائمة أفلام نجيب محفوظ)»، و«صور من الأفلام والأفيشات».

وحسب الكتاب- الذي نستعرض بعضاً مما جاء فيه خلال السطور التالية- فإن هناك 74 فيلماً تحمل اسم نجيب محفوظ، من بينها 30 عملاً كتبه خصيصاً للشاشة الفضية، إلى جانب 44 عملاً مأخوذاً عن رواياته وقصصه القصيرة.

انطلق بكتابة سيناريو «المنتقم».. و«بداية ونهاية» أولى رواياته على «الشاشة الكبيرة»

قَسَمَ كتاب «سينما نجيب محفوظ» علاقة أديب نوبل بالسينما إلى مرحلتين، الأولى تعبر عن التعامل المباشر لـ«محفوظ» في صناعة الفيلم، من خلال كتابة السيناريو أو القصة والسيناريو، والثانية هي التي تناولت فيها السينما أعمال نجيب محفوظ.

تمتد المرحلة الأولى من 1947 حتى 1978، وتبدأ بفيلم «المنتقم» حتى فيلم «المجرم»، وخلالها شارك «محفوظ» في كتابة سيناريو 14 فيلماً، والقصة السينمائية لـ4 أفلام، إلى جانب قصص كتبها للسينما في 8 أفلام، والمعالجة السينمائية لأعمال أخرى في 8 أفلام  أيضاً.

واستمرت علاقة «محفوظ» بالسينما بشكل قدري بسبب عمله الوظيفي، بعد انتقاله من وزارة الأوقاف إلى مصلحة الفنون عام 1957، وتطورت هذه العلاقة حتى أصبح مديرا للرقابة، ثم رئيساً لمؤسسة السينما لمدة 5 سنوات.

وقال الكاتب والباحث نادر عدلي في الكتاب إنه مع فيلمه الثالث «لك يوم يا ظالم»، اكتسب «محفوظ» تأثير ما أسماه بـ«الواقعية المحفوظية»، في تفاصيل الزمان والمكان والشخصيات، رغم اقتباس القصة من الأدب الفرنسي، وهو ما حدث في الفيملين التاليين: «ريا وسكينة»، و«الوحش»، وكلاهما مستوحى من وقائع إجرامية حقيقية، ويظهر أجواء اجتماعية مصرية خالصة أيضًا، إلى جانب أفلام أخرى مثل: «فتوات الحسينية» و«درب المهابيل» و«الفتوة».

فمن خلال هذه الأفلام ظهر تأثير نجيب محفوظ في دعم وترسيخ «التيار الواقعي» في السينما المصرية، الذي امتد إلى أفلام أخرى مثل: «جعلوني مجرماً» و«إحنا التلامذة»، وروايتي إحسان عبدالقدوس: «الطريق المسدود» و«أنا حرة»، حيث كتب السيناريو الخاص بها.

ولم يتوقف دور أو تأثير «محفوظ» السينمائي على واقعية الحارة، ثم الواقع الاجتماعي في المدينة، كما ظهر في أدبه حتى منتصف الستينيات، بل اتجه لقضايا وأزمات اجتماعية سياسية معاصرة تلقفتها السينما بشغف كبير مثل: «السمان والخريف» و«ميرامار» و«ثرثرة فوق النيل» و«الشحات» و«الكرنك».

وبعدما توقف «محفوظ» عن كتابة السيناريو بعد ذلك، انتبهت السينما إلى أعماله الروائية، بداية من رواية «بداية ونهاية»، والتي حكى أديب نوبل تفاصيل تقديمها سينمائياً للكاتب رجاء النقاش، قائلاً إن أحمد عباس صالح حولها إلى مسلسل إذاعي، وتصادف أن تابعه المنتج والمصور السينمائي عبدالحليم نصر، ولاحظ أنها تصلح لأن تكون فيلماً سينمائياً، فاتفق معه واشترى حقوقها.

واعتبر الكتاب أن هذه كانت نقطة البداية، ومن بعدها أصبحت السينما تقدم رواية كل عام لـ«نجيب محفوظ» بشكل منتظم، لتقدم 17 فيلماً خلال 15 عاماً في الفترة من 1960 حتى 1975، حتى وصل العدد إلى 28 فيلما عن 21 رواية، إلى جانب اختيار 12 من القصص التي كتبها لتقديم 13 فيلماً.

وحل 24 من أفلام نجيب محفوظ في قائمة «أفضل الأفلام المصرية»، خلال الاحتفال بمئوية السينما المصرية: «استفتاء مصر.. مائة سنة سينما»، أي ما يمثل 24% من إنتاج السينما المصرية على مدار تاريخها حتى عام 1995.

رواية بداية ونهاية - نجيب محفوظ | موسوعة أخضر للكتب
بداية ونهاية

أبوسيف علّمه الكتابة للسينما.. وسجّل اسمه كسيناريست في نقابة التمثيل

روى نجيب محفوظ تفاصيل اتجاهه لكتابة السيناريو، وفضل المخرج صلاح أبوسيف عليه في تعليمه هذا الفن، بداية من فيلم «المنتقم» في عام 1947، ثم «مغامرات عنتر وعبلة» في 1948، مشيراً إلى أنه اكتسب من العمل مع «أبوسيف» في هذين الفيلمين أسلوب وأدوات كتابة السيناريو، وكانا بمثابة تدريب على ممارسة هذه الحرفة.

وقال «محفوظ» إن الأمر بدأ بتعريف صديقه الدكتور فؤاد نويرة إياه بالمخرج صلاح أبوسيف، ومطالبتهما له بمشاركتهما في كتابة سيناريو للسينما، مضيفاً: «تعلمت كتابة السيناريو على يد صلاح أبوسيف، الذي كان يشرح لي كل مرحلة من مراحل الكتابة، وما المطلوب مني بالضبط، وبعدما أنفذه أعرضه عليه للمناقشة، بمشاركة نويرة ومؤلف القصة عبدالعزيز سلام».

وعن فيلم «مغامرات عنتر وعبلة» تحديداً، قال «محفوظ» إنه بعد نجاح فيلم «عنتر وعبلة» لنيازي مصطفى، رغب صلاح أبوسيف في الخروج بشىء جديد، فاقترح أن يواجه «عنتر» الرومان في الفيلم الجديد، بدلاً من محاربة قبائل عربية في فيلم «نيازي».

وبعد «المنتقم» و«مغامرات عنتر وعبلة» جاء فيلم «لك يوم يا ظالم»، الذي بدأ فيه «محفوظ» مرحلة أكثر نضجًا، وهو مأخوذ عن قصة لـ«إميل زولا»، وأعاد صلاح أبوسيف تقديمه بنفس السيناريو القديم في فيلم «المجرم»، وذلك بنجوم جدد بعد أكثر من ربع قرن.

وفي كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ» للكاتب رجاء النقاش، تحدث «محفوظ» عن كتابته للسيناريو، قائلاً: «كتابة السيناريو استغرقتني طيلة الفترة من 1952 وحتى 1957، والتي سجلت اسمي خلالها كسيناريست محترف في نقابة المهن التمثيلية».

وأضاف «محفوظ»: «راودني أمل كبير عندما بدأت الكتابة للسينما في أن يصبح هذا المجال امتدادا لحياتي الفنية، وقلت لنفسي: (إن الكتابة للسينما تتضمن عناصر مشابهة إلى حد كبير للعناصر التي يقوم عليها بناء الرواية من خيال وحبكة وشخصيات وصراع، فلماذا لا تكثف عملك في هذا المجال وتعطيه مزيدا من الاهتمام ما دام هو قريبا من عالم الأدب؟».

وكتب «محفوظ» سيناريو فيلم «ريا وسكينة» عن مادة صحفية للكاتب الصحفي لطفي عثمان، فيما كان فيلم «الوحش» عن جرائم حقيقية في أواخر الأربعينيات ارتكبها المجرم الشهير «الخُط»، والذي كانت جرائمه حديث الشارع المصري لفترة من الزمن.

أما فيلم «جعلوني مجرماً» فكان أول الأفلام التي كتبها نجيب محفوظ وأخرجها آخر غير صلاح أبوسيف هو المخرج عاطف سالم، وكان الفيلم مأخوذاً عن واقعة حقيقية كتبها رمسيس نجيب وفريد شوقي، وأعد السيناريو الخاص به «محفوظ» والسيد بدير.

فيما أظهر «محفوظ» في فيلم «فتوات الحسينية» عالم الفتوات، في بناء درامي ورسم فريد لسلوك الشخصيات، بأحداث تدور حول «بيومي»، فتوة «الحسينية» السابق الذي يسلم عصا الفتونة لابنه «زقلط»، فيصمم الأخير على الثأر لأبيه.

كما تضم قائمة أفلام «محفوظ» أيضاً: «درب المهابيل»، و«النمرود» قصة فريد شوقي، و«الفتوة» الذي اختير ضمن أفضل أفلام السينما المصرية وعُرض في مهرجان برلين، و«مجرم في إجازة» المقتبس عن الفيلم الإنجليزي «النمر النائم»، و«ساحر النساء» وهو أول قصة يكتبها «محفوظ» للسينما دون المشاركة في كتابة السيناريو، و«الطريق المسدود» عن قصة إحسان عبدالقدوس وإخراج صلاح أبوسيف، ودارت أحداثه عن حق اختيار المرأة طريقة وأسلوب حياتها.

 نجيب محفوظ

 24 من أفلامه ضمن قائمة الأفضل في تاريخ السينما المصرية

يرى الناقد هاشم النحاس أن نجيب محفوظ هو أول من كتب القصة السينمائية في مصر، فكان بذلك رائداً في هذا المجال، معتبراً أنه قبل نجيب محفوظ لم يكن يُعترف بالقصة السينمائية باعتبارها عملا فنيا مستقلاً.

من بين هذه القصص السينمائية فيلم «بين السماء والأرض»، التي كتبها «محفوظ» عن فكرة للمخرج صلاح أبوسيف، وبرع خلالها في سرد أحداث تدور في مكان ضيق مغلق، حيث يتعطل المصعد بين طابقين في عمارة كبيرة، وبداخله 13 راكباً من الشخصيات المختلفة في المهن والهدف من تواجدها في العمارة.

وحسب الكتاب، فإن نجيب محفوظ أصدر 20 مجموعة قصصية احتوت على العشرات من القصص القصيرة، لكن السينما تعاملت مع 12 قصة قصيرة فقط منها، وقدمتها في 13 فيلماً، منهم قصتان كانتا أفلاما قصيرة بمشاركة أدباء آخرين، وهما: «دنيا الله» و«صور ممنوعة».

وتضم قائمة الأفلام الطويلة التي أخذت عن قصص لـ«محفوظ»: «الشريدة، أهل القمة، الشيطان يعظ، وكالة البلح، أيوب، الخادمة، الحب فوق هضبة الهرم، نور العيون، سمارة الأمير، لمح البصر».

كما تحدث الكتاب عن فيلم «الناصر صلاح الدين»، وهو أضخم إنتاج مصري لعدة عقود، وأدى لإفلاس منتجته آسيا، رغم مشاركة مؤسسة السينما في تمويله، مشيراً إلى أنه أثناء إعداد الفيلم رفضت الرقابة إجازة تصويره لضعف السيناريو، معتبرة أنه «لا يرقى إلى مستوى الموضوع وأهمية الشخصية».

وقال الباحث نادر عدلي إن «محفوظ» أصدر أولى رواياته «عبث الأقدار» في عام 1939، بينما كان أول فيلم له هو «بداية ونهاية» في عام 1960، أي بعد 21 عاماً كاملاً من صدور أول رواية له، وبعد 20 عاماً أخرى انتبه صناع السينما لقصص «محفوظ» أيضًا، فكانت أول معالجة لقصة قصيرة كتبها أديب نوبل في فيلم طويل هي: «الشريدة» في عام 1980.

وأوضح «عدلي» أن «محفوظ» ألف وأصدر 35 رواية على مدى 50 عاما كاملة، لكن الأفلام السينمائية أخذت من بين هذه الأعمال 21 رواية فقط، وجميعها حقق نجاحاً كبيراً، بل واعتبر بعضها من أهم الأفلام في تاريخ السينما.

ففي استفتاء «مصر .. مائة سنة سينما»، الذي نظمه مهرجان القاهرة السينمائي، بمشاركة 100 من السينمائيين والنقاد، تم اختيار 8 أفلام مأخوذة عن روايات نجيب محفوظ في قائمة «أفضل 100 فيلم»، وذلك ضمن 24 فيلماً في القائمة شارك فيها «محفوظ» سواء بالكتابة للسينما أو أفلام أخذت عن قصص قصيرة وغيرها.

وضمت قائمة الأفلام الثمانية: «بداية ونهاية، واللص والكلاب، والقاهرة 30، وميرامار، والكرنك، وثرثرة فوق النيل، والسمان والخريف، وبين القصرين».

بعد حصوله على جائزة الدولة.. لمحات من حياة المخرج هاشم النحاس
الناقد هاشم النحاس