رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كاتب «كنت طفلا قبطيا»: عجب أغلب من قرأه ومن اعترضوا هم الذين اكتفوا فقط باسم الكتاب (حوار)

مينا جيد خلال تسلم
مينا جيد خلال تسلم جائزة معرض الكتاب

نال كتابه «كنت طفلا قبطيا في المنيا»، إشادة كبيرة من جانب النقاد والقراء، حتى أن الدكتور سعيد المصري قرر تدريس الكتاب ضمن مناهج دبلوم التنمية الثقافية بكلية الآداب في جامعة القاهرة، إنه الكاتب الشاب عادل مينا جيد، الذي تحدث لـ«الدستور» حول فوزه بجائزة معرض القاهرة للكتاب عن العلوم الإنسانية في دورته المنصرمة، وعن عمله الروائي الأول، «نواحي البطرخانة»، وغيرها من القضايا

ماذا تعني لك جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب؟

- الكثير من السعادة طبعًا، لأنها جائزة مهمة من الدولة، ووأعطتني مزيدًا من التشجيع على الاستمرار، وكأنها تقول لي استمر لديك شيء يستحق أن يُكتب، كما أنها أضافت للكتاب نفسه؛ مثلا بعض القراء رفضوا الكتاب في البداية لمجرد اسمه، وأكثر من مكتبة رفضت الكتاب لاسمه، ثم بعد الجائزة اطمأنوا وانهالت الطلبات على الكتاب، وهذا موقف شديد الدلالة ويحتاج الكثير من البحث والتأمل.

وأنت تكتب «كنت طفلا قبطيا في المنيا» هل فكرت أنه سيصبح ضمن مناهج دبلوم التنمية الثقافية بآداب القاهرة؟

إطلاقًا، أنا كنت طالبًا في دبلوم التنمية الثقافية طالب عادي حتى غير متفوق، وفي هذا الدبلوم انفتحت عيوني على الأنثروبولوجيا الثقافية التي كان يدرسها لنا أستاذ علم الاجتماع الكبير الدكتور سعيد المصري وجعلني أحب هذا المجال، وبعد ما أنهيت الدراسة فكرت في فكرة كتابي "كنت طفلا قبطيًا في المنيا" وطبقت في كتابته المنهج الأنثروبولوجي في التسجيل والتدوين، ثم أرسلت الكتاب إلى الدكتور سعيد طالبًا منه أن يتفضل ويكتب لي مقدمة الكتاب، وبالفعل قرأ الدكتور سعيد الكتاب وكتب مقدمة معتبرة أسعد وأفخر بها، وفي حفل المناقشة التي شرفني فيها الدكتور سعيد أخبر السادة الحضور بأنه قرر أن يطبق الكتاب على منهج مادة الانثروبولوجيا الثقافية في دبلوم التنمية الثقافية، كانت مفاجأة سعيدة وكبيرة عرفتها لأول مرة مع الحضور الذين كانوا في المناقشة، وبالفعل أول دفعة من الطلاب استلمت الكتب منذ عدة أشهر، الفضل الأول في هذا الكتاب يعود لأستاذي الدكتور سعيد المصري.

أشرت في الكتاب إلى الغموض الذي يلف صورة المسيحي الذهنية لدى المسلم، كيف يمكن فض هذا الاشتباك وتصحيح هذه الصورة؟

هدم الحوائط التي بيننا، وبناء الجسور، الأقباط أولا عليهم أن يخرجوا خارج أسوار الكنيسة ويلتحموا في الدنيا، ويعرفون أنفسهم كي لا يسمحوا للصورة السوداء أن تنتصر في ظل التعتيم عليهم، والمسلمون أيضًا عليهم أن لا ينساقوا وراء الأصوات المتطرفة التي تصنع شعبيتها من خطابها المتعالي عن الأخر وإهانة الأقباط، أنا في كتابي أثبت أن القواسم المشتركة في الثقافة الشعبية بين الأقباط والمسلمين أكثر مما نتخيل، ويجب أن نكون أذكياء، أن نبني على هذه القواسم الثقافية المشتركة الكثير.

هل كنت تخشى الهجوم على الكتاب؟

أنا أعلم أن الموضوع حساس، ولكن الهجوم والتهديدات والشعور بالقلق هنا إيجابيين، لأنه يعني أنني سأقدم شيئًا جديدًا لم يعتادوه الناس ولذلك هاجموه، الكتاب عجب أغلب مَن قرأه، مَن اعترضوا هم الذين اكتفوا فقط باسم الكتاب، وهؤلاء أظن لا يحق أن نعطيهم بالًا، ولكن علينا أن نوفر الوقت لمن قرأ ولديه تعليق أو اعتراض هذا صحي ومفيد.

كيف ترى واقع الكتابات الاجتماعية حاليا؟

يمكنني أن أجيبك كقارىء للكتب، وباعتباري كنت طالبًا، أظن أن الإجابة "الجامعة هي السبب" وعلينا هنا أن نسأل هل الجامعات المصرية تدرس طلابها، ليتخرجوا باحثين يضيفون لحقولهم العلمية جديد، أم أن العملية التعليمية كلها قائمة على الحصول على الدرجة العلمية والشهادة.

من خلال تجربتك لماذا «المنيا» أكثر المحافظات التي تشهد قلاقل بين المسيحيين والمسلمين؟

أنا أكتب عن المنيا لكي أعرف "لماذا المنيا؟" أنا مهموم بهذا السؤال، سألت فيه أكبر العقول المصرية التي قابلتها في حياتي وكانت الإجابات دائما لا ترضيني، من يقول السادات والإسلاميين في السبعينات، ومن يقول كذا وكذا، ولكن هذه الأحداث التاريخية، والتي يعتبرونها السبب، كان تأثيرها على مصر كلها، فيظل السؤال قائمًا أيضا؛ لماذا المنيا بلد كثير التوتر الطائفي وأحداث العنف؟، أنا وصلت لفكرة من العام الماضي، سأشرح المجتمع في المنيا على ثلاثة أعمال أولهما كان كتابي "كنت طفلا قبطيا في المنيا"، ثم جاءت متتاليتي القصصية الجديدة التي صدرت منذ شهر "نواحي البطرخانة"، أما الثالث فسيكون رواية مع دار الكرمة من المقرر أنها ستصدر في شهر أكتوبر القادم، وكل ما سأفعله أنني سأشّرح المجتمع في المنيا كما عشته، ويمكن يأتي بعدي من يضع يده على مصدر الألم وآخر يعالجه.

ما هو أصعب موقف واجهته كونك مسيحيا؟

أنا عن نفسي من أسرة لها عزوة وجدي لأبي كان رجلًا مهيبًا الجميع يعمل له ألف حساب في دائرته ودوائر محيطة أيضًا ولا أحد يجرؤ على أن يفعل بنا ما ذاقه آخرين من تهجير وإهانة وحرق منازل وخطف فتيات، كما أريد أن أقول أن الوضع أيضًا ليس مأساويًا إلى هذا الحد، نعترف بوجود بعض الأزمات العنيفة في بعض القرى والمناطق، ولكن شعب المنيا شعب كله خفيف الظل ومُحب للحياة والتعايش.

ما هي أبرز الظواهر الاجتماعية التي يتشاركها المسلمين والمسيحيين خاصة في المنيا؟

مولد العذراء بجبل الطير، بالمناسبة هو أكبر مولد قبطي في مصر.

كيف تخليت عن الذاتي وخرجت إلى الموضوعي في روايتك الأولى "نواحي البطرخانة"؟

في "كنت طفلا قبطيا.." كتبت عن أسرتي فهذه سيرة ذاتية بمنظور أنثروبولوجي،  وكان ما زال هناك الكثير من الحكايات الأخرى المتبقية؛ في الشارع، في المنطقة، في الكنيسة، في المحافظة كلها، أريد أن أكتبها وأعلم أنها ذات دلالة هامة ومن المهم أن تحكى وتسجل لأنها لم تُكتب من قبل، ولكنني لا أملك هذه الحكايات لأنها لها أصحاب أخرين، أو أنا سمعتها عن طريق أحد أفراد أسرتي أو أصحابي، كما أنها والأهم لا يوجد شيء يجمعها في سياق أدبي، فأخذت الحكايات وأعدت بناءها من جديد، غيرت شخصيتها الحقيقية بشخصيات أخرى، حررتها من زمانها ومكانها وشخصياتها وأعدت بناء الحكايات بحيث لا تفقد دلالتها الواقعية بل كي تصبح حكايت ملكي أنا وحدي، وجمعت كل ذلك في منطقة أحترت كثيرًا في اسمها، حتى جاء الاسم أخر شيء في الكتاب "نواحي البطرخانة" وعجبني كثيرًا.

ما رأيك في “موضات القراءة والكتابة” كانتشار روايات الرعب في فترة ما، وفي أخرى الروايات التاريخية٬ هل توقفت عند هذه الظاهرة وكيف تحللها؟

الكتب أشكال وألوان في مصر وفي كل العالم، وفي تقديري من الصحي أن يكون هناك قٌراء حتى لو يقرأون أدب شعبي، القراءة مثل "الجيم – رفع الأثقال" لا يمكن أن تحمل الأوزان الثقيلة إلا عندما تتدرج من الخفيف فالأثقل فالأكثر ثقلا وهكذا، أنا الآن مثلا أقرأ رواية (الأحمر والأسود لستندال)، رواية صعبة أكثر من 800 صفحة، ومصنفة ضمن قائمة أفضل 100 كتاب في كل العصور، ولكني بدأت قراءتي في حياتي ببعض كتيبات معجزات القديسين التي كانت تباع في الكنيسة والتي كانت تكتب بانعدام موهبة تقريبًا وأسلوب يخاصمه الفن والاحتراف والعقل، والناس كانوا يشترونها لأنها بها معجزات صنعوها القديسين ولا أحد يجرؤ أن يقول ما هذا الأسلوب الرديء المكتوبة به، ويجب إن "نسيب كل واحد يلعب تمرينته في القراية براحته لحد ما يوصل للوزن المناسب له".

كيف ترى ظهور العشرات من الكتاب وخاصة في فن الرواية؟

أنا واحد من أولئك الذين ظهروا في العقد الأخير، فبالتأكيد سأراها ظاهرة صحية، وأنا أختلف مع كثير من الأساتذة الذين يغيرون على فن الكتابة من كثرة الأسماء التي تصنع كتب جديدة كل عام، ولكن الكتب في النهاية تنتخب ويبقى منها الصالح للاستمرار، والكاتب السيء اطمئنوا هو نفسه لن يستمر، الكتابة مهنة شاقة للغاية، ولو أحدهم صنع مرة أو مرتين كتابًا أو رواية فقط للتباهي الاجتماعي على الفيسبوك بدون موهبة أو مقدرة على إضافة جديد، فلن يتكلف عناء ذلك لثلاثة أو أربع مرات أبدًا.

هل تعترف بقاعدة "أكتب عما تعرفه"؟

كنت مقتنع بهذه القاعدة حتى أربعة أشهر مضوا، لأنها أثبتت نجاحها معي في ثلاثة أعمال أدبية، ثم، وفي شهر مايو الماضي، جاءتني فكرة رواية عن عالم لا أعرفه ولا أحد في الدنيا يعرفه لأنه عالم خيالي، فانتازيا من نوع ما، ووجدت في كتابة هذا الذي لا أعرفه متعة لم أذق مثلها في الكتابة، فيبدو أن القاعدة في الكتابة ألا توجد قاعدة.

 بين الكتاب الورقي والإلكتروني أيهما الأقرب إليك ولماذا؟

كلما أتت سيرة الكتاب الورقي والإلكتروني مع كل التقدير للحديث الدائر عن حقوق الملكية الفكرية للكتاب الإلكتروني والمقرصن، أنا لم أكن أعرف مكان مكتبات في المنيا وأنا صغير أظن لم يكن يوجد مكتبات، وأرجو أن تضع في ذهنك العزلة الثقافية التي كانت الكنيسة، ومازالت، تصنعها بحسن على عقول الأقباط، فما خارج سور الكنيسة هو من الشرير، تربيت في بيت في المنيا غير مهتم بالكتب، فأنا أول قارئ في أسرتي، ولم تكن هناك مكتبة في بيتنا إلا بعض النبذات أو الكتيبات الصغيرة التي تحكي قصص معجزات وسير قديسين، هذه هي فقط الكتب الورقية التي كانت متاحة، ثم دخل الكومبيوتر متأخر وتأخر أكثر منه الإنترنت، وهنا تقابلت لأول مرة مع الرواية والكتاب غير الديني، أول كتاب إلكتروني كامل قرأته كان رواية (نائب عزرائيل ليوسف السباعي)، ثم بدأت رحلتي الحقيقية مع القراءة وأنا في المنيا مع الكتب الالكترونية ولم أعرف سواها، أتذكر منهم أعمال نجيب محفوظ عن مصر القديمة والمسيح يصلب من جديد لنيكوس كازانتزاكيس، وغيرها الكثير، أنا لولا الكتاب الإلكتروني، يعني لو كنت ولدت في المنيا بدري 10 سنوات ما كنت الأن أجري معك حوار عن أعمالي، أنا أدين بالفضل الأول في تكوني المعرفي وتدريب ذائقتي الفنية والتواصل مع الوسط الثقافي للإنترنت. أنا لم أمر مثل القاهريين من أبناء جيلي والجيل الذي يسبقني بأحمد خالد توفيق ونبيل فاروق في طفولتي ومراهقتي، فأنا مثلًا كل ما أسمع جملة "لقد جعل الشباب يقرأون" أظنهم يقصدون بها "الإنترنت" طبعًا.

هل عانيت صعوبات في أول طريقك مع النشر؟

النشر الآن أسهل من نشر الغسيل، ولكن عانيت من صعوبات حتى وصلت، أخيرا وبعد سنوات، إلى ما يستحق أن ينشر على الناس.

ما رأيك في "جروبات" القراءة؟ 

هي ظاهرة إيجابية جدا ومحمسة على القراءة، والأهم أنها تخبرنا الناس ماذا يقرأون.

هل تصنع ورش الكتابة الأدبية كاتبا حقيقيا أم أنها مجرد ظاهرة من ظواهر الحياة الثقافية التي تظهر وتختفي بين الحين والآخر؟

أظنها مفيدة ولكنها لا تصنع كاتبًا، إن لم تكن موهوبًا ومستعدًا إلى أن تعلم نفسك وتطور موهبتك لن يستطيع أن يفعل لك أحدًا ذلك، أنا لم أحضر أي ورشة كتابة في حياتي، علّمت نفسي من خلال القراءة الكثيفة والكتابة والحذف، الفشل في الكتابة والإعجاب بما أكتب، أظن أن الكاتب عليه أن يفعل مثل الراهب، يترك الدنيا ويعيش بمفرده حتى يجد صوته الخاص، وبعد ذلك كل الأمور في الكتابة سهلة ويمكن تعلمها من أي مصدر.

مينا جيد
مينا جيد
85148c2e-42f7-4169-8841-0cd747c9c3b8
85148c2e-42f7-4169-8841-0cd747c9c3b8
مينا جيد
مينا جيد
58444812._SX318_
58444812._SX318_