رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضويني: تصدر غير المؤهلين للفتوى يزعزع أمن الأوطان واستقرارها

الضويني
الضويني

قال وكيل الأزهر، محمد الضويني، إن الله -عز وجل- قد أوجب علينا أن نحتكم إلى ‏شريعة ‏الإسلام؛ التي هي خاتمة الشرائع، والتي ضمنها أحكامًا ‏قطعية ‏وظنية: دلالة وثبوتًا، فأما الأحكام القطعية فلا يتطرق إليها ‏تغيير ولا ‏تبديل، وأما الأحكام الظنية فهي مجال رحب للاجتهاد، ‏وتقليب ‏النظر، وتعدد الفهوم بما يناسب سنة الله في التطور وتغير ‏الأحوال؛ ‏ومن هنا أشار المحققون من علماء الأمة إلى أن الفتوى ‏تتغير بتغير ‏الزمان والمكان والإنسان.‏

وأضاف الدكتور الضويني خلال كلمته في مؤتمر الإفتاء "مؤسسات ‏الفتوى في العصر الرقمي"، أن التحديات التي تمر بها الأمة ‏الإسلامية اليوم تؤكد ضرورة ‏ وجود ما يسمى «الفتوى الواعية» أو ‏‏«الفتوى الرشيدة»، وهي ‏تلك الفتوى التي تنظر إلى الشريعة ‏الصالحة لكل زمان ومكان، وما ‏أنتج حولها من تراث ثري، ولا ‏تغمض في الوقت نفسه عينها عن ‏واقع الناس، وحركة حياتهم، مؤكدا أن عصرنا الراهن شهد تطورات كثيرة في كافة المجالات ‏العلمية ‏والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، نشأت عنها ‏كثير من ‏المستجدات والقضايا التي لم تكن موجودة من قبل في تراثنا ‏الفقهي، ‏وهذا يؤكد ضرورة وجود اجتهاد جماعي متعدد الرؤى، من ‏خلال ‏علماء المجامع الفقهية من كافة الدول الإسلامية بعيدًا ‏عن ‏الاجتهادات الفردية.‏

وأوضح فضيلته أنه من العجيب في ظل هذا الواقع الذي يفرض ‏التخصص ‏والمؤسسية في الفتوى وجود غير المؤهلين للفتوى ‏يتصدرون ‏لها فيأتون بأعاجيب لم يسبقوا إليها، وكأن البراعة كلها ‏في هذا ‏الشذوذ الذي يزعزع أمن الأوطان واستقرارها، ويشيع ‏الكراهية بين ‏الناس، ‏مضيفًا أن الدفع بمثل هذه الأصوات، والعمل ‏على ‏تضخيمها لا يقصد به وجه الله، ولا إصلاح حال خلق الله، ‏وإنما هي ‏أجندات يعمل في خفاء على تنفيذها، ومكاسب يحرص في ‏إصرار ‏على تحقيقها، وسواء أكانت هذه المكاسب أيديولوجية أم ‏سياسية أم ‏شخصية نفعية!.‏

وبين وكيل الأزهر أن المفتي نائب في ‏الأمة ‏عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فإذا لم تكن هذه المكانة العالية ‏في ‏إحقاق الحق، وإزهاق الباطل فسيكون من يتصدر للفتوى موقعًا ‏عن ‏الهوى، ونائبًا عن الشيطان، ورُبَّ فتوى جعلت من الباطل حقًا ‏ومن ‏الحق باطلًا، وكان على من أفتى بها إثمها وإثم من عمل بها ‏إلى يوم ‏القيامة.‏

وأوضح الدكتور الضويني أن الناس بحكم الفطرة يرتضون الإسلام ‏عقيدة وشريعة ‏وسلوكًا ومنهج حياة، ولكنهم يواجهون بنماذج متناقضة ‏من الإسلام، ‏أو بالأحرى ممن يعرضون الإسلام، وربما كان السبب ‏في ذلك هذه ‏الأحداث المتسارعة التي لم تقابلها حركة فقهية جماعية ‏مسعفة، أو ‏قابلتها اجتهادات فردية، لكنها لم تملك أدوات النظر ‏الفقهي الرشيد؛ ‏فأدت إلى  تمزيق الأمة وتفريقها، مبينًا أنه في ظل ‏انتشار وسائل الإعلام المختلفة من الفضائيات ‏ومواقع الإنترنت ‏وغيرها، كان ينبغي أن تكون هذه الوفرة دافعًا إلى مزيد من التحضر ‏والرقي، ‏ولكنها أتاحت في الوقت نفسه للدخلاء على الفتوى أن ‏يتسوروا ‏حماها، فاتخذ هؤلاء الدخلاء على الفتوى هذه ‏المعطيات ‏التكنولوجية للأسف مجالًا لنشر الفتاوى، دون التأكد من ‏صحتها، أو ‏النظر في مآلات نشرها، وآثارها على السلم العام، ‏والأمن، ‏والاقتصاد، وزعزعة ثقة النَّاس في أوطانهم، وتزييف وعيهم.‏

وشدد وكيل الأزهر أنه إذا كان هؤلاء الأدعياء يتسترون فيما يفتون ‏وراء مفاهيم ‏راقية كحرية التعبير، والديموقراطية، فإننا نؤكد أن ‏الحرية ‏مسؤولية، وأن الديمقراطية وعي، فلن تكون الحرية في ‏فتوى تهدم ‏الأوطان، أو تقتل الإنسان، وإننا ونحن أمناء على ‏الشريعة نعلم علم اليقين أن التكنولوجيا ‏سلاح ذو حدين، وأنها تقدر ‏على أن تسهم بنجاح في معالجة آلام ‏الأمة، وتحقيق آمالها، وتعزيز ‏التآخي، وتأصيل قيم المواطنة، ‏وتحقيق الأمن والسلم المجتمعي، ‏وفي الوقت نفسه يمكن أن تؤصل ‏لخطاب متطرف أو تحريضي أو ‏منفلت يحمل مخاطر كبيرة على ‏المجتمع. ‏

وأكد  على ضرورة العمل على إيجاد رقابة مؤسسية ‏مسؤولة، تكون حصنًا حصينًا ضد فوضى الفتاوى؛ ليسلم ‏الوطن، ‏ويسعد أبناؤه، فضلًا على‏ تفعيل الاجتهاد ‏الجماعي عن طريق ‏المجامع الفقهية المعتبرة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية إعداد جيل ‏جديد من العلماء المتخصصين، وصقلهم علميًا ‏وتكنولوجيا، بما ‏يمكنهم من أداء دورهم الذي تصدر له غير ‏المؤهلين وأصحاب ‏الأهواء، بالإضافة إلى ‏التوسع في استخدام التقنيات والوسائل ‏الحديثة لسرعة ‏التواصل مع الغالبية العظمى من المجتمع، ونشر ‏الفتاوى ‏الصحيحة في الوقت المناسب؛ لقطع الطريق على ‏غير ‏المؤهلين والمغرضين الذين يستخدمون هذه الوسائل ‏بكثافة ‏وبمهارة تمكنهم من الإيقاع بالشباب.‏

واختتم وكيل الأزهر كلمته بأنه لا بد من إصدار تشريع يلزم بألا ‏يتصدر للفتوى إلا المتخصصون ‏والمؤهلون من العلماء، ويفرض ‏عقوبة على من يتصدى للإفتاء دون موافقة الجهات ‏المختصة، ‏ويلزم المنابر الإعلامية والمؤسسات المختلفة بأن تأخذ الفتوى ‏من ‏العلماء المتخصصين الذين تجيزهم الجهات المختصة، ‏بالإضافة إلى ‏العمل على زيادة ‏الوعي بالتحديات، وحسن قراءة الواقع من حولنا، ‏ومعرفة ما ‏يراد بأوطاننا، وتقوية ثقة الناس في مؤسساتنا، ‏والإيمان ‏بضرورة العمل الجماعي؛ وتقديم فقه المجتمع والوطن ‏والأمة، ‏والاستفادة من معطيات الواقع؛ حتى لا نتخلف عن ركبه.‏