رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الطريق إلى 30 يونيو «4».. رغبة الإخوان في «التكويش» على مصر قادتهم إلى مصيرهم المحتوم

أوامر خارجية صدرت للجماعة بتغيير سيناريو «المشاركة» إلى سيناريو «المغالبة».. فكان ما كان 

كان محمد مرسى هو المرشح الاحتياطى لخيرت الشاطر فأطلق عليه الشباب لقب «الإستبن»

مرسى فاز بالانتخابات نتيجة قدرة الإخوان على الحشد.. والإخوان أثبتوا فشلهم منذ أول يوم فى الحكم 

قرار تولى المشير السيسى وزارة الدفاع كان قرار الجيش المصرى عبر حركة انتخاب طبيعى وتسليم وتسلم تتسم بالشرف والوطنية 

 

نستكمل فى هذه الحلقة سرد وقائع المرحلة الانتقالية، والمشاكل التى واجهتها، والتى جعلت الطريق إلى ٣٠ يونيو أمرًا حتميًا.

كانت هذه المشاكل مزيجًا من مشاكل ذاتية تتعلق بإدارة المجلس العسكرى البلاد، وبُعد بعض رموزه عن العمل السياسى ومعرفة النخبة المصرية وطبيعتها، وتتمثل العقبات الأخرى فى مؤامرات حاكتها قوى متعددة، كان على رأسها الإخوان الذين كان يهمهم ألا تستقر الأمور للمجلس العسكرى حتى يعجل بانتقال السلطة التى أرادوا أن تسقط ثمرة ناضجة فى حجرهم، وبالتالى كانوا يكيدون للمجلس العسكرى دون مواجهة صريحة معه فى المرحلة الأولى «قبل انتخابات مجلس النواب».

 

كانوا يستخدمون بعض القوى التى تدعى الثورية، وقد كانت هذه بدورها تنقسم لفرق مختلفة.. فبعضها يعانى من خطل فكرى وقصور فى التفكير تجعله يرى الثورة حالة دائمة وأمرًا مطلوبًا فى حد ذاته، ويرى فى مؤسسات الدولة كلها شرًا مطلقًا لا بد من القضاء عليه حتى يصل الجميع إلى حالة السعادة المطلقة بعد انهيار الدولة وسيادة الفوضى التى تعيد الإنسان إلى العصر البدائى الأول.

وإلى جانب هذا التيار الذى يرى البعض فى أفكاره وجاهة وجاذبية شأن كل الأفكار المتطرفة التى تجتذب أقلية ضئيلة تميل للوصول للحد الأقصى.. كانت هناك الحركات المرتبطة بالمؤسسات الأمريكية، والنشطاء المرتبطون بمؤسسات التمويل الغربى.. وبعض العملاء الصريحون للسفارات الغربية فى مصر، وكان هناك أيضًا فلول الحزب الوطنى القديم الذى عانى بعضهم من قصر النظر، وظن أن معركته مع المجلس العسكرى لا مع الإخوان.. وكانت هناك ضغوط عربية وخارجية لأسباب مختلفة.. وقد وفر كل هذا مناخًا لصعود الإخوان الذين انتشروا فى وسائل الإعلام، وبين بعض قصيرى النظر من النخب المصرية، وبدا وكأنهم يحكمون مصر فعلًا حتى من قبل أن يتسلموا الحكم، وكان أكثر ما يؤلم كل وطنى مخلص هو كم الإهانات التى توجه للجيش المصرى وقادته، وللعسكرية المصرية كلها، رغم التزام قادة الجيش بسياسات الصبر، والزهد، والتسامح، وإخفائهم حوادث سقوط ضحايا من ضباط الجيش وجنوده فى عمليات حفظ الأمن فى البلاد، أو أثناء بعض المواجهات.

الإخوان يرفضون المشاركة 

كان السيناريو الذى طرحه المجلس العسكرى يقوم على مشاركة الجميع فى السلطة، وكانت الفكرة إصدار دستور ينص على دور للجيش فى حماية الدولة المدنية والسيادة الوطنية، مع انتخابات حرة تسمح بمجىء من يختاره الناس.. لكن نتائج الانتخابات النيابية غرّت الإخوان.. وقالت تحليلات أخرى إن أمرًا دوليًا صدر للإخوان بتغيير خطتهم، والمنافسة على انتخابات الرئاسة، بعد أن دار الحديث لفترة عن رئيس توافقى يكون محل موافقة جميع الأطراف، وطرح اسم منصور حسن، وزير الإعلام والثقافة فى عهد الرئيس السادات.. لكن الفكرة تم التراجع عنها.. وسار الإخوان فى مسار التكويش على السلطة، وأعلن خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للجماعة ومرشدها الحقيقى، عن نيته خوض الانتخابات الرئاسية ورشحت الجماعة محمد مرسى كمرشح احتياطى للشاطر وحمل اسمًا شعبيًا هو «الإستبن»، وبالفعل تم استبعاد خيرت الشاطر نتيجة إدانته فى قضية غسل أموال نهاية عصر مبارك، وترشح محمد مرسى كذراع رئاسية لجماعة الإخوان، وواجهة للجماعة فى القصر الرئاسى، وترشح الوزير عمر سليمان للانتخابات ولكنّ عيبًا قانونيًا فى أوراقه أدى لاستبعاده، لكن فى الخلفية كان هناك تحليل سياسى يقول إنه ترشح لإحداث توازن مع خيرت الشاطر.. وإنه خرج من الانتخابات وأخذ الشاطر فى يده، وهى خدمة جليلة لمصر، ومن وجهة نظرى الشخصية أن الرجل رغم كفاءته كان امتدادًا لدولة مبارك من نواحٍ كثيرة، ولم يكن هذا مُرضيًا لكثير من المصريين.

وكان المرشح الثالث الذى خرج من الانتخابات هو حازم صلاح أبوإسماعيل الذى أثبت زوج شقيقته المقيم فى أمريكا «د. محسن حمزة» أن والدته تحمل الجنسية الأمريكية، وأنه بذلك يخالف شروط الترشح للرئاسة، وكان اللافت أن «أبوإسماعيل» يصمم على الإنكار، وأنه أخفى جنسية والدته الثانية فى استمارة الترشح، وارتكب جريمة التزوير، وكان «أبوإسماعيل» تعبيرًا عن حالة مراهقة فوضوية إسلامية الطابع.. وكان خارجًا من عباءة الإخوان، فكان والده أحد قياداتهم، وقدم نفسه حينًا على أنه مرشح إخوانى لمجلس نقابة المحامين.. ثم كأحد الدعاة الجدد الذين يتحدثون عن الحب فى الإسلام وآداب الخطوبة.. فى زمن مبارك.. ثم ظهر بعد الثورة ليتزعم تيارًا يجمع بين العقيدة السلفية والحركة الإخوانية.. والطابع الإثارى.. وكان يؤدى للجماعة دور الابن المختل.. المندفع.. الذى تعتذر الجماعة بأنها لا يمكنها السيطرة على تصرفاته.. فى حين أنها هى التى أمرته بالحركة من الأساس.. وقد كان خطابه مُغويًا لمجموعات من المراهقين انتظموا فى حركة تحمل اسمه، ووجد كثير منهم طريقه للتنظيمات الإرهابية بعد ذلك.

كان المجلس العسكرى قد التزم بعدم تقديم أى شخصية عسكرية للانتخابات.. وجرت محاولة للترشح من الفريق سامى عنان عبر أحد الأحزاب الصغيرة، لكن المشير طنطاوى أجهض المحاولة ولم تتم الخطوة، وجرت الانتخابات الرئاسية وفق هندسة معينة.. أسفرت عن منافسة نهائية بين محمد مرسى والفريق أحمد شفيق.. وحقق محمد مرسى فارقًا يقدر بثمانمائة ألف صوت.. وكان ذلك لسببين، أولهما: قدرة الإخوان على الحشد.. وانخداع كثير من المصريين بشعار «الإسلام هو الحل».. وبدعاية الإخوان عن مشروع النهضة الذى يحملونه لمصر، ولم يكن المصريون قد اختبروا بعد كفاءة الجماعة التى أثبتت قدرة غير مسبوقة على الفشل، واستفزاز المصريين، وجعلهم يندمون على اليوم الذى اختاروا فيه مرشح الجماعة.

وكان من أسباب نجاح مرسى ارتباط الفريق شفيق بدولة مبارك، ومعرفة الناس بكونه تلميذًا شخصيًا له، وتحول أدائه التليفزيونى واعتداده بنفسه إلى شكل أقرب لـ«الكاركتر» المسرحى منه للقائد المهيب الذى يمكن أن يقنع الناس.. وبشكل عام أنا من الذين يؤمنون بأن الانتخابات لم تزور بشكل يؤثر على نتيجتها.. وأن المجلس العسكرى لم يتدخل.. وشاع عن قادته أنهم شاهدوا نتيجة الانتخابات عبر التليفزيون من خلال المؤتمر الانتخابى.

خرج الإخوان من جنة المعارضة إلى «نار» الحكم.. حيث يجلس المعارضون فى مصر فى المقعد الملكى.. ينتقدون السلطة، ويركبون غضب الناس.. ويحققون ما تيسر من المكاسب، بينما من فى السلطة يدفع ثمن فشل تاريخى لمحاولات النهضة تتسبب فيه عوامل معقدة من انتشار الجهل، لسيادة الخرافة، لكراهية العلم، لعدم الإيمان بالعمل، للزيادة السكانية، فضلًا طبعًا عن سوء الإدارة، وانتشار الفساد خلال أربعين عامًا الأخيرة من تاريخ مصر على الأقل.

أمسك الإخوان بسلك الكهرباء العارى.. وكانت يد القدر هى التى رسمت سيناريو خلاص مصر منهم.. وكانت الخطيئة الأساسية هى رغبتهم فى المغالبة لا المشاركة، وفى التكويش لا التنسيق، حيث كان الصراع قد تصاعد بعد إصدار المحكمة الدستورية حكمًا بحل مجلس الشعب، وكان السبب دستوريًا بحتًا يتعلق بعوار فى قانون الانتخاب، وفى الخلفية كانت رغبة الإخوان فى «التكويش»، وإقالة رئيس الوزراء، والمناوشة بضرورة تعيين رئيس وزراء منهم.. وهو ما أدى فى النهاية لإصدار إعلان دستورى يضع صلاحيات التشريع فى يد المجلس العسكرى، وكان المعنى هو تقاسم السلطة.. ولكن ذلك لم يعجب الإخوان، الذين اشتكوا للأمريكان.. وجاءت هيلارى كلينتون إلى مصر وقابلت المشير طنطاوى وبعض أعضاء المجلس العسكرى.

وكما يروى الأستاذ مصطفى بكرى فى كتابه «الإخوان والجيش» فقد تحدثت كلينتون فى أمر الإعلان الدستورى، لكن المشير أخبرها بأن هذا شأن داخلى مصرى.. ولم يمر أربعون يومًا أو يزيد على تولى مرسى الرئاسة حتى وقعت مذبحة رفح الأولى.. وكانت نتيجة ترتيب بين عناصر إرهابية فى غزة وبين الإرهابيين فى سيناء، وكان ظل حماس فى العملية يخايل المصريين ويثير غضبهم.. وشاعت معلومات أن الإرهابيين الذين جاءوا من غزة يحملون بطاقات رقم قومى مصرية، وأن البطاقات من إنتاج ماكينة بطاقات سُرقت من قسم شرطة العريش أثناء أحداث يناير ٢٠١١.. واشتعل غضب رجال الجيش والشعب أيضًا.. كانت عملية ذبح الجنود أثناء تناولهم الإفطار فى رمضان أكثر من مؤلمة.. وقال قادة الجيش إن لديهم معلومات عن أصابع حمساوية فى العملية، وحاول مرسى أن يضغط حتى لا يعلن الجيش المعلومات التى لديه، وتبرأ قادة حماس من العملية وأدانوها.. وحاول مرسى أن يركب الغضب الشعبى، لكن قطار الغضب قد دهسه.. حيث لم يتمكن لا هو ولا رئيس وزرائه من الوصول لمقر الجنازة نتيجة غضب الناس ومحاولتهم الاعتداء عليه، وطرد الناس قيادات الإخوان من الجنازة.. وحاول مرسى أن يتدخل بقرارات إبعاد بعض القادة.. وطلب حركة تنقلات معينة، وتمت الاستجابة لها.

ثم كان فصل الختام لرحلة طويلة من العمل الوطنى للمشير محمد حسين طنطاوى الأب الروحى لجيل كامل من القادة الكبار فى الجيش المصرى، وستظل تفاصيل كثيرة لما حدث فى طى الكتمان.. لكن الأكيد أن التفاصيل مشرفة، وأن نوعًا من الانتخاب الطبيعى قد حدث للفريق السيسى، حيث اختاره الجيش المصرى وممثلو النواة الصلبة للدولة المصرية ليقود المواجهة مع الإخوان والقوى الخارجية.. وأن العملية تمت على أرضية الوطنية المصرية وتقاليدها الراسخة.. وكان معروفًا قبل سنوات أن اللواء السيسى هو قائد الجيش القادم.. وكان مما شاع عنه أنه أثناء توليه مسئولية فرع الأمن فى وزارة الدفاع «منصب خطير وحساس» كان يتولى حل المشكلات قبل أن يرفعها للمشير طنطاوى.. وهو ما أدى لاكتسابه ثقة القادة والضباط.. وباختياره وزيرًا للدفاع فى أغسطس ٢٠١٢ شهدت مصر فصلًا جديدًا تمامًا فى الطريق إلى ثلاثين يونيو.

 

الحلقة المقبلة:

لماذا فشل الإخوان فى الحكم؟