رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الجمهورية الجديدة» والدفع بالشباب للقيادة وصناعة القرار

ازداد الزخم والنقاش المجتمعى فى مصر هذه الأيام حول مصطلح «الجمهورية الجديدة» أو الجمهورية الثانية المنتظر الإعلان عنها، التى أرسى قواعدها وأعمدتها الرئيس السيسى خلال ٧ سنوات فقط من توليه مسئولية قيادة الدولة الأكبر والأهم فى الشرق الأوسط، ليصل بمصر الآن وقد استعادت عافيتها بشكل كامل، ونجحت فى تجاوز معظم التحديات الداخلية والخارجية، والصمود أمام الكثير من المخططات التى هدفت إلى إفشال وتركيع مصر، وإدخالها مرة أخرى فى دوامة الفوضى التى ضربت الإقليم فى العقد الأخير.

المتابع لاتجاهات الرأى فى مصر خاصة داخل «قطاعات الشباب» سواء على شبكات التواصل الاجتماعى أم فى الواقع بين مختلف مكونات المجتمع على المستوى المهنى والجغرافى، وتحديدًا فى الفئات العمرية من ٢٠ إلى ٤٠ عامًا- سيكتشف تغيرًا ملحوظًا فى مواقفهم تجاه الدولة وتجاه شخص الرئيس السيسى تحديدًا، سيلاحظ أن كتل الغضب واليأس فى التغيير للأفضل، التى كانت تسيطر على بعض هذه القطاعات خلال سنوات مضت قد تم تكسيرها وتحويلها إلى طاقة إيجابية، وأصبح لديهم وعى حقيقى بأهداف الحملات السوداء التى كانت ولا تزال تُشن من تنظيمات ومجموعات معادية للأمة المصرية. وأصبح لديهم إدراك وإيمان وثقة فى مخطط البناء والتنمية الشامل الذى تشهده كل ربوع مصر الآن على كل المستويات.

حتى على مستوى الانخراط المصرى فى قضايا الإقليم، أدركت هذه الأجيال لأول مرة بشكل واضح معنى مركزية الدور المصرى وقدرات بلدهم السياسية والدبلوماسية والعسكرية والبشرية والمعنوية فى تحديد مسارات الصراعات، وامتلاك الإرادة على إطفائها وحلها، أدركوا أن عقود الانكماش المصرى داخليًا وعدم الاستثمار فى عمقها الإفريقى والعربى لم يكن هو الثابت، بل الثابت أن وجود مصر واستقرارها داخليًا ارتبط طوال الوقت بقدراتها على الاشتباك والتأثير فى ملفات الإقليم بأكمله.

كان التحدى كبيرًا أمام إدارة الرئيس السيسى بداية من يونيو ٢٠١٤ فى البحث عن حلول عملية لجعل الشباب المصرى جزءًا رئيسًا وفاعلًا من رؤية التحديث الشاملة فى مصر، عبر تلافى أخطاء الإدارات السابقة التى لم تدرك خطورة عدم التوسع فى فتح قنوات التواصل بين مؤسسات الدولة وقطاعات المجتمع خاصة الشباب، للاستماع إليهم وفهمهم والتفاعل مع أحلامهم فى ضرورة إيجاد واقع معيشى أفضل عبر تبنى سياسات واستراتيجيات حقيقية لإيجاد حلول لأزمات مصر الداخلية، التى جعلتها فى ذيل الأمم مصابة بسرطان الفقر والعوز، وتتغنى فقط بحضارة وأمجاد وانتصارات عظيمة تركها لنا الأجداد، وجعلتنا جميعًا نستسلم ونفقد الأمل فى حدوث أى تغيير، حتى من باب السخرية مع بعضنا بعضًا، كنا نردد مقولة منسوبة للزعيم الراحل سعد زغلول «مفيش فايدة»! 

نجحت إدارة السيسى ومؤسسات الدولة المصرية فى جعل الشباب قوة حقيقية لمصر فى معركتها العظيمة فى البقاء والبناء والتنمية، فعمقت ووسعت من عملية التواصل الحكومى والمؤسسى مع الشباب، ولم تعد فكرة اهتمام الدولة بالشباب وتمكينهم مجرد شعارات سياسية ترددها وتروج لها وسائل الإعلام، بل أصبح واقعًا ملموسًا بمشاركة من الشباب فى صناعة وصياغة القرار فى الدولة، والدفع بهم إلى تولى المناصب القيادية داخل الجهاز الإدارى.

أخذت استراتيجية الدولة المصرية لتمكين الشباب سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا عدة مراحل، وكانت البداية الحقيقية فى سبتمبر ٢٠١٥، بمبادرة الرئيس السيسى لإطلاق «البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة»، الذى يهدف إلى إعداد قواعد شبابية من مختلف محافظات مصر، تكون مؤهلة للقيادة على المستوى الإدارى والسياسى والمجتمعى، وتكون مسلحة بأحدث نظريات الإدارة والتخطيط العلمى والعملى لمجابهة كل التحديات. وبالفعل نجح هذا البرنامج فى تخريج ثلاث دفعات من هؤلاء الشباب قوامهم يقترب من ١٥٠٠ شاب وفتاة، تم الدفع ببعضهم فى شرايين العمل الحكومى ومراكز صنع القرار فى الدولة وخارجها، وأصبحوا جزءًا رئيسًا من عملية تشكيل الوعى العام الجمعى حول مشروع الجمهورية الجديدة. ولنجاح البرنامج، تم إطلاق برنامجين إضافيين، هما برنامج تأهيل التنفيذيين للقيادة، وهو معنى بتقديم دورات تدريبية وتأهيلية لموظفى القطاع الحكومى لرفع كفاءتهم، وبرنامج تأهيل الشباب الإفريقى للقيادة، الذى وفر فرصة للشباب من الدول الإفريقية ليحصلوا على دورات حديثة تساعدهم فى قيادة المجتمعات التى قدموا منها.

تزامن إطلاق البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب مع تنظيم الدولة ٧ مؤتمرات وطنية للشباب شارك فيها رئيس الجمهورية، ووجدنا فيها تفاعلًا بينه والآلاف من الشباب المصرى، يستمع إليهم، ويطرحون عليه الأسئلة التى تشغل بالهم عن حاضر مصر ومستقبلها ويتجاوب معهم. ومع نجاح فكرة المؤتمرات الوطنية للشباب، شهدنا إطلاق منتدى شباب العالم، الذى عقد ثلاث مرات حتى الآن، وأصبح منصة دولية لشباب العالم ونموذجًا ناجحًا سجلته الأمم المتحدة، استطاع القائمون عليه جعله منصة بين شباب العالم يتحدثون عن رؤيتهم للصراعات القائمة فى العالم، والاستماع إلى أفكارهم وآرائهم حول كيفية إحلال السلام بين شعوب الأرض، والدفع بالعولمة الحديثة لأن تكون أكثر تشاركية وإنسانية، بما ينعكس على حياة البشر فى الرخاء والتنمية والسلام. 

ولعلى أتذكر هنا كلمة الرئيس السيسى فى مارس ٢٠١٩، على هامش مشاركته فى الملتقى العربى الإفريقى، التى أكد فيها أن مصر وضعت الشباب على أولوية الفئات التى تحظى بالاهتمام والرعاية من أجل مستقبل بلا صراع، وأننا نجحنا فى توفير مساحة مشتركة نجتمع فيها وندير فيها اختلافنا بشكل حضارى ونحقق تواصلًا فاعلًا، وأن المؤتمرات الوطنية للشباب تحولت إلى فكرة قابلة للتعميم والعولمة، فانطلق منتدى شباب العالم، وليدًا من أفكار أبناء مصر، ليكون منصة حوار بين شباب العالم بكل تنوعهم واختلافهم.

فى الأزمنة السابقة فى مصر، كان من الصعب أو المستحيل تخيل وجود شباب فى مناصب قيادية حتى لو كنت مسلحًا بأحدث العلوم الحديثة فى التخطيط والقيادة، أما الآن فلدينا ٢ من المحافظين الشباب، و٢٣ نائبًا للمحافظين، و٨ معاونى محافظين، و٧ من الشباب نواب ومعاونى وزراء. كان من المستحيل تخيل هذا العدد الكبير من الشباب داخل المجالس النيابية «أكثر من ثلثى مجلسى النواب والشيوخ من الشباب»، فى سابقة لم تحدث من قبل، وتقديم نموذج عملى للتمكين السياسى والاجتماعى للشباب الذين انبثقوا عن الكيان السياسى الأهم فى مصر حاليًا فى رأيى وهو «تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين»، الذى يضم شبابًا من مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية والفكرية، وأصبح من أهم الفواعل فى صياغة وتشكيل المجال العام فى مصر، ليس عبر خطابات رياء ونفاق وشعارات فارغة، بل برؤى شبابية مصقلة بالتدريب ودورات التأهيل الحديثة فى الإعلام والاقتصاد والسياسات العامة والعلاقات الدولية والأمن القومى، رؤى واعية بتحديات مصر الداخلية والخارجية، والقدرة على التعبير عنها بكل حرية بما يسهم فى استكمال مشروع الإصلاح الجارى المخطط له فى رؤية مصر ٢٠٣٠.

ختامًا، الاستثمار الواسع الذى قامت به إدارة الرئيس السيسى فى الشباب المصرى فى الـ٧ سنوات الماضية، كان الاستثمار الأفضل على الإطلاق، فهو استثمار فى المستقبل وترسيخ لقواعد الاستقرار والسلام الاجتماعى، فهم عماد المجتمع وقاطرة أى تنمية حقيقية، وهم من سيقودون مصر فى السنوات المقبلة، ولا يصح تركهم مرة أخرى لتيارات ظلامية تلعب بعقولهم وتستخدمهم كوقود لتخريب أوطانهم وزرع الفتنة بينهم وبين مؤسسات دولتهم.