رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سفيرنا فى الصومال: مقديشو ترفض الإضرار بمصالحنا المائية

سفير مصر في الصومال
سفير مصر في الصومال ومحررة الدستور
  • الصومال دولة عربية مسلمة سُنية يرتبط مواطنوها بالأزهر الشريف والمنهج الوسطى
  • الرئيس ضاعف عدد المِنح التعليمية دعمًا لعملية بناء كوادر الدولة الصومالية
  • الأزمات السياسية لم تمنع السفر بين البلدين والعلاقات طبيعية جدًا
  • افتتاح عدد من المدارس المصرية وعودة البعثة التعليمية فى السنوات الثلاث الماضية

قال السفير محمد نصر، سفير مصر فى الصومال، إن الرئيس عبدالفتاح السيسى يبذل مجهودات كبيرة لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين، مشيرًا إلى زيادة عدد المنح التعليمية لأبناء الصومال، ورعاية الجالية الصومالية فى مصر.

وأضاف «نصر»، فى حواره مع «الدستور»، أن الدولة الصومالية تدعم حقوق مصر المائية، لكنها ترى أن المفاوضات هى السبيل الوحيد لحل أزمة سد النهضة دون وضع ضغوط على أديس أبابا، مشيرًا إلى أن الصومال يعانى أيضًا من مخططات إثيوبيا فيما يتعلق بالأنهار، فمصدر المياه الرئيسى فى جنوب الصومال هو نهرا جوبا وشبيلى، وتنفذ إثيوبيا مشروعات على النهرين، وتشير عدة دراسات دولية إلى التأثيرات السلبية لهذه المشروعات على الزراعة فى الصومال، وعلى الموارد المائية للدولة الشقيقة.

■ بداية.. هل يتشابه تحدى الإرهاب الذى يواجه مصر والصومال؟

- الإرهاب تعريفه «واحد» طبقًا للأمم المتحدة، وفكرة الإرهاب هى وجود عناصر ترهب المجتمع وتنفذ عمليات تؤدى إلى تهديد السلم فى المجتمع، وهذا تعريف متفق عليه من قبل جميع الأطراف، ولا يمكن الجزم بتشابه أو اختلاف التهديدات الإرهابية التى تواجه الصومال ومصر، ولكن هناك تشابه فى طريقة تنفيذ العمليات الإرهابية، فضلًا عن كون العمليات تنفذها حركة تعمل ضد السلطة الشرعية، ممثلة فى الحكومة ومؤسسات الدولة، ومن جانب آخر يمكن التوسع فى تعريف الإرهاب ليتضمن عمليات القرصنة التى تواجه حركة الملاحة الدولية أمام الشواطئ الصومالية، باعتبارها تهدد السلم والأمن، وتجدر الإشارة إلى التراجع الكبير فى عدد عمليات القرصنة بعد تضافر الجهود الدولية فى مواجهتها، كما لا يجب إغفال الأسباب التى ساعدت على تقليل تلك العمليات بشقيها العسكرى، الذى يتضمن الوجود العسكرى البحرى، والتنموى الإنسانى من خلال المساعدات الإنسانية عبر مشروعات التنمية التى قدمت للمجتمعات التى كانت تقوم بالقرصنة سابقًا.

■ ما طبيعة العلاقة بين البلدين؟

- العلاقات المصرية الصومالية لها بُعد تاريخى منذ الفراعنة، حيث وثقت حتشبسوت فى معبدها بالبر الغربى رحلات التجارة بين مصر وبلاد بنط «الصومال حاليًا»، ولم تتوقف العلاقات الثنائية بين البلدين، وكذلك التواصل الفنى والتجارى والسياسى الذى تشهد عليه الآثار المصرية والمنشآت المصرية بصفة خاصة فى شمال الصومال، وتعززت تلك العلاقات وقت تولى الرئيس جمال عبدالناصر، حيث دعمت مصر حركة استقلال الصومال، ثم سعت للمشاركة الفعالة فى بناء كوادر الدولة الصومالية، من خلال بعثات تعليمية مصرية فى مختلف المدن الصومالية وتعزيز التبادل التجارى، فما زال رجل الشارع المصرى يتذكر منتجات الموز الصومالى واللحوم، فالمواطن العادى يعرف الصومال جيدًا، فهى موجودة فى الفكر الجمعى المصرى بصورة أعتقد أنها أكبر من دول إفريقية أخرى، خاصة لمواقف الصومال قبل انهيار الحكومة المركزية عام ١٩٩١ الداعمة لمصر وقت حرب ١٩٧٣ ووقت التوقيع على اتفاقية كامب ديفيد، ومؤخرًا وفى ضوء رؤية الرئيس السيسى لتعزيز العلاقات مع الصومال تقابل الرئيسان عدة مرات منذ تولى الرئيس الصومالى فرماجو رئاسة الصومال عام ٢٠١٧.

ومن المهم الإشارة إلى أن الصومال دولة عربية مسلمة سنية، يرتبط مواطنوها بالأزهر الشريف والمنهج الوسطى، ولم يتوقف الوجود والدعم المصريان للصومال منذ استقلالها حتى خلال فترة الحرب الأهلية الصومالية، حيث استمرت بعثة تعليمية أزهرية ووجود عدد كبير من المدرسين والأطباء المصريين، ما يعكس العلاقات القوية والعميقة الممتدة على عدة أصعدة، فعلى سبيل المثال تخرج سفير الصومال الأسبق لدى مصر «عبدالغنى محمد وعيس» فى جامعة الإسكندرية، وغيره الكثيرون من قادة الصومال حاليًا، الذين تلقوا تعليمهم فى المدارس المصرية فى المدن الصومالية، وعلى رأسها مدرسة جمال عبدالناصر فى مقديشو، كما يقيم الآلاف من الإخوة والعائلات الصومالية فى مصر بين تجار ورجال أعمال وطلبة وأهالى المبعوثين بجامعة الأزهر والجامعات المصرية الأخرى.

■ ماذا يمثل الأمن القومى الصومالى بالنسبة لمصر؟

- فضلًا عن العلاقات التاريخية والاجتماعية والتجارية ممتدة الجذور، فإن الصومال يتمتع بموقع استراتيجى مع جيبوتى على مدخل البحر الأحمر وقناة السويس، فضلًا عن دوره الفاعل وارتباطه بمنطقة القرن الإفريقى، ودوره فى الجامعة العربية، حيث يمتلك الصومال كوادر ممتازة فى جميع المجالات، ومن المهم الإشارة إلى موقعه الاستراتيجى على خليج عدن، الذى يشكل أهمية خاصة لتدفق التجارة عبر قناة السويس وحركة الملاحة بها.

■ كيف تشارك مصر فى حماية الهوية العربية للصومال؟

- الهوية العربية فى الصومال تواجه تحديًا حقيقيًا، وهذا التحدى نتيجة حرب أهلية استمرت ٣٠ عامًا، أثرت على مستوى التعليم ودفعت الكوادر المثقفة إلى الهجرة.

وأود التأكيد على تمسك أغلب الصوماليين بالهوية العربية الإسلامية، فاللغة العربية هى اللغة الرسمية الثانية هناك، طبقًا للدستور الصومالى بعد اللغة الصومالية، وهى لغة الثقافة والدين.

ولكن مؤخرًا شهدت الثقافة العربية تحديًا، نتيجة حالة عدم الاستقرار التى تواجه الصومال، مما صعب عملية إرسال البعثات من المعاهد الأزهرية والبعثات التعليمية المصرية، ولكن من المهم الإشارة إلى أن المعهد الأزهرى فى مدينة اسمها قرضو، بولاية بونط لاند، لم يغلق أبوابه إلى الآن، بل ومنذ تولى الرئيس السيسى الرئاسة قام بمضاعفة عدد المنح التى تقدم لخريجى المعهد فى الأزهر الشريف دعمًا لعملية بناء كوادر الدولة، كما سعت مصر لافتتاح عدد من المدارس المصرية وعودة البعثة التعليمية فى السنوات الثلاث الماضية.

■ ما التحديات التى تعطل التقارب بين الدولتين؟

- تختلف التحديات باختلاف الحقب التاريخية لكل دولة وأجندتها السياسية، وظروف كلتا الدولتين هى التى تتحكم فى حجم التواجد، ومؤخرًا مصر، كما الصومال، كانت تواجه تحديات تاريخية، كما أن خصوصية الوضع الصومالى فيما يتعلق بنشاط حركة الشباب التى كانت تستهدف أى أجنبى موجود داخل الأراضى الصومالية صعّبت العمل فى الأقاليم والمدن الصومالية، إلا أن تلك المرحلة فى سبيلها للانتهاء، وهناك تركيز واضح وتوجه كبير داخل الدولة المصرية للعودة إلى إفريقيا، وهذا ظاهر ومعلن، خاصة مع استقرار دولة الصومال منذ عام ٢٠١٠. 

■ كيف يستفيد الصومال من الخبرات المصرية فى مكافحة الإرهاب؟

- مصر تقدم منحًا قصيرة وطويلة الأجل للتدريب والتعاون، كما ترسل كوادر متخصصة للمساعدة فى بناء المؤسسات الأمنية لنقل الخبرة للأشقاء فى الصومال، ويعتمد حجم التعاون والدعم على رؤية وتوجهات الحكومة الصومالية وبرنامجها لبناء مؤسسات الأمن ومواجهة الإرهاب.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر أرسلت خبيرًا أمنيًا رفيع المستوى لمدة عام، إلى الصومال، للمساعدة فى إعادة هيكلة وتدريب قوات الشرطة الصومالية، فضلًا عن تنفيذ دورات تدريب وإرسال ملابس وتجهيزات لقوات الشرطة. 

■ ما موقف الدولة الصومالية من سد النهضة؟

- تواجه الصومال تحديات تشبه التى تواجهها مصر، فمصدر المياه الرئيسى فى جنوب الصومال هو نهرا جوبا وشبيلى، وتنفذ إثيوبيا مشروعات على النهرين، وتشير عدة دراسات دولية إلى التأثيرات السلبية لهذه المشروعات على الزراعة فى الصومال، وعلى الموارد المائية للدولة الشقيقة.

ومن المهم الإشارة إلى كون الصومال يواجه خطر الإرهاب ويتمتع بحدود طويلة وخلفيات تاريخية مع دول الجوار، خاصة إثيوبيا التى تدخلت عسكريًا فى الصومال ضد حركة المحاكم الإسلامية فى عام ٢٠٠٧، ثم الوجود العسكرى الإثيوبى فى إطار القوات الإفريقية والترتيبات الثنائية وما شابهها، بحيث أصبحت إثيوبيا أكبر دولة لها وجود عسكرى داخل الصومال، سواء فى إطار بعثة الاتحاد الإفريقى، وغيرها من الترتيبات لتأمين الحدود الإثيوبية، كما أن الدولتين عضوان فى تجمع الإيجاد، وسبق وأعلن الرئيس فرماجو عن رؤيته ودعمه تحالفًا ثلاثيًا مع إثيوبيا وإريتريا، ولكن يمكن القول بشكل عام الصومال داعم موقف مصر وعدم الإضرار بمصالح مصر، لكنه ولما ذكرته سابقًا يتحفظ إلى حد ما- كما حدث فى قرارى الجامعة العربية- على وضع ضغوط على إثيوبيا، ويرى أن حل أزمة السد يكون عبر المفاوضات.

وتتشاور مصر باستمرار مع الصومال، وجرى إرسال مبعوثين من وزارة الخارجية المصرية إلى هناك لشرح الموقف المصرى وتطورات المفاوضات.

■ ما سبب النزاعات المسلحة فى الصومال؟

- خارج الصورة الكبيرة لوضع الشعب الصومالى، الذى ينتمى لدين واحد وعرق واحد ولغة واحدة نجد أن ما حدث- مثلما حدث قبل ذلك فى مناطق أخرى- عندما تكون هناك مشكلة فى النظام السياسى وآليات تحقيق العدالة تحدث النزاعات التى قد تتطور فى حالة عدم التعامل معها بالحكمة اللازمة، ففى الصومال أربع قبائل رئيسية من حيث الثروة وعدد السكان ومجموعة من القبائل الصغيرة، وأدت الحرب الأهلية منذ عام ١٩٩١ إلى تركز أغلبية من إحدى القبائل فى كل إقليم، ونظرًا لغياب الدولة أصبح البُعد القبلى هو المسيطر والترتيبات القبلية وما على شاكلها أصبحت أساس التعامل مع الخلافات التى تحدث ارتباطًا بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، ومؤخرًا اتفق الأشقاء الصوماليون على النظام الفيدرالى فى محاولة لحل النزاعات، إلا أن المرجعيات القانونية لهذا التوافق تضمنت كثيرًا من النقاط المؤجلة، ما أدى إلى أزمة سياسية، وأسهم وجود حركة الشباب وتقلب المزاج السياسى وتعقد المشهد القبلى فى صعوبة المشكلة الصومالية، إلا أنه من المهم الإشارة إلى أن الأزمات الصومالية تحولت إلى صراع سياسى بدلًا من الصراع العسكرى فى فترة ما بعد انهيار الدولة المركزية، وهو تقدم يحسب للقيادات السياسية والقبلية فى الصومال والرؤساء السابقين.

■ هل أثرت الأزمات السياسية الصومالية على حركة السفر بين البلدين؟

- لا، لم تمنع الأزمات السفر بين البلدين، ولا تزال العلاقات الثنائية طبيعية جدًا، وفى مصر لا نخلط بين المشكلات السياسية الداخلية وبين العلاقات الثنائية، والدليل أن هناك جالية صومالية كبيرة فى مصر.

■كيف تدعم مصر الدولة الصومالية حاليًا؟

- بناء على توجيهات الرئيس السيسى، وصل عدد المنح الدراسية المقدمة لأبناء الصومال إلى نحو ٣٠٠ منحة سنويًا، فى مختلف المجالات، سواء فى الأزهر الشريف أم فى الجامعات المصرية. وتستمر الزيارات المتبادلة بين البلدين، والدعم السياسى المتبادل فى المحافل الدولية، فضلًا عن العمل على تنمية التجارة الثنائية. وتعمل مصر على تنمية الصومال بكل السبل، فهناك ٥ مدارس مصرية فى الدولة الصومالية، تقدم الخدمات التعليمية مجانًا.