رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى ميلادها.. كيف صنعت أدوار العطف أسطورة فاتن حمامة؟

فاتن حمامة
فاتن حمامة

«فاتن حمامة تشبه يوسف إدريس في القصة، وتشبه صلاح عبدالصبور في الشعر، وعبدالحليم في الغناء»، بهذه الكلمات يصف خيري شلبي فاتن حمامة التي تحل اليوم ذكرى ميلادها في السابع والعشرين من مايو، والتي سبق أن جسدت ليوسف إدريس بعض أشهر رواياته، ربما أهمها وأشهرها على الإطلاق «الحرام» الذي يمثل واحدًا من أيقونات السينما المصرية، والذي تم إنتاجه في عام 1965، بينما الرواية نُشرت في عام 1960.

وقدمت قبله فيلم «لا وقت للحب» عام 1963، والمأخوذ عن رواية «قصة الحب» التي نُشرت عام 1957.

وعلى عكس ما حدث مع مصطفى أمين الذي بدأت علاقته بفاتن حمامة بـ«خناقتين حاميتين»! جاءت علاقة إدريس بفاتن، حسبما ذكرت الكاتبة زينب عبد الرازق في كتابها «فاتن حمامة»، كما نقلت على لسان الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين، وكانت تربطهما علاقة صداقة قوية، أن زوجته هي من رشحت لها أن تقرأ رواية «الحرام»، وما إن انتهت فاتن من قراءتها حتى قررت تجسيد دور «عزيزة»، كما أن -والحديث لا يزال على لسان أحمد بهاء الدين- يوسف إدريس، عندما فاز الأديب الكبير العالمي نجيب محفوظ بجائزة نوبل، اتصل بفاتن وعبّر عن غضبه مؤكدًا أنه الأحق من محفوظ بهذه الجائزة.

وبهذا يتضح مدى قرب فاتن من يوسف إدريس، وربما لا نتجاوز إن قلنا إنها كانت لها اليد العليا في دخول إدريس باب السينما الهائل الذي لا تسلم قيادته إلا لكاتبٍ فذٍّ مثل يوسف إدريس.

يقول إدريس في مقال له بعنوان «فاتن حمامة.. عبقرية سينمائية»: «تأمل أي صورة لفاتن حمامة، أو شاهد لها أي فيلم وثِقْ بأنك من أول لحظة ستقف إلى جانبها وتتحمس لها، لا لجمالها وأناقتها ولا لأي اعتبار يتعلق بالجنس أو الإثارة، ففاتن ليست من ممثلات الجنس، ولكنها في رأيي من ممثلات نوع آخر، ممثلات العطف».

هكذا رأى يوسف إدريس أن الشخصية التي تظهر بها فاتن في أفلامها، والتي -في أغلبها- لاقت نجاحًا مدويًا هي «شخصية الفتاة الضعيفة التي تحيا في ظل ظروف قاهرة أقوى منها ومن كل قدراتها وحيلها الشخصية السلبية التي لا تؤذي أحدًا، ولكن الناس والمقادير هي التي تجور عليها وكل ما تفعله حينئذ أن تتألم أمام المتفرجين لتجسِّد مأساتها».

ويضيف إدريس في رسم شخصية فاتن حمامة فيقول: «شخصية لا تطارد ظالمًا حتى تقهره... ولا تجري وراء قضية وتصر حتى تكسبها ولكنها تظل طوال الرواية كالعجينة التي تنغرس فيها الأحداث وتعتصرها المواقف وتسحقها الأقدام، ولهذا فهي دائمًا مريضة أو يتيمة أو تعاني من زوجة أب، دائمًا شهيدة تتعذب كفقراء الهنود على مسامير كتاب السيناريوهات والقصص».

ورغم توقع إدريس لرأي البعض أن «فاتن لا ذنب لها في شخصية كهذه، فهي تؤدي ما يعهد إليها به من أدوار»، فإنه يقول: «هذا صحيح لو كان قد حدث في رواية واحدة أو دور واحد... ولكن هذه الشخصية هي الشخصية التي تظهر بها فاتن في السينما، وفي كل أدوارها حتى دورها الناجح في (دعاء الكروان) كان من نفس اللون. شخصية قد أصبحت طابعًا لها، مثلما أصبح النواح طابعًا لفريد الأطرش في كل أغانيه حتى المرحة منها»!.

والحقيقة التي لا جدال فيها أن «سيدة الشاشة العربية» قد برعت في أداء هذه الشخصية براعة دفعت الكل للإجماع على أنها ممثلتنا الأولى بلا منازع.

كان إدريس يرى أن الدور المكتوب في أي رواية «ليس إلا مجرد قوس يرسمه المؤلف، والممثل الموهوب هو القادر على أن يكمل القوس ويجعل منه دائرة تحيط بالشخصية كلها من أصغر تصرفاتها إلى أعنفها».

وهكذا كانت فاتن ترسم الأقواس المكتوبة ببراعة منقطعة النظير ولكنها تظل أقواسًا في نظر إدريس، بل تتشابه أحيانًا لتصبح في النهاية قوسًا واحدًا أو شخصية واحدة ظهرت بها فاتن في السينما، وظلت تتذبذب حولها!

قد تختلف فاتن، ولكنها -على حد تعبير إدريس- أبدًا لا تتغير، فهي دائمًا فاتن التي تحب المأساة وتحمل هموم الدنيا في صدرها.

ما جعل إدريس مذهولا هو الاختلاف الشديد ما بين الأدوار التي تؤديها فاتن وما بين شخصيتها الحقيقية، المختلفة تمامًا، فهي في الحياة إيجابية منطلقة تلعب البريدج وتكسب وتريد الشيء وتناله وتختار الشخص وتتزوجه، ولكنها في أفلامها لا تختار ولا تنطلق ولا تثور!

ولا شاهدها إدريس مرة تضحك ضحكة صافية من أعماق قلبها، اللهم إلا دورها في فيلم «يوم سعيد» الذي أدّته وهي طفلة ببراعة منقطعة النظير وبكل نزق الأطفال و«عفرتتهم» ومكرهم!

انتقد إدريس الأدوار التي أدتها سيدة الشاشة العربية وهي كبيرة لأنها في نظره أدوار عطف، والعطف -في رأيه- ليس عيبًا، ولكنه طريق سهل لإثارة المتفرجين وإثارة العطف وحده، مثله مثل إثارة الضحك وحده أو الجنس وحده، زوايا واحدة، وكما أن النظر إلى الحياة من خلال زاوية واحدة خطأ، فكذلك تجسيد الحياة دراميًا من خلال عاطفة واحدة خطأ أكبر.

ويختتم إدريس مقاله عن سيدة الشاشة فيقول: «فاتن عبقرية سينمائية، ولكن لماذا هذه النظرة المستدرّة للعطف؟ لماذا هذا اللعب على شفقة المتفرجين؟ لماذا لا تؤثر في الناس عن طريق حركتها في خلق الشخصية بدلًا من التأثير عن طريق ما تقاسيه وتعانيه؟ لماذا لا تترك التمثيل بكل ضعفها كامرأة وتمثل بكل قوتها وكامرأة أيضًا؟!».