رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رفقًا بأعضاء النقابات

‎كان للنقابات المهنية قديمًا منذ نصف قرن دور اجتماعي رائد تلعبه بمهارة لصالح أعضائها، وأتذكر في الستينيات أن والدي رحمه الله اشتري سيارة نصر (فيات) من نقابة المهندسين وكان سعرها ٩٥٠ جنيهًا وبالتقسيط، كما اصطحبني معه للنقابة بالقاهرة عام 1961 لشراء أول تليفزيون للأسرة من النقابة (تليفزيون باي ١٧ بوصة) وكطفل صغير ومن فرط سعادتي يومها صممت علي شراء (إيريال) لتشغيله في مقر إقامتنا بفندق جراند أوتيل القريب من النقابة وتكدست يومها غرفتنا بنزلاء الفندق لمشاهدة هذا الاختراع العجيب.
‎وتنوعت الخدمات للنقابات ما بين الرعاية الصحية وتقسيط الأجهزة الكهربائية المعمرة وتوفير أماكن بالمصايف وبناء نوادٍ خاصة وصرف معاشات لمن تجاوزوا سن الستين.
‎كان والدي رحمه الله نقيبًا للمهندسين في مدينتنا الجميلة بورسعيد، وفي أوائل الثمانينيات قمت بأول عمل عام في حياتي كعضو مجلس إدارة في نقابة المهندسين الفرعية ببورسعيد وكنت لا أبدي امتعاضًا عندما يتصل بي أحد المهندسين بعد منتصف الليل يشكو لي أن أحد خريجي دفعته وزميله في العمل يتقاضي راتبًا أعلى منه ببضعة جنيهات ويطلب مني التدخل لدي شركته ولسان حاله يقول (أمال إحنا انتخبناك ليه).
‎وأتذكر وقتها أن المهندس عثمان أحمد عثمان كان نقيبًا للمهندسين وبفكره الراقي طور مصادر تمويل النقابة وأدخلها شريكًا في عدة مشاريع تجارية ناجحة وزادت من خدماتها للأعضاء وازدهر معاش النقابة آنذاك لتحسدها باقي النقابات المهنية.
‎وفي منتصف الثمانينيات تنبهت جماعة الإخوان المسلمين للدور الهام الذي تقوم به النقابات في المجتمع.. فتسللت إليها وفرضت وجودها على كل النقابات المهنية في مصر لتضع يدها على مفاصل شرائح هامة وحيوية في المجتمع المصري، وبعد ثورة يونيو تخلصت معظم النقابات من قبضة الإخوان بصعوبة بالغة وإن كانت فلولهم لا تزال متواجدة على استحياء في عدة نقابات.
‎تذكرت ذلك وأنا أقرأ رسالة من صديق عزيز يشكو لي ما يحدث في نقابة المهن العلمية والتي تصرف لأعضائها (الذين قاموا بسداد اشتراكات طيلة ما يقرب من ٣٥ عامًا) معاشًا لا يتجاوز ٣٠٠ جنيه شهريًا بينما نقابة المهندسين تصرف معاشات شهرية للعضو ٨٠٠ جنيه شهريًا ونقابات أخري كنقابة المحامين تصرف معاشات تتجاوز الثلاثة آلاف شهريًا، بينما نقابات التجاريين والزراعين لا تتعدي قيمة المعاش الشهري بها مبلغ الخمسين جنيهًا.
‎المشكلة هنا أن نقابة المهن العلمية توقفت تمامًا عن صرف المعاشات اعتبارًا من أول يوليو ٢٠١٩ بسبب بعض المخالفات المالية وإقالة النقيب ومجلسه وجاء مجلس إدارة جديد (خاضع للحارس القضائي) ومضي ما يقرب من عامين والمجلس يعد بصرف المعاشات وبأثر رجعي ولكنها وعود في الهواء، ‎وما زال أعضاء النقابة يعانون بدون أي ذنب اقترفوه خاصة أن معظمهم لا يتقاضي معاشات اجتماعية أخرى.
التدخل السريع للهيئات الرقابية مطلوب فورًا خاصة فيما يتعلق بالمال العام والتدخل الحكومي مطلوب أيضًا لرفع قيمة المعاشات الهزيلة التي لا تتناسب إطلاقا مع ارتفاع الأسعار ولا مع دخول بعض النقابات.
‎من أصعب الأمور الاجتماعية أن يضطر الموظف المحترم كبير السن (بعد رحلة عمر قاسية وشريفة) أن يمد يده متسولًا من أولاده أو أقاربه لسد رمق احتياجاته الصحية والمعيشية اليومية لا يجب النظر لأصحاب المعاشات بأنهم كم مهمل ينتظر ملك الموت، ولا يجب أن يكون في آخر حسابات السلطات.. فهذه النظرة السطحية السخيفة تقتل فيهم الأمل ولله الأمر من قبل ومن بعد.