رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جئنا رحابك يا حسين.. الدستور تَحضر «التراويح» فى مسجد «سبط النبى»

التراويح في الحسين
التراويح في الحسين

تتراص المقاهى التراثية حول المسجد، هى جزء منه وهو ينتمى إليها، تتسابق كل ليلة من ليالى رمضان على استضافة زوار الإمام الحسين بن على، الأجواء التراثية يعود تاريخها لأكثر من ألف عام، حيث تشكلت وتكونت منطقة القاهرة الفاطمية حول أشهر مساجد مدينة الألف مئذنة، مسجد الحسين بمنطقة الأزهر. ورغم حالة الحذر من انتشار موجة جديدة من فيروس كورونا، فإن صلاة التراويح فى مسجد الحسين تمسك بمكانتها هذا العام بعد عودتها، كأحد أهم الطقوس الرمضانية منذ سنوات النشأة الأولى للمسجد، حيث تحيط به جميع الأجواء الرمضانية الاحتفالية، ولا يقتصر الأمر على الصلاة فقط، وإنما يعتبر نزهة عائلية بسيطة، لا تحتاج إلا ثمن الذهاب إلى منطقة الأزهر.

 

مساحة الصلاة محدودة.. لا حضور للسيدات.. لا زيارات للضريح.. والتزام بالتوقيتات المحددة

 

وقف عمال مسجد الحسين على بابه يتلقون الزوار والمصلين، بعد عامين من قضاء آخر صلاة تراويح فى رمضان قبل الماضى، يتأكد العمال من ارتداء المصلين الكمامة ويحملون سجادة الصلاة الخاصة بهم، ثم يصطحبونهم إلى مكان الصلاة المخصص لهم حتى يستغلوا جميع الأماكن المخصصة للصلاة، بسبب الإصلاحات التى تجرى فى المسجد منذ فترة لإعادة ترميمه وتطويره.

وحصرت الأماكن المخصصة للصلاة، حيث اقتُطع جزء كبير من المسجد لإجراء التصليحات والترميمات، وبقيت منطقة صغيرة تقام فيها صلاة التراويح، ووضعِت العلامات حتى يسهل على المصلين تحديد أماكن وضع سجاجيد الصلاة، مع ترك المسافات الآمنة بين الجميع حتى تتأكد إدارة المسجد من أنها تطبق الإجراءات الاحترازية التى فرضتها وزارة الأوقاف.

وعلى عكس المساجد التراثية الأخرى لم يستقبل مسجد الحسين السيدات فى رمضان هذا العام، حيث أبقى على مصلى السيدات مغلقًا حتى إشعار آخر، واقتصرت الصلاة على الرجال فقط، ونظرًا لإغلاق مصلى السيدات اختفى الأطفال من المسجد إلا قليلًا ممن حضروا مع آبائهم، فلا أصوات للعب الأطفال أو ضحكاتهم فى ساحات المسجد.

وحرصت إدارة المسجد على الالتزام بالإجراءات الاحترازية وتنفيذها على أكمل وجه، ولهذا أغلقوا ضريح الإمام الحسين أمام الزائرين، فلم يُسمح لهم بالدخول لإطلاق سيل من الدعوات أمام مقام الحسين، أو إلقاء الأموال فى صندوق النذور طمعًا فى تحقيق أمنية طال انتظارها، ولن تتمسح السيدات فى الضريح تلمسًا للخير والبركة، ولن يقرأن الفاتحة للحسين وينادينه بصوت مسموع وكأنه حى يرزق بينهن.

إغلاق الضريح بدوره أسهم فى تقليص أعداد الزائرين، وساعد عمال المسجد فى إغلاق الأبواب بسرعة عقب الانتهاء من صلاتى العشاء والتراويح فى الوقت الذى حددته وزارة الأوقاف بنصف الساعة فقط.

جدير بالذكر أن أعمال الإصلاحات والإغلاق الجزئى للمسجد تأتى ضمن توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بتطوير مسجد الحسين وتجديده بالكامل، وتطوير المنطقة المحيطة به، حتى يصبح مزارًا سياحيًا عالميًا يليق بمنطقة القاهرة الفاطمية وبتاريخ مسجد الحسين العريق، حيث يستقبل الكثير من السائحين كجزء ثابت من برامج الرحلات السياحية العالمية على أرض مصر.

 

حضور لافت لطلاب آسيا وإفريقيا الدارسين فى الأزهر

 

لم يقتصر الحضور فى صلاة التراويح فى مسجد الحسين على المصريين فقط، وإنما كان هناك حضور قوى من أبناء الجاليات الآسيوية بلباسهم التقليدى، فيحرص الطلاب الوافدون من البلاد الإسلامية الآسيوية على إقامة صلاة التراويح فى مسجدى الحسين والأزهر فى رمضان من كل عام.

أغلب الطلاب الآسيويين هم من الدارسين فى جامعة الأزهر، ويقطنون دائمًا فى المناطق المحيطة بجامع الأزهر فى تلك المنطقة التراثية، وهذا يسهل عليهم إقامة الصلاة فى مسجد الحسين، ويُعرفون عن أنفسهم بالملابس التقليدية الماليزية والسنغافورية ومن بعض أقاليم الصين التى تدين بالدين الإسلامى، ويقفون بملابسهم البيضاء التى تتكون من الجلباب القصير والبنطال الأبيض ومن فوق رءوسهم الطاقية المشهورة التى تعلن عنهم بين الصفوف وتعبر عن هويتهم، وقد تختلف ملابسهم، ولكن قلوبهم النقية لا تختلف عن قلوب المصريين المحملة بالكثير من الدعوات. وكان للجاليات الإفريقية حضور طاغٍ أيضًا، فبعضهم من بين طلاب الكليات الشرعية الأزهرية، والبعض الآخر من العاملين فى منطقة خان الخليلى والأزهر والغورية، وكل الأسواق التراثية المحيطة بمسجد الحسين. ووقف الجميع- مصريون، آسيويون وأفارقة- فى حضرة الإمام الحسين، فاليوم لا فرق بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى، الكل يصلى نفس الصلاة، يؤدى نفس الحركات، وحتى وإن لم يتقن بعضهم اللغة العربية، فهم يفهمون كلمات الآيات القرآنية ويحفظونها، نظرًا لدراستهم فى جامعة الأزهر، ولا يمنعهم حاجز اللغة من الخشوع وأداء الصلاة بقلب مؤمن ولسان يدعو الله أن يتقبل الصلاة والصيام والقيام، وأن يجعلهم من المغفور لهم وممن أُعتقت رقابهم فى هذا الشهر الكريم.

 

انتعاشة اقتصادية حول المسجد: مقاهى وباعة جائلون

 

لا تكتمل صلاة التراويح فى مسجد الحسين دون قضاء ليلة رمضانية فى أحد المقاهى المحيطة بالمسجد، فهم جزء من تاريخ وتراث منطقة الحسين، حيث يقف العمال أمام المقاهى ذات المقاعد الخشبية الملونة يغرون زبائنهم بقضاء ليلة لا تُنسى، ويقدمون لهم العروض حتى ينتصرون على عمال المقاهى المنافسة، ولكنهم فى النهاية جيران وسيبقون هكذا إلى الأبد.

وبعد مرور رمضان العام الماضى دون صلاة تراويح، وبخسائر كبيرة لأصحاب محلات تلك المنطقة، انتعشت الأسواق من جديد، مستفيدة من حضور المصلين إلى التراويح، أو آخرين جاءوا من أجل قضاء أمسية رمضانية فى تلك المنطقة التاريخية، لذلك تزينت المحلات المجاورة للمسجد بالأضواء الملونة، حيث تختار بعض الأسر البسيطة قضاء بعض الوقت فى الهواء الطلق يتجولون أحرارًا فى المنطقة، ويحملون أطعمتهم ومشروباتهم الرمضانية برفقتهم.

وحول المسجد اتخذت مجموعة من الباعة الجائلين الباحثين عن الرزق مكانهم، خاصة فى الشوارع الجانبية المحيطة بمسجد الحسين، ولديهم أنواع مختلفة من البضائع، فكل ما يحتاجه زوار الحسين سيجدونه مع هؤلاء الباعة المتجولين، سواء المشروبات أو الحلويات الرمضانية، والإكسسوارات النسائية، مع مجموعة كبيرة من الاختيارات المتاحة أمام الأطفال، فينتشر باعة ألعاب الأطفال يجولون حول الآباء والأمهات ليلفتوا أنظار الأبناء.

تفلح هذه الحيلة كل مرة، حيث يطلب الأطفال من آبائهم شراء لعبة ملونة ومبهجة ويستجيب الآباء دائمًا، ويحصل الجميع على صفقة رابحة، فالليالى الرمضانية هى موسم النشاط الاقتصادى لدى مقاهى الحسين التاريخية وأيضًا الباعة الجائلين، كلٌ يحصل على مراده فى رمضان الحسين.

ويتزين خان الخليلى بالمنتجات الرمضانية، استعدادًا لاستقبال زائرى الحسين يوميًا، فهم زبائن محتملون لكل المتاجر الصغيرة المتراصة بمنطقة الخان التراثية، بدءًا من المفروشات الرمضانية بأقمشة الخيامية، والقطع النحاسية التى تُحفر عليها الآيات القرآنية، وكذلك الفوانيس النحاسية بجميع أشكالها وألوانها.