رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اسرق قصيدة.. تصبح أديبًا


البعض يسرق تحت وطأة الحاجة الاقتصادية والعوز، لكن البعض الآخر يصبح لصًا تحت وطأة الحاجة إلى الوجاهة الأدبية، فيسطو على قصائد شاعر آخر شهير ويدرجها فى ديوان له مطبوع، هذا ما فعله مصطفى أبوزيد الذى تقدم للحصول على عضوية اتحاد الكُتّاب، وقد لطش قصيدة «اختارى» من نزار قبانى، وكما يجمع اللصوص الأوانى المسروقة فى جوال، لملم صاحبنا سرقاته فى كتاب وضعه على ظهره وتلفّت يمينًا ويسارًا وحينما وجد الشارع ساكنًا، تسلق ماسورة اتحاد الكُتّاب لينال العضوية ويمسى أديبًا بختم وزارة.
وقد برر أبوزيد عملية السطو بقوله إن ضم القصيدة إلى ديوانه المسمى «حروف من حب» تم بشكل غير مقصود، وبمنطق أبوزيد هذا، واستنادًا إلى دفاعه الجليل، فإنه بوسعى أن أضم رواية نجيب محفوظ «ميرامار» إلى إحدى قصصى القصيرة التى لا تزيد على صفحتين!
ولكن أبوزيد ليس فردًا ولا حالة استثنائية، إنه فى واقع الأمر ظاهرة، إذ إننا من وقت لآخر نسمع عن الشاعرة فلانة التى لطشت ديوانًا كاملًا، وعن الروائى فلان الذى سرق عنوان رواية أمريكية، وعن آخر نقل حبكة رواية كما هى، بل وينقل البعض عن الأفلام السينمائية الأجنبية بضمير مستريح على أساس أن أفلام هوليوود غنائم للأدباء المسلمين.
وقد قرأت أكثر من رواية لعدد من المؤلفين، الفكرة فيها كلها والبناء الفنى والشخصيات والأحداث منقولة نقل مسطرة من روايات أخرى أجنبية قرأتها وأعرفها. كما شاعت أيضًا ظاهرة «الكاتب الشبح» الذى يعكف من وراء الستار على كتابة الرواية للأفندى الآخر مقابل مبلغ مالى، ثم تخرج الرواية باسم كاتب إذا امتحنته فى اللغة العربية لا يستطيع أن يكتب كلمتين سليمتين، وأعرف كاتبًا من أولئك كان معارفه يطلقون عليه: «الكاتب الأبيض المتوسط» أصدر عددًا من الكتب لا علاقة له بأى منها، لكن بسمته الثابتة السمجة على ملامحه كانت تعوض بالكامل انعدام أى موهبة أو شعور.
الكاتب الشبح موضوع مطروح من زمن بعيد فى الصحافة أيضًا وليس فى الأدب فقط، وقد كانوا يقولون عن رئيس تحرير صحيفة مصرية شهيرة: «إن كُتّاب مقالاته أكثر من عدد قرائه»، إلا أن مصطفى أبوزيد قد بلغ حدًا غير مسبوق حين سطا على قصيدة شاعر مرموق جدًا هو نزار قبانى، والقصيدة من ديوان نزار المعروف وهو «قصائد متوحشة» الصادر فى ١٩٧٠، الأدهى من كل ذلك أن هذه القصيدة بالذات التى اختارها مصطفى أبوزيد قام بغنائها المطرب كاظم الساهر! والحق أن هذه الجرأة لا تعنى إلا شيئًا واحدًا، أنه لم تعد هناك قيم رادعة لحركة ثقافية يقظة، ولم يعد ثمة حراس على بوابات الثقافة والأدب والفكر.
حوادث السرقات الأدبية كثيرة، وليست قصيدة مصطفى الشهير بنزار هى الأولى، لكنها الأكثر جرأة، وهى التى تقرع الأجراس لتنبه إلى أوضاعنا الثقافية التى تحتاج لإعادة نظر سواء من حيث يقظة الحركة النقدية، أو من حيث دور اتحاد الكتاب أو وزارة الثقافة التى تتفجر فضائح الفساد المالى فيها من فترة لأخرى، وكان آخرها فى نهاية ديسمبر ٢٠٢٠ حين ألقى القبض على رئيس قطاع مكتب الوزيرة، وكانت هى التى انتدبته للعمل معها بقرار منها فى مايو ٢٠١٨.
البعض كما قلت يسرق تحت وطأة الحاجة المادية، لكن البعض يسرق الروايات والقصائد من أجل الوجاهة، بأمل أن يشار إليه على أنه «الأستاذ فلان الشاعر»، ولكى يسعد بسماع زوجته وهى تهمس لخالتها: «كان سهران طول الليل يكتب قصيدة»، ثم وهى تتنهد بحرقة وتضيف: «آه والله.. وأمه الله يرحمها كانت دايمًا تقول إنه من صغره كان حساس»! هل هى الحاجة إلى الوجاهة الاجتماعية التى تقود الكثيرين إلى الأدب، فإذا اكتشفوا أنهم بلا موهبة بادروا إلى السطو على مواهب الآخرين؟
أظن أن اسم «أبوزيد» هو علامة على ظاهرة ذات جذور متشابكة متضافرة فى الواقع الاجتماعى وفى النفس البشرية.