رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفقير يموت.. جوعاً وبرداً!


مات الرجل الفقير من البرد على أبواب المستشفى ـ كما ذكرت الزميلة جريدة «الوطن».. لماذا؟.. لأنه مُشرد، ملابسه متسخة، تبدو على ملامحه الإعاقة، كما أنه لا يحمل إثبات شخصية؟.. قال القائمون على مستشفى إمبابة «ما فيهوش حاجة ــ

بعد أن نقلته سيارة إسعاف من أحد الشوارع، بمبادرة فاعلى خير ــ ده محتاج مستشفى نفسى واحنا مش مُجهزين للتعامل مع الحالات اللى زى دى».. والنتيجة، أخرجوه إلى الشارع، لم يتحمل البرد والجوع، «المطرة نزلت عليه لأيام، وكان ينتفض من البرد، وما كنتش عارف أعمل له حاجه، قدرته على النطق كانت ضعيفة، والشرطة والمستشفيات قالوا ما لناش دعوة بيه، ما استحملش الألم والبرد والجوع.. ومات إمبارح»، هكذا قال سايس السيارات أمام المستشفى!.

حكاية مواطن غلبان، لم يجد اليد المسئولة التى تمتد إليه فترعاه وتخفف من آلامه.. حالة من حالات يعج بها الشارع، لا نلقى إليها بالاً، وكأنها ليست نفساً إنسانية سيسألنا عنها المولى عز وجل: بأى ذنب قُتلت؟.. نعم فالإهمال حد الموت، قرين القتل.. وإذا كان نائب مدير مستشفى إمبابة حاول أن يلقى الكرة خارج ملعبه، ويتنصل مما آل إليه حال الفقير الذى مات، فإن الكرة ذاتها ترتد إليه، وتقع تحت رجليه، قال إن الغلبان «كان فى حالة هياج، وما كانش فيه حد قادر يلمسه أو يكشف عليه»، ثم فى موضع آخر يقرر «وصحته كانت كويسة جداً، وطالما مفيش مشكلة صحية، يبقى خلاص مش مشكلتى»!.

يااااااا سلام.. منتهى التناقض فى الكلام «ما حدش قدر يكشف عليه»، ثم «صحته كانت كويسه جداً»، وفى الآخر «مش مشكلتي».. تخيلوا، مسئول يرى مواطناً غلباناً يعانى من إعاقة، ويتلوى من الألم فى الشارع، ويقول إنها ليست مشكلته، ثم يتركه للبرد والمطر يقضيان عليه؟.. ألا يتساوى هذا المواطن مع «البغلة» التى أقسم عمر بن الخطاب أنها لو تعثرت فى العراق- وهو فى المدينة المنورة - لسُئل عنها عمر!.. ألم يستشعر الطبيب المسئول شيئاً من المسئولية الإنسانية أو تأنيب الضمير تجاه نفس بشرية، حتى ولو كانت تعانى هياجاً، كما يقول، ليستدعى جهة أخرى، ربما تكون أنسب للحالة التى أمامه، لتقوم بدورها، بدلاً من أن يسوق الأعذار والمبررات، مع أن شجاعة الاعتراف بالمسئولية تصبح هنا أكثر قبولاً وموضوعية.. هذا إذا كنا قد تغيرنا بحق بعد ثورتين ألزمتا كل مسئول بمسئولياته، لكن يبدو أن شيئاً من ذلك لم يتحقق، وهو ما يحتاج وقفة محاسبة وإعادة نظر فيمن يتولون المسئولية.

هذه الواقعة وغيرها، ونظيراتها فى مجالات أخرى، انعكست بالسلب على حياة المواطن، وزادت من حدة الانتقادات لحكومة الدكتور حازم الببلاوى، لترتفع أصوات المطالبين بتغييرها بعد الاستفتاء على الدستور، حتى لا ترتبك الأوضاع إذا طالبوا بالتغيير الآن.. هذه المطالبات لا تأتى من قبيل الرفاهية السياسية أو الانتقاص من قدر دور تقوم به حكومة الببلاوى، لكنها تعبير أصيل عما آل إليه حال البلاد، بفضل أياد مرتعشة كثيرة فى هذه الحكومة، إذا استثنينا قلة من وزراء، هم من يتحملون المسئولية بشجاعة وإرادة قوية.. لكن هذا لا يكفى فى مرحلة مفصلية تحتاج من يؤسس للدولة فيها قواعدها.

عيب الحكومة أنها لا تُحسن اختيار وزرائها، وانتقائهم من بين أهل الخبرة والكفاءة والقدرة على تحمل المسئولية، بإرادة فاعلة ومواجهة شجاعة للأزمات وطرح حلول فورية لها.. وزراء يملكون إرادة القرار وإرادة الفعل معاً، دون النظر إلى الخلف أو التخوف من النتائج.. هذه الثقافة المترهلة السائدة فى اختيار المسئولين، ألقت بظلالها السلبية، حتى على اختيار من يتولون مسئولية إدارة الأزمات الراهنة فى كيانات كثيرة بالدولة، يرتبط بعضها بمصير جماهير عريضة، وبعضها الآخر بمستقبل قطاعات عديدة، تعيش الآن مرحلة الريبة، ولا تدرى إلى أين ستقودها الأيام القادمة، ذلك أن الأيادى المرتعشة لا تقدر على القرار الآن، والقرار لا يتوفر له المطلوب من المعلومات، لكن كل ما بين أيادى المسئولين، محض علاقات وصداقات وانتماءات، وكأنهم يريدون تقسيم الكعكة فيما بينهم، مع أن الوطن ليس بغنيمة، وإنما هو مسئولية، لابد أن يتنحى عنها كل من لا يقدر عليها.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.