رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من الوثائق السرية البريطانية.. حين فكر الأمير محمد على فى قيادة انقلاب ضد ثورة يوليو

الأمير محمد علي وجمال
الأمير محمد علي وجمال عبد الناصر والسر رالف ستيفنسون


كان الأمير محمد علي سئ الحظ، فقد ظل 12 عامًا وليا للعهد أثناء حكم شقيقه الخديو عباس حلمي الثاني، وعندما عزلت بريطانيا الخديو عباس حلمي عام 1914، وبدلًا من أن تعين أخاه الأمير محمد علي اختارت حسين كامل وعينته سلطانًا على مصر، ويوم توفى السلطان حسين كامل عام 1917 رأى "رونالد سنورز" السكرتير الشرفي البريطاني أن يسند عرش مصر إلى ابن الخديو إسماعيل وهو أحمد فؤاد بدلا من ابن الخديو توفيق الأمير محمد علي.

وتعلم الأمير من ذلك الدرس السياسي الأول في حياته، وهو أن الإنجليز هم الذين يعينون حاكم مصر سواء حمل لقب الخديو أو السلطان أو صاحب الجلالة ولذلك تقرب الأمير من الإنجليز يطلب ودهم ومعه عرش مصر.

وفي جنازة الملك فؤاد يوم 30 أبريل عام 1936 جلس المندوب السامي البريطاني السير مايلز لاميسون المعروف باسم اللورد "كيلون" في سرادق العزاء؛ فاقترب منه الأمير محمد علي وجلس بجواره ليقول له:" أريد أن أكون وصيًا على العرش فإن الأمير فاروق قاصر لم يبلغ بعد السادسة عشرة"، فوجد المندوب السامي أن الوقت غير ملائم والفرصة ليست مناسبة خلال الجنازة ومع ذلك وعد الأمير محمد علي خيرًا.

وكان الأمير أحد ثلاثة أوصياء على عرش مصر حتى بلغ فاروق سن الرشد، وفي 4 فبراير 1942 دخل السفير البريطاني السير مايلز لاميسون قصر عابدين تحيط به الدبابات البريطانية ليرغم الملك فاروق على اعتزال العرش أو تعيين مصطفى النحاس رئيسًا للوزراء، ووافق فاروق في اللحظة الأخير على تعيين النحاس، وكان لاميسون قد قرر أنه في حالة عزل فاروق سيعين محمد علي رئيسًا لمصر، وفي برقياته إلى لندن ذكر ذلك بالفعل، ولكن خضوع فاروق في اللحظة الأخيرة أفقد الأمير محمد علي الفرصة لاعتلاء العرش.

وبعد نجاة الملك فاروق من حادث القصاصين الشهير قال الأمير محمد علي للسفير البريطاني إن فاروق يقول لكل الناس إن شفاءه خيب آمال الكثير من الناس، وإن فاروق يقصده بقوله.

وفي 19 أبريل 1944 التقى الأمير محمد علي السفير البريطاني وقال له:" أعرف انك رفضت تنصيبي ملكًا في فبراير 1942، بسبب صديقتي، لكنني كنت سأجمع الجيش ورائي خلال أيام"، فرد عليه السفير قائلًا:" أبدًا.. ليس بسبب علاقاتك العاطفية"، ورفض أن يقول إن خضوع فاروق جنب الأمير العرش.
وأصبح جزءًا من بروتوكول السفارة أن يزور أمراء البيت المالك البريطاني الأمير محمد علي عند حضورهم إلى مصر، واستمرت صلة الأمير بكل السفراء البريطانيين ينصحهم ويقدم لهم آراءه في أفضل الطرق لحكم مصر.

وعندما بدأ النفوذ الامريكي يتزايد في مصر توجه الأمير للسفارة الأمريكية لطلب الود، حتى أن القنصل الأمريكي روبرت بويل حمل للأمير رسالة من السفير الذي سافر بدون وداعه.

وفي عام 1950 بعد عودة الوفد إلى الحكم قصد السفارة البريطانية ليلتقي السفير السير رالف ستفنسون، وقال عنه كما قالت برقية السفير: قال صاحب السمو الملكي إنه وأسرته ليست لديهما أي رغبة لمشاركة الملك المصير الذي يبدو أنه يسعى إليه، فهو لا يتوقع حدوث أي شىء في القريب العاجل غير أنه كرجل بعيد النظر لا يمكنه أن يستبعد إمكانية أن يصبح وأسرته في خطر بالغ"، وفي مثل هذه الظروف كان يريد أن يعرف إمكانية لجوئه إلينا.

ويوم ألغى الوفد معاهدة 1936 عام 1951 قام الأمير باستدعاء السفير البريطاني بأن أبلغ حسن يوسف باشا وكيل الديوان الملكي بأن المصريين يتحدثون كثيرا ولا يقومون إلا بعمل قليل وإن أي شخص يصبح رئيسا للوزراء وخلفه الجيش والبوليس لن يتعرض لخطر كبير وإنه مقتنع تمامًا بأنه يوجد عدد من السياسيين المصريين مستعدين لتولي هذه المسئولية.

ظل الأمير محمد علي وليًا للعهد بعد تولي فاروق الحكم، وبقي وليًا للعهد بعد زواج الملك فاروق لأن الملك لم ينجب ولدًا، وخلال 16 عاما ظل كرسي العرش يداعب أحلام الأمير حتى 16 يناير عام 1952 عندما رزق فاروق من زوجته الثانية ناريمان بالأمير أحمد فؤاد فأناب الملك فاروق محمد علي لحضور جنازة في الكاتدرائية يوم 15 فبراير فوجئ الأمير بكبير الأمناء في القصر الملكي يخاطبه قالًا:"يا صاحب السمو" فغضب الأمير لأن لقبه هو "صاحب السمو الملكي"، أي أنه ولي عهد فاروق، وأدرك حينها أن الملك فاروق يرى أن ولده الأمير الرضيع أحمد فؤاد هو ولي عهده، وأسرع الامير للسفارة البريطانية يشكو للسفير.
اعتاد الأمير محمد علي السفر إلى الخارج لقضاء عطلة الصيف، ولكن عندما قامت الثورة كان الامير متواجدًا في مصر، وتنازل فاروق عن العرش لابنه الأمير أحمد فؤاد، الذي سافر مع فاروق في نفس اليوم إلى إيطاليا، وتولى علي ماهر رئاسة الوزراء فبعث إليه الأمير محمد علي يوم 31 يوليو يطلب منه الحفاظ على الأسرة المالكة الحالية والاحتفاظ لها بولاية العرش، ولم يخطر ببال الأمير أن الثورة للقضاء على الملكية، وبعد يومين وفي 2 أغسطس أصدر مجلس الثورة قرارًا بتعيين كل من الامير محمد عبدالمنعم وبهي الدين بركات باشا والقائمقام رشاد مهنا كمجلس للوصاية على العرش، وبقي منصب ولي العهد شاغرًا، فظل محمد علي يحاول وبناور ويتصل بعلي ماهر وبالأمير محمد عبدالمنعم أحد الأوصياء على العرش، وظن الأمير أن جهوده حققت غايتها فقد نشرت صحيفة "المصري" يوم 29 أغسطس أن الأمير محمد عبدالمنعم وعلي ماهر قصدا إلى قصر الأمير بالمنيل وأبلغاه قرار تعيينه وليًا للعهد.

شكرهم الأمير ثم توجه إلى قصر عابدين وقيد اسمه في سجل التشريفات ولكن الأمور سارت على عكس ما يتوقع، ففي الصباح التالي 30 أغسطس نشرت جريدة "أخبار اليوم" تصرحيًا لرشاد مهنا يقول فيه إنه مهما نشرت الصحف فإن ذلك ليس لضرورة دستورية وتابعت الصحيفة بأن الرأي الرسمي لم يتبلور بعد بشأن تعيين الأمير محمد علي وانه لم يعد وليا للعهد.
وأسرع الأمير للسفير البريطاني يشكو ويطالب بحقه الدستوري قبل الثورة ولكنه أدرك أن السفارة لن تساعده وأنه أيضًا لن يقدر على اللجوء للقيادة البريطانية في الإسماعيلية ليقوم بانقلاب ضد الثورة نفسها، وكل محاولات في هذا الصدد باءت بالفشل، فأخذ يحاول مع علي ماهر الذي وعده بأن قائد الثورة اللواء محمد نجيب سيزوره ويطمئنه، ومرت 72 ساعة بدون نتيجة فأسرع الأمير للسفارة البريطانية مرة أخرى، ومرت 72 ساعة أخرى.

وفي نفس اليوم استقال علي ماهر وتولى محمد نجيب رئاسة الوزراء وفقد الامير محمد علي آخر صلة له بمجلس الثورة، وفقد آخر الآمال في أن يكون ملكًا على العرش، وهنا طلب من اللواء محمد نجيب السماح له بالسفر إلى سويسرا وطلب تأشيرة خروج، وفي 11 سبتمبر توجه أحمد مختار سكرتير الأمير إلى رئاسة مجلس الوزراء حيث قابل صلاح الشاهد تشريفاتي مجلس الوزراء والذي نقل إليه رد الرئيس محمد نجيب على طلب الامير، وأعلن السكرتير للصحفيين عن أن سفر الأمير للخارج سيكون قريبًا ولا توجد صعوبات مالية، وفي اليوم التالي نشرت الصحف موافقة الرئيس محمد نجيب على سفر ولي العهد، وسافر بالفعل وعاش الأمير محمد علي في سويسرا ولم يطلب أن يدفن في مصر بعد وفاته مثلما طلب الملك فاروق، وذلك حسبما ذكر محسن محمد في مقال له بجريدة الجمهورية عام 1982.