رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أ.د الهلالى الشربينى الهلالى يكتب: الحرب الأهلية الليبية تطورها وتداعياتها على الأمن القومى المصري (1 -2)

الهلالى الشربينى
الهلالى الشربينى

كنت في ضوء ما أقرأه وأسمعه وأشاهده عن الوضع في ليبيا على امتداد عدة عقود قبل ثورة 17 فبراير الليبية في عام 2011 من الذين لا يروق لهم منطق الرئيس القذافى في إدارته للدولة الليبية ومواردها، وقد ازدادت قناعتى بأنه فشل بامتياز في إدارة تلك الدولة عندما وصلت إليها للعمل كمستشار ثقافى لمصر ضمن البعثة الدبلوماسية المصرية في سبتمبر 2010؛ حيث رأيت بنفسي أن بعض أحياء مدينتي بنغازى وطرابلس ما زالت لا يوجد بها شبكات صرف صحى ، كما أن المدينتين لا يوجد بهما أي مشروعات مبهرة أو ملفتة للنظر كما كنت أتصور؛ فالمطار العالمى بطرابلس والمطار الدولى ببنغازى - على سبيل المثال - مطاران متواضعان للغاية ولا يزيد أي منهما عن كونه محطة اتوبيسات في أي دولة أقل ثراءًا بكثير من الدولة الليبية ، الأمر الذى جعل كثير من أفراد الشعب الليبى يعيشون حالة من الغضب المكتوم كنت أستشعرها بين كثير من المثقفين الليبيين.

وفي يوم 15 فبراير 2011 و إثر اعتقال محامي ضحايا سجنبوسليم فتحيتربل في مدينة بنغازى بشرق ليبيا خرج أهالي الضحايا ومناصريهم يحتجون على عملية الاعتقال ، وتأسيًا بالشعارات التى كانت تتردد خلال المظاهرات التي اندلعت آنذاك في بعض الدول العربية وبصفة خاصة في الجارتين مصر وتونس ، نادى المحتجون بإسقاط العقيد معمر القذافي ونظامه ، مما دعا الشرطة إلى استخدام العنف ضد المحتجين ، الأمر الذى استثار حفيظة المحتجين وتحويل الاحتجاجات إلى مظاهرات استمرت حتى صباح اليوم التالي الموافق 16 فبراير؛ حيث انتشرت الاحتجاجات في مدن ومناطق أخرى مثل الرقدالين والجميل والعجيلات في الغرب ، كما شهدت مدينة البيضاء في الشرق مقتل أحد المواطنين ، مما أدى إلى تفجر مظاهرات بالمدينة ومدن جبل نفوسه والزنتان ويفرن ونالوت والرجبان تنادى برحيلالنظام ، حيث تم مواجهتها بإطلاق الرصاص من قبل الأمن وقتل بعض المتظاهرين ، وفى يوم الخميس 17 فبراير2011 تحول الأمر إلى انتفاضة شعبية غطت معظم المدن الليبية وسقط على إثرها عدد كبير من القتلى والجرحى برصاص قوات الأمن.

وكانت الاحتجاجات في ليبيا في البداية سلمية تطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية ، لكن مع التطور السريع للأحداث وقيام الكتائب التابعة للرئيسالسابقمعمرالقذافي باستخدام الأسلحة المختلفة ضد المتظاهرين ، وتدخل أطراف خارجية في الصراع وبصفة خاصة قطر وتركيا، وعودة الإخوان الليبيين من الخارج ومعهم مرتزقة ومتطوعين غير ليبيين تحولت المظاهرات إلى حرب أهلية مسلحة تسعى للإطاحة بالقذافي الذي قرر القتال حتى اللحظة الأخيرة، وردًا على ذلك دعا مسؤولون ليبيون ودول ومنظمات عربية ودولية إلى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا في ضوء نداءات بأن كتائب معمر القذافي تشن غارات جوية ضد المدنيين الليبيين.

في يوم 21 فبراير 2011 دعا إبراهيم الدباشي نائب الممثل الليبي الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة إلى فرض منطقة حظر جوي على جميع أنحاء طرابلس لقطع كل إمدادات الأسلحة والمرتزقة عن نظام القذافي ، وفى يوم 23 فبراير 2011 طالب نيكولاى ساركوزي القذافي بوقف هجماته ضد المدنيين ، وحث الاتحاد الأوربي على إقرار عقوبات ضده هو وعائلته ، ثم طالبه بالرحيل فى 25 فبراير 2011. وفى يوم 26 فبراير 2011 صدر قرار مجلس الأمن رقم 1970 بإحالة الحكومة الليبية إلى المحكمة الجنائية الدولية بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان، وفرض حظر السفر ودخول الأسلحة إلى ليبيا، وقرر تجميد أصول عائلة القذافي وبعض المسؤولين الحكوميين الليبيين.

وفى يوم 28 فبراير 2011 طالب ديفيدكاميرون بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا لمنع القذافي من استخدام الدبابات والمدرعات والطائرات العسكرية في قصف المدنيين ونقل المرتزقة. وفى أول مارس أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي قرارًا بالإجماع يحث فيه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على فرض منطقة حظر جوي على ليبيا ودفع القذافي إلى الرحيل، وفى يوم 7 مارس 2011 دعا مجلس التعاون الخليجي مجلس الأمن إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية المدنيين الليبيين ، بما في ذلك فرض منطقة حظر جوي على ليبيا ، وفى يوم 9 مارس2011 ناشد رئيس المجلس الوطني الانتقالي الليبي المستشار/ مصطفى عبد الجليل ، المجتمع الدولي بسرعة التحرك لفرض منطقة حظر جوي على ليبيا ، مؤكدًا أن أي تأخير سيُمكن القوات الموالية للقذافي من قتل نصف مليون إنسان إذا وصلت إلى بنغازي.

وفى يوم 10 مارس 2011 عقد ساركوزي لقاءًا مع المجلس الوطني الانتقالي الليبي في باريس اعترفت فرنسا بعده بالمجلس كحكومة شرعية لليبيا ، وفى يوم 11 مارس 2011 انضم كاميرون إلى ساركوزي في مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات فورية وفرض منطقة حظر جوي ضد الهجمات الجوية التي يشنها القذافى ، وفى يوم 12مارس 2011 طالبت جامعة الدول العربية مجلس الأمن بفرض منطقة حظر جوي على ليبيا بموافقة جميع الدول الأعضاء التي حضرت الاجتماع.
وردًا على كل هذه الأحداث والنداءات صوتت الأمم المتحدة بـوقف فوري لإطلاق النار في ليبيا ، وقالت إن الهجمات ضد المدنيين تشكل جرائمضدالإنسانية ، وفرضت حظرًا على جميع الرحلات الجوية فى المجال الجوي الليبى بقرار مجلس الأمن رقم 1973 ، وفي يوم 19 مارس 2011 قاد حلفشمالالأطلسي تدخلاً عسكريًا في ليبيا لتنفيذ قرار مجلس الأمن من خلال تحالف شاركت فيه الولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا وكندا والنرويج وقطر وإسبانيا وبلجيكا والدنمارك و عارضت إيطاليا التدخل في البداية ولكنها فى وقت لاحق شاركت بقواعدها واستخباراتها ، ثم امتد التحالف ليشمل 19 دولة.

وقد استخدم التحالف في هذا الغزو القوات الجوية والقوات البحرية ولم يستخدم فيه قوات مشاة حفاظًا على جنوده ، وترك هذه المهمة لثوار الفصائل المعارضة ، وتم بالفعل فرض حصار بحري وجوى على ليبيا وتدمير معظم مقدرات الجيش الليبي ، الذي كان رد فعله ضعيفًا للغاية وغير فعال إذ لم تتمكن قوات القذافي من إصابة أو إسقاط أي طائرة من طائرات حلف شمال الأطلسي. وقد انتهى القتال في ليبيا في أواخر أكتوبر بعد وفاةالقذافي في 20 أكتوبر2011، وتصويت مجلس الأمن على إنهاء تفويض حلف شمال الأطلسي بالعمل العسكري في ليبيا في 31 أكتوبر2011.

كنت أتابع كل ما سبق من داخل ليبيا وأشاهد ما يحدث من تخريب في الدولة بأيدي الليبيين والغرباء الذين تكالبوا عليها بإحساس من الأسى والمرارة متذكرًا ما حدث في العراق ، وكثيرًا ما كنت أقول إن هؤلاء لن يتركوا ليبيا أفضل حالاً من العراق عندما تركها الأمريكان ، ويؤكد الواقع الحالي أن الثورة الليبية قد تحولت إلى حرب أهلية مريرة تكمن جذورها في تعدد الفرقاء وتمزّق المشهد المحلي بسبب تنافس جهات عديدة على السلطة ، ومع تدخّل جهات إقليمية ترسخت الانقسامات وصار من الصعب استعادة الاستقرار وبناء هيكل أمني موحّد ؛ فبعد سقوط القذافي ، تحوّل قطاع الأمن في ليبيا إلى نظام مختلط ، يضم جماعات مسلحة ترعاها الدولة إلى جانب الجيش والشرطة ، وقد انهار هذا النظام عندما ازدادت وتيرة الاستقطاب في المؤسّسات السياسية والأمنية وفق انقسامات جهوية ومجتمعية وإيديولوجية .
وفى ظل هذا الوضع انقسمت البلاد في إلى معسكرين متحاربين هما: معسكر "عملية الكرامة"، وهو تحالف يتكون من قبائل المنطقة الشرقية وأنصار الفيدرالية وبعض الوحدات العسكرية من ناحية. ومعسكر "عملية الفجر"، وهو تحالف من جماعات إسلامية وإخوانية متحالفة مع جماعات مسلحة من مصراته، وصار لكل معسكر برلمانه وجيشه ورئيس وزرائه الخاص ويدّعي بأنه لديه الشرعية وله الحق في الوصول إلى السلطة وحكم البلاد. (يستكمل في المقال القادم).

وزير التربية والتعليم والتعليم الفني السابق