رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«رواية الفصول الأربعة».. مشاهد قصصية تتناول الواقع العربي بالنقد

رواية الفصول الأربعة
رواية الفصول الأربعة

يقدم الدكتور باسم الزعبي في مجموعته القصصية «رواية الفصول الأربعة» مجموعة من المشاهد التي تنظر إلى الواقع بعين نقدية، وتتخذ من قضاياه العامة متنًا تستند إليه في تقديم رؤاها، ويسعى عبر تشريح الواقع في غير سياق عربي إلى الدفاع عن الحقوق المستلبة التي أنتجت واقعا مليئا بالتهميش والخراب والاستبداد.

وجاءت المجموعة الصادرة عن «الآن ناشرون وموزّعون» في مئة واثنتين وتسعين صفحة من القطع المتوسط، وضمت إحدى وثلاثين قصة، تجاورت فيها المشاهد لتشكل موضوعًا متجانسًا حافلًا بنقد الواقع السياسي الذي يُلقي بظلاله على الواقعين الاجتماعي والإنساني في الوطن العربي. وتُبرز الرغبة في التغيير التي تعبر عن نفسها صراحة في مَواطن الأزمات، أو تتوارى في المسكوت عنه حين يظهر سطح الأحداث هادئًا بينما العمق مشحون ويموج بالبؤس والحرمان.

ويستخدم الكاتب تقنيات سردية متعددة؛ كالتذكر والاسترجاع، والحوار المكثف الذي يَبرز عبر صور عدة منها المونولوج وحديث النفس، كي يخدم فكرته ويكشف المستويات الفكرية والذهنية التي يتشكل منها الواقع. ويَبرزُ كذلك عامل الزمن بوصفه خيطًا ناظمًا للمجموعة من أولها إلى آخرها؛ إذ تنتمي سياقات القصص إلى مشهد يمتد لما يزيد على ربع قرن من المآسي والصراعات المستمرة، سواء ما تعلق منها بالقضية الفلسطينية ونضال أهلها، أو ما شهده لبنان من ويلات ومآسٍ، أو احتلال العراق، أو تداعيات الأزمة السورية وإفرازات الربيع العربي خلال العشرية الأخيرة.

وتمتلئ قصص هذه المجموعة بتفاصيل الصراع السياسي، كالأحزاب، والديمقراطية، والانتخاب، والثورات، والاعتصامات، والحروب، والدمار، والأيديولوجيا، وهي تفاصيل تلقي الضوء على عمق واقع يتعلّق بنماذج إنسانيّةٍ مألوفة تدعو إلى التحيّز والشفقة، وكشف أوضاعها النفسيّة كالقهر والألم والشتات والضياع، مع رسم أبعادها رسمًا إبداعيًا يحققه السردُ والوصف.

يعبّر الزعبي في قصة "رواية الفصول الأربعة" التي حملت المجموعة اسمها، عن مشهد اللاجدوى الذي يعيشه المواطن العربي المحاصر بالتكنولوجيا التي زادته شعورًا بالغربة والحرمان: "جاء الربيع، دافئًا، أنيسًا، مُحفّزًا على استكمال المشـروع، لكن الأحداث تلقي بظلالها الثقيلة، أمريكا تحرض على الحرب على العراق. الحرب مؤكّدة، أعصابي مشدودة مثل حبل غسيل، وأنا معلق عليها مثل غسيل قذر بين نشرتي أخبار، لا شـيء سوى الحرب، تشتعل الحرب، تصل إلى كل مكان، حتى ابني، ابن الخامسة أصبح يتحدث بأخبار الحرب".

اللعنة على هذه التكنولوجيا، لقد استباحت الزمان والمكان، حشـرتنا في بوتقة فوق نارٍ وقوُدُها أعصابُنا وقلوبُنا المتعبة. بطلي يدمن الفضائيات. الفضائيات تغسله، تعصـره، تنشـره، تسخِّنه، تبرِّده وتلقي به على كنبة أمام التلفاز مثل بطارية استنفدت طاقتها. بغداد سقطت! آخر ضـربة على الرأس المثخنة. بطلي لا يفعل شـيئًا، بطلي لا يفهم شـيئًا، يظل مستلقيًا على الكنبة أمام التلفاز يتابع مشهدًا سخيفًا عن تحطيم تمثال الرئيس العراقي".

ويوجه الأنظار في "سيرة قلب" إلى ذلك التوق الذي ينتزع المواطن البسيط من اعتياده ليلقي به وسط الجموع التي تسعى نحو غاياتها المشروعة: "تأتي زوجته، تقفل التلفاز غاضبة، تمنعه من مشاهدة الأخبار، تعطيه علاجًا، لكنه ما إن يستفيق حتى يعود إلى التلفاز. ومن جديد الأخبار المؤلمة، ومشاهد مسيرات الاحتجاج في أرجاء العالم. يسمع أصواتًا في الخارج. ينظر من النافذة، يرى مسـيرة حاشدة تقترب طليعتها من منزله، تعود به الذاكرة إلى أيام شبابه، عندما شارك في مسيرات ضد احتلال بيروت، ودعمًا للانتفاضة الفلسطينية، وكيف كانت تلتهب حناجرهم بالهتافات. يرى المسيرة تقترب، ومع كل خطوة كانت تقترب بها، كانت روحه تنتعش قليلًا، وكان قلبه يعاود نبضه الطبيعي، فتح النافذة، وترك المنزل يمتلئ بصدى الحناجر، وأنفاس الرجال، ومن دون أن يتمالك نفسه، وجد نفسه يفتح باب المنزل، وينظم للمسـيرة.

في البداية سار بوجل مع السائرين، ثم بدأ لسانه بترداد الهتافات بصوت لا يكاد يسمع، ثم راح صوته يعلو شيئًا فشيئًا.. قليلا، ونفَسُه ينتظم، حتى تماهى مع أصوات الجموع، وقد راح قلبه ينبض بقوة".

ود. باسم الزعبي من مواليد مدينة الرمثا عام 1957، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من الاتحاد السوفييتي سابقًا وعمل في وزارة الثقافة مساعدًا للأمين العام ومستشارًا للوزير. وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وصدر له بالإضافة إلى هذه المجموعة:

الموت والزيتون، قصص (1995)، رقصة العاج، قصص إفريقية معاصـرة، ترجمة (2000)، ورقة واحدة لا تكفي، قصص، (2002)، دم الكاتب، (2003)، شخصـية مشـرقة، قصص روسـية ساخرة، ترجمة، (2006). ط2 (2008)، تقاسـيم المدن المتعبة، قصص، (2007)، يتساقط الثلج هادئًا، قصص روسـية معاصرة، ترجمة، (2009)، أناملي التي تحترق، قصص (2009)، الحصان العربي، قصص للأطفال، (2008)، الدولاب، قصص للأطفال، (2007)، المحققان الصغيران، قصص للفتيان، (2012)، الشمس تشـرق غربًا، قصص، (2012)، قصة حب بسـيطة، قصص روسـية معاصـرة، ترجمة، (2016)، سحر الشرق، قصص روسية كلاسيكية، ترجمة، (2017)، مسمار في الحائط، قصص روسية، ترجمة، (2017)، شجرة الحور الفضية، قصص روسية معاصرة، ترجمة، (2017)، دكتاتورية المستنيرين، ترجمة، 2020.