رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الله فى حياتهم»

سهير شلبي: أنتمى لمدرسة «الإسلام المصرى» (حوار)

سهير شلبي
سهير شلبي

كان الأمل والشجن هما اللغة التى سيطرت على أجواء الحوار مع الإعلامية القديرة سهير شلبى.
حضرت دموعها مرتين خلال الحديث، فى الأولى قاومت وهى تسرد ذكرياتها مع زوجها، وفى الثانية استسلمت لدمعاتها عرفانًا بفضل ربها، بعد أن اقتص لها حقها ممن حاربوها فى رزقها وعملها، واصفة علاقتها بالعلى الكريم بأنها حالة خاصة تتجسد فى استجابته كل دعائها.
فى حياتها محطات كثيرة تدعو للفخر، لكنها تزهو بصورة كبيرة بوالدها أستاذ التاريخ الإسلامى، الذى تراه رجلًا سابقًا لعصره، وإليه يعود الفضل فى نشأتها على مبادئ التدين الوسطى الذى كان بمثابة صراط تسير عليه فى مراحل عمرها.
فى السطور التالية، تحاور «الدستور» الإعلامية القديرة عن رحلة وصولها إلى محطة اليقين بالله.

والدى من رواد «التجديد الدينى».. و«الاحترام» شرطُه لعملى فى الإعلام


فى حى المعادى الراقى، كانت النشأة فى بيت الدكتور أحمد شلبى، أستاذ التاريخ الإسلامى، وهو عالم تزهو بسيرته وتفخر كثيرًا جدًا بمسيرته ابنته «سهير»، وفى كل أحاديثها عنها تقول إنه كان رجلًا سابقًا لعصره، وفتاواه تؤكد أنه سبق الجميع فى ملف تجديد الخطاب الدينى، وتستشهد هى على ذلك بكثير من الآراء التى صوبها فى كثير القضايا.

وتوضح «سهير» أن والدها أفتى بأن ريع شهادات الاستثمار ليس «ربا»، لكنها تعاملات حلال لا يشوبها الحرام، قبل أن تعتمد هذا الرأى المؤسسات الدينية فى مصر بـ٢٠ عامًا كاملة.

من هذا الملمح تستطيع أن تقرأ أجواء الحياة فى ذلك المنزل الذى نشأت بين جدرانه الإعلامية القديرة مقدمة البرامج التليفزيونية الشهيرة «دردشة» و«اليوم المفتوح» و«نجوم فى القلب»، وغير ذلك من الأعمال الناجحة والخالدة فى عقل وذهن المشاهد العربى والمصرى.

تتذكر هذه الأجواء فتقول: «التدين الوسطى أو الإسلام المصرى كان هو المناخ السائد فى بيتنا، تدين حقيقى بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ إنسانية ودينية ودنيوية، مثل الصدق والأمانة والضمير والإخلاص وكل ما هو جميل فى الحياة، كان هذا هو الأساس الذى تربينا عليه، ثم تأتى بعد ذلك الطقوس والشعائر الأخرى مثل الصلاة والصوم دون تشدد».

وتضيف: «كانت فكرة التدين الوسطى بمثابة الصراط الذى عليه تسير حياتنا وأمورنا فى كل خطوات حياتنا، فمنهجى فى حياتى ومع أولادى وحتى صداقتى محكومة بتقوى الله ومراعاته وابتغاء مرضاته، وتلك القناعات التى أعتنقها أدين لوالدى بالفضل الأكبر فيها، حيث ظللت مبادئه سماء حياتنا، وتحولت العادات التى نشأنا عليها إلى عبادات نؤديها بأعمالنا ومعاملاتنا».

وتشير إلى أنها كانت تجلس فى حضرة أبيها، فيأتيه أنُاس كثيرون لسؤاله فى شئون دينهم ودنياهم، فتستمع إلى كل ما يقوله ويُفتى فيه، ودون قصد انتقلت تلك الأفكار إليها بالتمرير، فكانت بمثابة مشاعل النور التى أضاءت حياتها، سواء على مستوى الأسرة أو على صعيد العمل.
ورغم «الديمقراطية» التى كانت تميز تعاملات الدكتور أحمد شلبى، كان رجلًا صارمًا جدًا فى بيته، وكل أوامره وتعليماته مُطاعة لا تقبل النقاش.
وتستشهد على ذلك برفضه عملها فى المجال الإعلامى، على الرغم من حلمها الأكبر منذ صغرها بالوقوف أمام الميكروفون والشاشة، وتقديمها الإذاعة المدرسية، منذ أن كانت فى عمر ٧ سنوات، بالإضافة إلى التمثيل فى مسرح المدرسة، وأداء الكثير من الأنشطة الفنية والثقافية.

وتضيف: «عقب تخرجى تحولت رغبة العمل كمذيعة إلى طموح مشتعل بداخلى، لكننى خفت أن أحرق حلمى وأحكم عليه بالفشل إذا ما عرضت تلك الفكرة على والدى باعتباره معارضًا شرسًا لها، لذلك تقدمت بأوراقى دون علم منه، ليفاجأ باسمى منشورًا فى الصحف ضمن كشوف الناجحين والمقبولين».

حينها ناداها مخاطبًا: «موافق على عملك فى الإعلام شريطة أن تقدمى إعلامًا محترمًا يقدم الكلمة الصادقة ويعلى من شأن الضمير»، وكانت تلك الكلمات بمثابة الإشارة الخضراء التى انطلقت من بعدها رحلتها داخل عالم «الميديا».


حفرت اسمى بين عمالقة الإذاعة.. حاورت عظماء مصر.. ورفضت ٣ أفلام

فى الأيام الأولى لعملها داخل «ماسبيرو»، التقت بجيل رائع من الأساتذة العظام، أمثال سلوى حجازى وأمانى ناشد ومحمود سلطان، وغيرهم الكثير، وبالتالى كان من الصعب أن تحجز لنفسها مقعدًا مميزًا وسط هؤلاء «العمالقة»، وتطلب الأمر مجهودًا مضاعفًا، لذلك حاولت أن تظهر بصورة مختلفة وبطريقة مميزة تجذب أنظار المشاهدين نحوها.

تقول الإعلامية القديرة: «هنا أفادتنى كثيرًا قراءاتى المتنوعة والكثيفة طيلة السنوات السابقة لمرحلة الالتحاق بالعمل الإعلامى، فحين تُقلب فى أرشيف مسيرتى تجدنى قدمت جميع البرامج، مثل المنوعات والثقافية والعمالية وحتى برامج الأطفال، لكنى بعد سنوات أتتنى الرغبة فى تقديم لون آخر مختلف من البرامج، فابتكرت فكرة برنامج (دردشة)، الذى حاورت من خلال نافذته كل عظماء مصر فى كل المجالات، أمثال نجيب محفوظ ومصطفى أمين، وغيرهما من الأدباء والعلماء والفنانين والمثقفين».
وتضيف: «بدأت نجوميتى وبريقى فى الظهور، ومع ذلك لم أتعامل مطلقًا بمنطق أننى نجمة، وكان هدفى الذى يشغلنى وقتها هو تقديم عمل نافع ومفيد، لهذا اجتهدت كما ينبغى أن يكون الاجتهاد».
وتشعر «سهير» بجنى ثمار سنوات الحصاد تلك حين تجد الناس فى الشوارع يشيدون ببرامجها ويتذكرون عنها الكثير من الأحداث والمواقف، ووقتها تشعر بسعادة غامرة.
وتصف ذكرياتها داخل مبنى «ماسبيرو» بأنها عبارة عن «بورتريه» رائع، تفاصيله تجمع بين الاجتهاد والعمل الجاد والشجن والفرح والغضب، موضحة: «هناك حققت حلمى بالعمل كمذيعة، وهناك أيضًا التقيت بقدرى الذى تمنيته زوجًا، المذيع العظيم أحمد سمير، وهو رجل جمعتنى به قصة حب من ملاحم الحب الكبرى، بدأت قبل اللقاء الأول معه».
أنشودة الحب هذه- والكلام للإعلامية القديرة- سطرت أول حروفها وقت أن كانت تتابعه وهو يقدم نشرات الأخبار. تقول: «جذبنى أسلوبه فى الحكى وطريقته فى العرض، غير أناقته ووسامته غير الطبيعية».
وتضيف: «عندما قابلته لأول مرة داخل هذا المبنى العريق كنت فى قمة الخجل منه، لكنه غازلنى بكلمات رقيقة فشعرت بالحرج، ثم كان الإعجاب فالصداقة فالانبهار وأخيرًا الارتباط».
وتواصل: «كانت العلاقة بيننا عبارة عن إعجاب مستقبل بتاريخ، وصداقة تلميذة بأستاذ، وانبهار متابعة بفنان، لذلك امتزجنا تمامًا، وحدث التقاء روحى ووجدانى كبير بيننا، ولذلك من فرط الجمال فى قصتنا لم يكتب لها الاستمرار بعدما رحل مبكرًا، لكنى أحمد الله على قضائه».

وبمجرد أن انتهت المذيعة سهير شلبى من أداء رسالتها الإعلامية فى أعقاب بلوغها السن القانونية، عادت من جديد للوقوف خلف الكاميرات، لكن ليس من باب العمل التليفزيونى، إنما عبر بوابة الفن بالتمثيل السينمائى والدرامى، وهو حلم قديم لم تُسعفها السنوات التى قضتها فى ماسبيرو لتحقيقه.. فما القصة؟
تحكى أنه خلال السنوات التى كانت تعمل فيها بالتليفزيون جمعتها صداقات شديدة ومتنوعة مع كل الفنانين، وكانت شاهدة على رحلة صعودهم منذ خطوات حياتهم الأولى وصولًا لمرحلة النجومية التى بلغوها، وذلك سبب الارتباط الكبير معهم، كما أن أغلبهم كان حريصًا على متابعتها لأعمالهم، وينتظرون آراءها عنها.
وتكشف عن أن علاقتها بالتمثيل بدأت من عتبة المخرج حسن الإمام، الذى قدم لها «عرض احتكار» لبطولة ٣ أفلام، وبدأ فى تحريضها على ترك العمل الإعلامى، لكنها رفضت الاستجابة لرأيه. ومع ذلك لم تدر ظهرها تمامًا للشاشة الفضية، وعادة ما كانت تظهر فى بعض الأفلام والمسلسلات فى دور المذيعة، مثلما حدث مع الراحل العظيم أحمد زكى فى فيلم «البيضة والحجر»، وعدد من الأعمال الأخرى.
وتشير إلى أن علاقة من نوع خاص جمعتها بـ«زكى»، موضحة: «أحمد زكى إنسان بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وصديق غالٍ جدًا، وقلبه كان مليئًا بكل الصفات الجميلة مثل الطيبة والصفاء والمحبة، لذلك عندما طلبنى للتمثيل معه لم أقدر على رفض طلبه ودائمًا ما كان يقول لى: (سيبك من التليفزيون... وتعالى مثلى معانا)».
وحققت «سهير» تلك الرغبة، لكن بعد رحيله، فهى الآن متفرغة بصورة تامة للعمل السينمائى والدرامى، وقدمت خلال الفترات الماضية مجموعة من الأعمال المتنوعة، وكان من المقرر أن تخوض بطولة أحد المسلسلات، لكن تصويره توقف بفعل الظروف الحالية المتعلقة بانتشار فيروس «كورونا المستجد».

أعرف الله بآياته فى الكون ولم يتركنى لحظة

بعدما قدمت سهير شلبى نفسها باعتبارها سيدة تنتمى لعالم التدين الوسطى، أو ما يُطلق عليه «الإسلام المصرى»، مؤكدة أنها مشغولة دائمًا برضا الله فى كل تفاصيل حياتها، وعرضت محطات من عملها الإعلامى والفنى، سألناها: متى عرفتِ ورأيت رب السماوات والأرض؟
تجيب: «رأيت الله عندما ألقى فى قلبى ما يعرف اليقين بالدعاء، فعندما أدعو الله فى كل أحوالى أراه يبشرنى دومًا بالإجابة، ولكل خطوة فى حياتى، منذ لحظة استيقاظى من النوم حتى عودتى مرة أخرى للنوم، دعاء أردده». وتشير إلى أنها خلال سنوات عملها الطويلة كثيرًا ما تعرضت للظلم، وحاربها البعض، لكنها دومًا كانت مطمئنة بأن الله معها وسيأخذ حقها ممن ظلمها، وذلك بالدعاء الذى يعد «مخ العبادة»، الأمر الذى عمق معرفتها بالعلى التقدير.

وتضيف: «إذا كنت تريد أن تعرف الله، فقط عليك أن تتأمل آياته وتنظر إلى آلائه فى الشمس، الأرض، الهواء، الحركة، الحياة وما أكثر ما يُقال». وتكشف عن أن سؤال «من الله؟» دائمًا ما كان حاضرًا فى ذهنها منذ الطفولة، بحكم النشأة فى بيئة دينية، وعندما كبرت ازدادت عمقًا فى فهمه، خاصة مع اعتيادها على قراءة القرآن الكريم وتدبر معانيه، و«ختمه» بطريقة منتظمة، وتحديدًا خلال شهر رمضان. وتواصل: «كل شعائر الدين الإسلامى وفقنى الله لتأديتها، وما زلت أذكر يوم ذهبت إلى أداء فريضة الحج حينها اهتز جسدى وشعرت روحى بمزيج من الرهبة المملوءة بالمحبة والخشية، وجدت قلبى ينطق قبل لسانى داعيًا: اللهم اجعل كل دعواتى مستجابة». وتستكمل: «لم يتخل الرب الكريم عنى لحظة، فعندما رحل زوجى أحمد سمير، ترك لى ٣ أطفال فى أعمار الزهور، وقتها وجدت نفسى أبًا وأمًا فى توقيت واحد، فكنت فى ساعة أتعامل معهم بعاطفة الأم الحنونة، وساعة أخرى أظهر بدور الأب ذى الملامح الصارمة والأوامر النافذة».

وتتابع: «الآن حين أنظر إلى أبنائى بعدما كبروا، أجد نفسى عاجزة عن شكر المولى، بعدما وفقنى بحق فى تربيتهم ولم يخذلنى، فقد علمتهم نفس القيم التى نشأت عليها وأهمها مبادئ التدين الوسطى، وكل الذين جربوا التعامل مع أولادى يقولون لى: أحسنتِ تربيتهم، وهم من المخلصين لعلمهم والمتقين ربهم، ولا يوجد حضور للشر أبدًا فى نفوسهم».

وبعد نجاحها فى مهمتها مع الأولاد، تعود مجددًا لممارسة نفس الدور مع الأحفاد، عبر «زرع نفس البذرة الطيبة التى نشأت عليها فى نفوسهم، لذلك دائمًا ما أبث فيهم الإيمان بحب الوطن، وتعاليم الدين الصحيحة، وأحدثهم عن كل المثل العليا النبيلة باعتبارها العصى التى سيتوكأون عليهم فى رحلتهم داخل نهر الحياة».

وفى أزمة «كورونا» العاصفة، تجد نفسها فى لحظات كثيرة تناجى ربها أن يرفع ذلك الوباء، وأن تعود الأمور لسابق عهدها وطبيعتها، معقبة: «أرغب هنا فى أن أسجل شهادة لوجه الله لا أبتغى من ورائها نفاقًا أو رياء، ألا وهى الإشادة بالرئيس عبدالفتاح السيسى وأدائه فى حكم مصر».

وتوضح: «أنا من المواطنين الذين عاصروا عهود حكم مختلفة وشاهدة على العصر بحكم مهنتى وقربى من أصحاب القرار، لكنى لم أر مثل هذا الرجل فى إنجازه وانحيازه لبنى وطنه الفقير قبل الغنى، فهو بحق جند من جنود الله فى الأرض». وتختتم حديثها بالقول: «أسأل الرب توفيقًا فى خطواتى المقبلة بمجال التمثيل، وأن أصنع بصمة تضاهى ما حققته فى التليفزيون، وأتمنى أن يعود الإعلام المصرى إلى سابق ريادته».