رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا ما فعله السفهاء بنا


«إن الأيادى المرتعشة لا يمكنها البناء.. والذين يخافون لا يصنعون التاريخ».. كلمات دالة وروشتة العلاج لداء العمل فى مصر، جاءت ضمن حيثيات الحكم ببراءة المهندس عبد الرحمن حافظ، رئيس مدينة الإنتاج الإعلامى الأسبق، وثلاثة من مسئولى المدينة، ورجل الأعمال إيهاب طلعت، فى القضية التى تعود وقائعها إلى ديسمبر 2005، بتحريض من «الابن المدلل» للنظام الأسبق، وزير الإعلام الأسبق أنس الفقى،

الذى جاء على سبيل التحايل لاصطياد رجل مبارك الوفى، صفوت الشريف، وقت أن قرر «المحروس» جمال مبارك وجماعته من لجنة سياساته، تصفية من عُرِفوا بـ«الحرس القديم»، وهم رجال والده مبارك، ومن بينهم صفوت الشريف، «العظمة القاسية» التى استعصت على الكسر، فكان لابد من الدوران له بعيداً لإسقاطه من الخلف، عبر عبد الرحمن حافظ وإيهاب طلعت، للإيقاع بأشرف الشريف، لاصطياد والده صفوت، بشراكة أشرف وإيهاب، وأعمالهما المشتركة مع مدينة الإنتاج، وتلفيق التهم لهذه الشراكة بأى حال.. لكن القاضى العادل، الذى حكم بالبراءة، لأنه لم تكن هناك دلائل على الاتهام، صدّر حيثيات حكمه بما ذكرته أول المقال، وأضاف عليه «إن مدينة الإنتاج الإعلامى صرح فريد فى المنطقة العربية، ويجب على من يتولى إدارتها أن يكون متفتح الذهن، ويمتلك سعة أفق، وجرأة فى اتخاذ القرار».. وهكذا فعل حافظ، حينما ترك المدينة وآخر جمعية عمومية لها انعقدت فى مارس 2003 أثبتت أن صافى أرباحها كانت 52 مليون جنيه.. فأين المدينة الآن من هذه الأرقام من الأرباح؟!.

أذكر ذلك، وأنا أنظر حولى، أطالع تلك الكيانات التى تتبع الدولة أو ذات الطبيعة الخاصة منها فى علاقتها بالدولة، وأدرك هذا التهاوى السريع فى اقتصادياتها، لا لشىء إلا لأن من يتولى إدارتها الآن، جاء واحداً من بين اثنين.. إما جاهلاً جهولا، لا يعرف من أمر ما يتولاه شيئاً، أو شخصية مرتعشة لا تملك قرارها بحكم تكوينها النفسى، فتدع نفسها فريسة لكل من يقدر على اللعب بها، وبالتالى اللعب بمصالح العاملين.. والإثنان طامة كبرى سقطت على رأس هذه المؤسسات، جعلتها تترنح، وصارت كالطائرة التى هوت من السماء، ويبقى لها لحظة الارتطام بالأرض، لتتناثر أشلاؤها ومن فيها، وتصبح أثراً بعد عين! معايب نظام مبارك كانت أكثر من أن تُعد أو تُحصى، ولا يستطيع عاقل نُكرانها.. ولكن، من بين أصحاب الثقة الذين تولوا أمر بعض مؤسسات الدولة، وعاثوا فيها فساداً، نستطيع أن نلتقط بعض الذين حققوا نجاحات، حتى آمن البعض وقتها بقول «نتحمل السرقات ما دمنا نكسب.. لأن السرقة من ذات المكسب».. لكن ما فعله الإخوان، وعلى قدر ما سمحت لهم به مدة العام التى قضوها فى الحكم، أكبر من أن تغتفر، لأنهم غيروا البنية التحتية البشرية للمؤسسات، ليس لأنهم أتوا بكثير من الفشلة لإدارتها فحسب، بل لأنهم زرعوا فيها من فتت لُحمة الترابط بداخلها، من أولئك الذين سعوا بين العاملين بالوقيعة، تماماً كالنهج الاستعمارى القديم «فرِّق تَسُد»، دون أن يدرك هؤلاء، عن عمد أو جهل، أن الاستقرار المجتمعى داخل أى منشأة، هى من أولويات نجاحها، لو كان حريصاً عليه!.

لم يكتف الإخوان بتولية أصفيائهم وخُدامهم لإدارة هذه المؤسسات، حتى ولو كانوا جُهالا، لا يعرفون من أمورها شيئاً، بل عمدوا إلى اختيار من كان أهلاً للولاء والطاعة، وذلك لا يتحقق إلا لشخصية تعانى ضعفها وقلة حيلتها وهوانها على الناس.. هذا النوع من الشخصية، ما كان له أن يستمر على كرسى منصبه إلا بالوقيعة بين أبناء العمل، وإثارة نزعات الفرقة بينهم، حتى يكون هو الأقوى بضعف تفرقهم.. وبدلاً من تأخذ المؤسسات طريقها نحو النجاح، بعد ثورة يُفترض فيها أنها للبناء، وجدنا المنحنى يهبط، متهاوياً إلى الأسفل، ولم يتبق لنا من الهلاك، إلا رحمة ربنا بنا، ومحاولة الإنقاذ، التى يلعب الوقت، العنصر الأساسى فيها.

هل رأيتم ما فعله السفهاء بنا؟!.

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.