رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثورة 30 يونيو .. والمعادلة الاستراتيجية الإقليمية والدولية


تناولت فى الأسبوع الماضى أهداف التنظيم الدولى لجماعة الإخوان، واليوم سأتناول أدوات تحقيقها، إذ تكمن الأداة الأولى فى التعـاقد مع بعـض شركات الدعاية العالمية المتخصصة لإعـداد وتسويق خطة إعلامية رصدت لها أموال طائلة لتحسين صورتها الذهـنية وتشويه صورة الجيش أمام الرأى العام العالمى، ارتكزت على ثلاث رسائل إعلامية،

فارتكزت أولا عـلى إبراز تفاعلات أحداث 30 يونيو عـلى أنها انقلاب عسكرى وليست ثورة شعـبية، ثم عملت ثانيا على تضخيم عـمليتى فض اعتصامى النهضة ورابعة العـدوية وتصويرهما عـلى أنهما اتسمتا بالعـنف المفرط، واتخذت ثالثا من عـملية فض اعـتصام رابعـة شعارا روج له التنظيم فى جميع وسائل الإعلام، وكانت الأداة الثانية هى الاختيار الدقيق لوسائل الإعلام العـالمية بمختلف أشكالها، فتعاقدت مع القنوات التى تتمتع بمشاهدة عالية مثل BBC البريطانية وCNN الأمريكية وقناة الجزيرة التى تبث باللغة الإنجـلـيـزية، وهى القناة العـربية الوحيدة التى توجه رسائلها لجماهـيـر أفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا، وأغـدقت عـلى جريدة «فرانكفورتر» الألمانية و«الجارديان» البريطانية الأموال لتزييف الحقائق ونشر ما يمليه عـليهما التنظيم الدولى، والجدير بالإشارة أن جريدة «الفاينانشيال تايمز» البريطانية قد أبت الانصياع لإغـراءات الأموال التى تنهمر لشراء ذمم الإعلاميين فى الخارج

ثم اتخذ التنظيم الدولى من حرب المعـلومات أداة ثالثة لتحقيق الأهداف، فعـمل على ترويج الشائعات لشق الصف المصرى، وتبنى أعمال العـنف لإرهاب الشعـب وخفض روحه المعـنوية، وحشد التظاهرات فى الجامعات عـندما فشل فى حشدها فى الميادين، وكانت أعـنفها هى التى اشتعـلت فى جامعة الأزهر تحت مسمى «انتفاضة الأزهريين»، والتى تهدف إلى نشر الفوضى حتى يفقد الشعـب ثقته فى الأجهزة الأمنية، وتقع الدولة بين مطرقة عـدم رضا الشعـب عن أداء الحكومة الحالية، وسندان القرارات الانفعالية التى قـد تصدرها ضد الجماعة، فتبدو وكأنها قرارات انتقامية تعـمل عـلى قمع المظاهرات السلمية، أما الأداة الرابعة فهى تلك التى تُوجه إلى جيش مصر الذى يقف حائلا دون تحقيق أهداف التنظيم، وعائقا أمام المشروعات القومية للقوى غـير العربية «إسرائيل، تركيا، إيران» التى اتفقت عـليها مع الجماعة فى مقابل تمكينها من حكم مصر، وحيث إن التنظيم يهدف إلى استنزاف قدرات الجيش القتالية لإضعافه، فـقـد أتى بجماعات الإرهاب الدولى التابعة لتنظيم القاعـدة لتتمركز داخل قطاع غـزة فى كنف حماس لتنفيذ العـمليات الإرهابية فى سيناء.

وتعـتبر الأداة الخامسة أحدث أدوات تحقيق أهداف التنظيم، وتتمثل فى إطلاق المبادرات التى تميزت بسمات أربع، حيث تتميز أولا بأن جميع مقدميها ينتمون إلى تيار الإسلام السياسى، وتتميز ثانيا بأنها افـتقـدت مفهوم المبادرة التى ينبغى أن تكون سرية وبعـيدة عـن الصخب الإعلامى لضمان نجاحها، وتتميز ثالثا بأنها ظهرت فى الوقت الذى بدأ فيه انهيار الجماعة وفقدت شعـبيتها وازدادت كراهية الشعـب لها، وتتميز رابعا بأنها اشتملت فى معـظمها على كلام مرسل وركزت عـلى إطلاق سراح المعـتقلين وعـدم الملاحقة الأمنية للآخرين، ويبدو لى أن الهدف الأساسى منها هو إظهار الجماعة عـلى أنها الطرف الرئيسى فى المعادلة السياسية، والتأكيد أن الخلاف القائم هو خلاف بين طرفين متكافئين، وليس بين الدولة وبين جماعة خارجة عـليها ومناهضة لجموع الأمة، مع تهيئة أنسب الظروف للجماعة حتى تظهر بأنها غـير راغـبة فى المصالحة التى تتهافت عـليها حكومة الانتداب الأمريكى فى القاهرة.

أما الأداة السادسة وهى الأهم فتكمن فى الإدراك الكامل للتنظيم الدولى للجماعة بموقف حكومة الانتداب المرتبك الذى يسوده الشك وعـدم اليقين، فبدلا من أن تسعى إلى حسم الأمور لجأت إلى التسويف والمراوغة، فتراخت فى إدارة شئون الدولة فى أدق وأعـقـد مراحل تاريخها، وتراجعـت عـن اتخاذ القرارات الحاسمة التى تتعـلق بملف الأمن لتحقيق استقرار الدولة، وبـدلا من التصديق عـلى قانون التظاهر والإسراع فى تطبيقه حتى يكون نقطة انطلاق سليمة لتنفيذ خارطة المستقبل، راحت تدعـو إلى عـدم التعـجل فى إصداره لإتاحة الفرصة لإجراء حوارات مجتمعـية جادة وعـميقة مع قوى المجتمع المدنى، والقوى السياسية للتوصل إلى أكبر قدر من التوافق حوله، وأقول مخلصا لحكومة الانتداب، إنه فى غـياب المنطق وأفول العـقـل، لابد أن تضل المعانى والمفاهيم، وتضمحل القيم وتتراجع المكانة، وتنحسر الهيبة ليزداد العـنف، ولله الأمر من قبل ومن بعـد.

■ أستاذ العلوم السياسية- جامعة بورسعيد