رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«ملايكة على الشيزلونج».. أسرار عيادات الأطفال ضحايا التحرش الجنسى

عيادات الأطفال
عيادات الأطفال

يتعرض الأطفال لانتهاكات جسيمة بشكل يومى، من أشخاص افتقدوا الأخلاق والحياء والدين بالشكل الذى يجعلهم يرتكبون جرائم تحرش واعتداء جنسى بحق صغار لم يعرفوا من الدنيا بعد مفردات غير «البراءة وحُسن النية والأمان والحب».

ولتلك الظاهرة تأثيرات نفسية واجتماعية خطيرة على الطفل، فى مقدمتها رفض فكرة الزواج والإصابة بالبرود العاطفى على المدى الزمنى الطويل، والشعور بالرهبة من التعامل مع أفراد المجتمع، بالإضافة إلى تحول بعض هؤلاء الضحايا مع الوقت إلى متحرشين.

آخر هذه الوقائع التى أثارت حالة كبيرة من الجدل كانت تعرض فصلين كاملين داخل مدرسة بمدينة الإسكندرية للتحرش الجنسى من قبل مدرس الرياضيات، الذى تحرش بأكثر من ١٢٠ طالبة على مدار أيام عدة.
وفى رحلة علاج ضحايا التحرش الجنسى من الأطفال، تبرز مجموعة من العيادات المتخصصة فى هذا المجال، تواصلت «الدستور» مع مسئوليها وتنقل فى السطور التالية «روشتة» كل منهم لعلاج مثل هذه الحالات، وأبرز الحالات التى تعاملوا معها، وكيف نقى أبناءنا هذا الخطر.

وليد هندى: تؤدى إلى رفض الزواج والانتحار.. وأفلام الكارتون ضمن برامج التوعية

البداية عند الدكتور وليد هندى، استشارى الصحة النفسية، الذى روى قصة طفلتين عالجهما من التأثير النفسى بعد تعرض كل منهما لواقعة تحرش فى الإسكندرية.
الطفلة الأولى لم تتجاوز سنها ٥ سنوات، وجاءت بها والدتها إلى العيادة الخاصة بـ«هندى»، قائلة إن ابن خالتها هو من تحرش بها، وطلبت إخضاعها لبرنامج علاجى. وحسب رواية الأم، فإن ابن خالة الضحية قدم لها الحلوى، واستدرجها إلى مكان ارتكاب الجريمة، ثم لمس أجزاء حساسة فى جسدها، وبعدما انتهى الأمر هددها بمعاقبتها إن أخبرت أى شخص بما حدث بينهما، مشيرة إلى أن الأمر تكرر أكثر من مرة.
وأضاف استشارى الصحة النفسية: «أصيبت الطفلة باكتئاب وقلق متزايد، وكان علىّ أن أضع برنامجًا مناسبًا لتأهيلها نفسيًا، وذلك عبر دعم الثقة والطمأنينة لديها، وعدم إجبارها على سرد كل تفاصيل الواقعة، ثم تثقيفها من خلال مشاهدة أفلام كارتونية توعوية ضد التحرش».
الحالة الثانية كانت طفلة سنها ١٠ سنوات، تحرش بها المدرس الخاص الذى يزورها فى المنزل مرتين أسبوعيًا، وحسب روايتها لمس الجانى أجزاء حساسة من جسدها خلال اختلائه بها وقبّلها، فصرخت الطفلة، لتدخل الأم سريعًا ويهرب المدرس المجرم من المنزل، لتبلغ الأم الشرطة فورًا.
وقال «هندى»: «قررت الأم بعد ذلك اصطحاب ابنتها إلى العيادة، وعندما رأيت الفتاة اتضح إصابتها بالقلق والاكتئاب والخوف من المجتمع، حيث امتنعت عن الخروج من المنزل واللعب، فوضعت برنامجًا تأهيليًا لها فورًا، لتوضيح أنها ضحية وغير مخطئة وتقوية شخصيتها، واستمر البرنامج لمدة شهرين وعادت الفتاة بعده إلى طبيعتها مرة أخرى».
وشدد «هندى» على أهمية توعية الأطفال بطرق الدفاع عن أنفسهم ضد التحرش، والتفريق بين اللمسة الطيبة والمؤذية، كاشفًا عن أن الأطفال من سن عامين يصبحون عرضة للتحرش بأشكاله المختلفة، سواء بصريًا أو معنويًا أو حتى باللمس.
وبَين أن جريمة التحرش الجنسى بالأطفال تمر بمراحل عدة، الأولى هى التودد والترغيب، لافتًا إلى أن معظم حالات التحرش التى صادفها خلال مسيرته المهنية كان المجرمون فيها أقارب الطفل.
وعن الأضرار التى تصيب الطفل بعد التحرش، قال الاستشارى النفسى: «قد تتفاقم الأزمات النفسية إن لم تُعالج إلى أن يصل الأمر إلى الانتحار، أو قد يصاب الطفل عندما يكبر بالبرود العاطفى ويرفض الزواج، ويشعر بأنه منبوذ من الآخرين، أو يقرر هذا الشخص الانتقام من المجتمع، فيتحول من ضحية إلى متحرش». وشدد على ضرورة تثقيف الطفل، وتوجيهه بعدم خلع ثيابه أمام الآخرين، وبمصارحة والديه إن تعرض لأى موقف مشابه، لافتًا إلى أن فترة العلاج تزيد كلما زادت سن الضحية.


جهاد عمر: قصص مصورة لشرح «مناطق ممنوعة اللمس»

فى محافظة الدقهلية التقينا الدكتورة جهاد محمود عمر، إخصائى تخاطب وتعديل سلوك، التى قالت إنها تهتم بالجانب النفسى للأطفال الذين تعرضوا للتحرش، وتخبر الطفل أولًا بأهمية مصارحة ذويه بأى شىء يحدث له مهما كان.
وأوضحت: «نحذر الأطفال من نزع ملابسهم أمام أى شخص غريب، ومن الدخول مع غرباء إلى الأماكن المغلقة، وفى حالة إجبارهم على ذلك نرشدهم إلى الصراخ بصوت عالٍ حتى ينقذهم أحد المارين». وكشفت عن أنها تستخدم القصص المصورة فى البرامج العلاجية لهؤلاء الأطفال، بغرض توضيح أجزاء الجسم التى يجب حمايتها من اللمس.
وأشارت إلى معالجتها قبل ذلك طفلة مصابة بـ«متلازمة داون» تعرضت للتحرش، موضحة: «أهل البنت اكتشفوا دا لما شافوها بتقلد اللى حصل معاها مع أخواتها فى البيت، ومن هنا بدأت رحلة علاج الطفلة التى استغرقت أسابيع قليلة حتى عادت لطبيعتها من جديد». ووفقًا لدراسة طبية أجريت على ٩٤٢ حالة فى أمريكا عام ٢٠٠١، فإن ٤٦٪ من الرجال المثليين تعرضوا للاعتداء الجنسى خلال مرحلة الطفولة، فى مقابل ٧٪ فقط للرجال ذوى السلوك الطبيعى، أما عن النساء، فبلغت النسبة ٢٢٪ لمن تعرضن لاعتداء جنسى فى الطفولة، مقابل ١٪ فقط من النساء ذوات السلوك الجنسى الطبيعى.

ريهام السيد: ينبغى طمأنة المجنى عليه وعدم لومه وعرضه على متخصص

قالت ريهام السيد، إخصائية تربية الأطفال التى تخصصت فى إعادة تأهيل ضحايا التحرش الجنسى، إنه فى حالة تعرض طفل لمثل هذا الموقف يجب التعامل معه بدقة بالغة، ولا بد أن يتحلى الأهل بالصبر والهدوء عند معرفة الأمر، وعدم لوم الطفل، بل طمأنته واصطحابه لمتخصص.
وأضافت: «لا بد من أن يعرف الطفل أنه لم يخطئ، وتوعيته بطرق الدفاع عن نفسه، ومنها الصراخ».
وكشفت عن أنها تبدأ العلاج بمحاولة معرفة بعض المعلومات من الطفل بهدوء ودون إرباكه، مثل عدد المرات التى تعرض فيها للتحرش، وسبب صمته إن كان تأخر فى إخبار أهله، مشيرة إلى أن مدة العلاج قد تصل إلى ٦ أشهر فى بعض الحالات.
وشددت على أن محاسبة الجانى أمر مهم جدًا للضحية، يُشعره بأنه أخذ حقه، مختتمة «لا بد من توعية طلاب المدارس بكيفية الدفاع عن أنفسهم ضد المتحرشين».
وروت قصة إحدى التلميذات اللاتى تعرضن للتحرش، قائلة إن هذه الطفلة الطالبة بالصف الثالث الابتدائى فوجئت أثناء جلوسها على مقعدها داخل الحافلة التى تنقلها إلى المدرسة يوميًا بطالب آخر فى المرحلة الإعدادية أتى للجلوس بجانبها، مستغلًا غياب زميلتها التى ترافقها تلك الرحلة بشكل يومى، ثم بدأ فى تحريك يديه تجاه جسد الفتاة وملامسة بعض المناطق الحساسة بها.
وأشارت إلى أن الصمت غلب الفتاة فى تلك اللحظات، وهو ما جعل الجانى يتمادى فى أفعاله المجرمة، ولم تمر أيام حتى تعرضت الفتاة لذات الموقف لكن تلك المرة كانت داخل الفصل، ومن خلال مدرس استغل انفراده بها وأقنعها بأن يرى ما أسفل ملابسها، فلم تمانع الفتاة بسبب عدم إدراكها الوضع.
وأضافت: «ذات يوم حكت الفتاة لوالدتها ما فعله الطالب والمدرس معها، فاتجهت الأم إلى المدرسة لتقديم شكوى ضد الشخصين اللذين ارتكبا تلك الأفعال بطفلتها».
وشددت على أن أهم شىء من هذه الواقعة هو بيان تأثير رد الفعل السلبى من الفتاة البريئة على الجناة ودفعهم إلى التمادى فى فعلتهم هذه.


صفاء عبدالبارى: أنظم ورشًا عن «حماية الجسد».. وتعنيف الضحية يجعله ساخطًا على الجميع

كرست صفاء عبدالبارى، إخصائية التربية فى مدينة المحلة الكبرى بالغربية حياتها لمناهضة ظاهرة التحرش الجنسى بالأطفال، وتستخدم أساليب تعليمية بسيطة لمعالجة الأطفال، مثل عرض مقطع فيديو يوضح الأماكن التى لا يجب أن يسمح الطفل لأى شخص بملامستها.
وقالت «صفاء»: «نظمت ورشة توعوية حملت بعنوان (كيف أحمى جسدى؟)، تستهدف توعية الأطفال وتعليمهم طرق الدفاع عن أنفسهم فى مواجهة المتحرشين، خاصة داخل المدارس والأماكن العامة».
وكشفت عن أنها عالجت طفلًا تعرض للتحرش أكثر من مرة من أشخاص مختلفين، معظمهم أقاربه، فأصبح بمرور الوقت يحاول فعل ذلك فى الأطفال الأصغر سنًا، فى تأثير نفسى يحدث عند تفاقم الحالة وعدم علاجها، مضيفة: «على الأهل مسئولية كبيرة، فلا بد من معاملة الطفل ضحية التحرش بشكل مناسب، وفى هذه الحالة التى أتحدث عنها حبس الوالدان الطفل فى المنزل ومنعاه من التعامل مع الناس، وهذا خطأ كبير، لأن تعنيف الطفل الضحية يجعله ساخطًا على كل من حوله».
وبينت أن قانون العقوبات الحالى لا يعالج قضية التحرش الجنسى بالأطفال، ويدرجها ضمن جريمة التحرش بشكل عام، مشيرة إلى أن المادة ٣٠٦ مكرر «أ» من القانون تنص على معاقبة الجانى بالحبس مدة لا تقل عن ٦ أشهر، وبغرامة لا تقل عن ٣ آلاف جنيه ولا تزيد على ٥ آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.


جمال فرويز: تعاملت مع بنات دار رعاية «أجّرتهن إحدى المشرفات باليوم»

قال الدكتور جمال فرويز، استشارى الطب النفسى، إنه عالج طفلًا تحرش به سائق أتوبيس المدرسة فى الحمام، موضحًا أن «الطفل استيقظ مبكرًا لتناول إفطاره، وارتدى زيه المدرسى، ثم استقل حافلة المدرسة، وفور وصوله فوجئ بالسائق يصطحبه إلى الحمام وينزع عنه ملابسه ويمارس معه الجنس».
وأضاف: «تكرر الأمر إلى أن حكى الطفل لأمه ما يحدث معه، فأبلغت الشرطة فورًا لاتخاذ الإجراءات القانونية ضد المتحرش، وبالطبع عانى الطفل من بعض المشكلات النفسية بعد هذه التجربة المريرة».
وتابع: «حرصت على تأهيله نفسيًا عبر زيادة ثقته فى نفسه، وعدم التركيز على هذه التجربة، واعتبارها عابرة لأن أى شخص يمكن أن يكون ضحية لجريمة، لكن هذا لم يكن ينجح إلا بدعم من الأسرة، فالطريقة التى يتعامل بها الأهل مع الطفل بعد هذه الواقعة تؤثر على فترة العلاج»، معتبرًا أن زيادة هذه الحوادث دليل على انعدام القيم الإنسانية وسيطرة الغريزة على عقول المتحرشين. فنراه ينتهك ضحيته دون التفكير فى تبعات ذلك.
وبَين أن الطفل يصاب بعد التحرش بالقلق والصداع، واضطرابات نفسية حادة، وقد لا يُبلغ أسرته بما حدث معه خوفًا من العقاب، أو يختلق أسبابًا لعدم الذهاب إلى المكان الذى تعرض فيه للتحرش، حتى لا يلتقى بالمجرم، مضيفًا: «لا بد من دعم الأطفال الضحايا نفسيًا، فأى تقصير فى هذا الجانب قد يحوّل الطفل إلى متحرش عندما يكبر».
وسرد «فرويز» تجربة أكثر ألمًا، لم يعالج فيها حالة واحدة بل مجموعة من الفتيات الصغيرات التابعات لإحدى دور الرعاية فى القاهرة، قائلًا إن إحدى المشرفات كانت تؤجر هؤلاء الفتيات لراغبى الجنس يوميًا مقابل المال، حتى أبلغت عنها مشرفة أخرى.
وأضاف: «بعد الانتهاء من الإجراءات القانونية، أرسلوا الفتيات لى لتأهيلهن نفسيًا بالشكل الذى يمكنهن من الاندماج فى المجتمع مجددًا»، مشددًا على أنه كلما كان العلاج مبكرًا، كان وقت البرنامج التأهيلى أقل.
وأشار إلى أن مدة علاج الضحايا تحت الخمس سنوات قصيرة للغاية ولا تحتاج لعيادات نفسية، وتشهد فقط معالجة بعض الأعراض مثل القلق والتوتر، بينما الأطفال فوق ٥ أعوام تستمر فترة علاجههم ما بين ٣٠ إلى ٤٥ يومًا.

«القومى للطفولة»: نقدم الدعم القانونى والنفسى فور تقديم البلاغات

قالت الدكتورة عزة عشماوى، أمين عام المجلس القومى للطفولة والأمومة، إن المجلس يحارب ظاهرة التحرش الجنسى بجميع الطرق، سواء للكبار أو الصغار.
وأضافت: «الطفل المصرى أصبح يتعرض للعنف بشكل دائم، لذلك يسعى خط نجدة الطفل دائمًا لتقديم جميع سبل الدعم القانونى والنفسى والاجتماعى للطفل والطفلة على الفور».
وبينت أن وقائع التحرش بالأطفال تحدث داخل المؤسسات التعليمية ومؤسسات الرعاية، ووصلت إلى المنازل أيضًا، مشيرة إلى تصدر الإناث معدلات تلك الوقائع، يليها الذكور بنسب أقل، بسبب الانحدار الواضح فى منظومة الأخلاق.
وتابعت: «الإعلام له دور كبير فى مناهضة تلك الظاهرة، من خلال الوقائع والحالات التى يرصدها وتنتج عنها استجابات فورية لما نُشر». وكشف تقرير للجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أصدره بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة فى ٢٠١٥، عن أن هناك ٢.٥ مليون فتاة تعرضن للتحرش خلال ذلك العام فقط، بينهن ١٦ ألف فتاة تعرضن له فى المؤسسات التعليمية، بينما تعرض ١٣٪ من ٢٠ ألف فتاة لتحرش جنسى فى الأماكن العامة.