رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البحث عن الهوية المصرية

الكتاب الأول.. هنرى برستد يرسم ملامح فجر ضمير العالم من مصر

جريدة الدستور



اسم الكتاب دال وكاشف وكاف أيضًا «فجر الضمير»، كتبه جيمس هنرى برستد فى العام ١٩٣٣، واحد من أشهر علماء الآثار والمصريات، ستجد باسمه عددًا كبيرًا من المؤلفات والاكتشافات الأثرية، لكن كأنه بالفعل لم يكتب إلا «فجر الضمير» فكل منهما عرف بالآخر.
يمكنك أن تلخص ما فعله برستد بأنه استطاع أن يثبت بالأدلة التاريخية والأثرية أن الحضارة المصرية القديمة هى الرحم الذى خرجت منه الأخلاق والقيم والحضارة، ومنه نشأ الضمير الإنسانى وترعرع، وتجلى نداؤه.
وطبقًا لما يراه برستد، فإن مصر حسب الوثائق التاريخية التى وصلتنا عن العالم القديم إلى الآن، هى مهد حضارة العالم، وعن هذه الحضارة أخذ العبرانيون، ونقل الأوروبيون عن العبرانيين حضارتهم، وبذلك يهدم النظريات الراسخة فى أذهان الكثيرين القائلة إن الحضارة الأوروبية أخذت عن العبرانيين. الآن يمكن أن تعرف قيمة هذا الكتاب بالنسبة للمصريين، فقد أظهر للعالم أن المصدر الأصلى لكل حضارات الإنسانية هو مصر. قيمة أخرى كان لـ«فجر الضمير» فضل ترسيخها، فقد قضى على الخرافات والترهات التى كانت شائعة بين السواد الأعظم من علماء التاريخين القديم والحديث قضاءً تامًا، ففريق منهم ظن أن الصين والهند ثم بلاد اليونان كانت مهد الحضارة الإنسانية وعنها أخذ العالم الحديث، فأثبت للجميع أن مصر هى التى أخذ عنها العالم حضارته عن طريق فلسطين التى لم يكن لها إلا فضل أنها كانت نقطة الاتصال بين الحضارة الأوروبية والحضارة المصرية.
وقد تكون القيمة الأساسية التى يضع برستد أيدينا عليها فى كتابه، أن المصريين القدماء أقاموا منظومة أخلاقية شاملة، تستند إلى العدالة.
العدالة عند المصريين تعلن بوضوح أنها تخاصم الظلم، وتنحاز للاستقامة بشكل مطلق، هل سمعتم فرعون أهناسيا وهو يقول لابنه الأمير «ميركارع»: «فضيلة الرجل المستقيم أحب عند الله من قربان الرجل الظالم».
كان لعالم الآثار الكبير سليم حسن فضل ترجمة كتاب «فجر الضمير»، ولم أجد أروع من قوله عنه: «لو رزقنى الله علم الأستاذ برستد وطول خبرته بدراسة أمم الشرق القديمة عامة، ودراسة آثار مصر خاصة، لما كان فى وسعى أن أدون خيرًا من هذا الكتاب فى فصاحته وبيانه وانسجام عباراته وقوة منطقه وأخذت بتلابيب القارئ حتى ليجعل مجاهل التاريخ المصرى القديم المقفر من المعلومات كأنها رياض وحدائق غناء لا تسأم النفس قراءته، ولا يمل الناظر تصفح فصوله».