رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«تمرد» والانتخابات البرلمانية


الشعب أصبح واعيا ومن الصعب الضحك عليه، والحل التوحد وإعلاء مصلحة الوطن والجماهير حتى يكسب الجميع ولن يكون ذلك بغير أن تكون مصر لكل المصريين.

للتاريخ آثاره وتأثيره فى السلوك الجمعى للمصريين، فهناك ما هو إيجابى وأيضا هناك ما هو سلبى، وضمن السلوكيات الجمعية السلبية تأثر الرأى العام المصرى بفكرة ما أو شعار أو مقولة أو خبر، سرعان ما يلتف حولها الجميع وينبهر بها الكل لمجرد ترديدها بطريقة أو بأخرى خاصة لما يلعبه الإعلام الموجه الآن من حشد وتأثير وأحيانا ما يشبه غسيل المخ وتسطيح الوعى، حتى تصبح هذه الفكرة أو تلك المقولة هى موضع احترام وسبيل اقتناع للكثيرين، لدرجة نبذ كل من لا يؤمن بهذه الفكرة ورفض كل من يُعمل عقله وينتقدها ويقيم نتائجها، وكثيرا ما يكون الأمر مجرد مقولة أو شعار أو حتى خبر كاذب لا علاقة له بالفكر لكن هو الترديد والانسياق وراء المجموع، وهنا فالأمثلة كثيرة ولا يخلو التاريخ المصرى من الانسياق وراء أخبار كاذبة ومعلومات مختلقة لتشويه الأبطال والرموز أو لخلع البطولة الزائفة على من لا يستحقها، والغريب أن تصبح كل هذه الأشياء شبه حقائق تاريخية لا يأتيها الباطل، فبعد 25 يناير وجدنا هناك شعارات لا تنتهى يتم ترويجها تأثرا بالحدث الهائل والرائع منها «ميدان التحرير»، هذا الميدان الرمز الذى كان قبل يناير والذى مازال يحاول الجميع استغلاله لصالح حسابات قومية ضيقة رمزا للصمود والتعبير عن إرادة الشعب المصرى، وجدنا الجميع يتسابق للتباهى والظهور والتعريض بأنه كان فى التحرير ومن ثواره، ونسمع الحكاوى عن هذا النضال الذى كان وكأن الوجود فى التحرير أو الادعاء بالوجود هو بوابة المرور للثوار بل الساعين إلى الاستفادة الشخصية والوجود الذاتى فى الصورة والمشهد السياسى الثورى، وعندما تبدلت الأحوال وجدنا بعض هؤلاء ينكر التحرير ويعتبره سببا للفوضى ومرتعا للبلطجية ومقرا للانحراف.

واعتبر البرلمان فى مواجهة الميدان والآن السعى والنضال للوصول للتحرير كرمز للثورة، كان هناك شعاره «الشعب والجيش إيد واحدة» واستمر هذا الشعار هو أهم الشعارات التى تطلق فى التحرير منذ 28 يناير 2011 حتى أصبح فى الأمور أمور وحين دب الخلاف فى جبين الإخوان والمجلس العسكرى وجدنا هذا الشعار قد تبدل وأصبح «يسقط يسقط حكم العسكر»، وسبحان مغير الأحوال فبعد 30 يونيو عادت اللحمة بين الشعب والجيش وأصبح شعار الشعب والجيش والشرطة ذات نكهة فريدة ذات مذاق وطنى، ثم وجدنا مقولة «البرادعى أيقونة الثورة»، قبل 25 يناير كان أيقونة لدى جماعة الإخوان، ثم بعد يناير تم الاعتداء عليه جسديا ومعنويا، فى يونيو أصبح انقلابيا وبعد استقالته صار حقوقيا وضميريا، وظل مع مؤيديه وحوارييه هو الأيقونة، ولا نعلم أى ثورة هذه التى يكون أيقونتها شخص لا علاقة له بالسياسة بل لا علاقة له بمصر الوطن ولا يعرف شيئا عن المصريين لأنه لا يطيق الإقامة بعيدا عن أوروبا ولكنها المصلحة الذاتية والحزبية وكله باسم الوطن وعلى حساب المصريين.

وكانت «6 أبريل» وهى امتداد لكفاية أيقونة النضال السياسى قبل 25 يناير، وللأسف نجدها الآن ليست منقسمة فقط ولكن نجد فريقين يخونان بعضهما بأحط الاتهامات التى تحط من قدر أى مناضل أو ثورى، وكانت «تمرد» التى أدت دوراً تاريخيا مفصليا فى تاريخ الوطن كفكرة لأنها ليست تنظيما، فشباب تمرد هم أبناء حركة «كفاية» التى كسرت كل الحواجز وتخطت كل الخطوط الحمراء منذ عام 2004، كما أن فكرة الانتخابات الرئاسية المبكرة التى انطلقت منها وعلى أساسها فكرة «تمرد» وهى فكرة المناضل الوطنى د. يحيى القزاز والتى أطلقها منذ ديسمبر 2012 وأخذ يعمل عليها عن طريق المقالات المتعددة والحوارات الفضائية.

تلك الفكرة التى كانت هى النجم الهادى إلى طريق الخلاص من حكم الإخوان، تلك الفكرة التى تبنتها جماعة شباب «تمرد» والذين ترجموها فى شكل استمارة، فكانت الفكرة والاستمارة أداة للتعبير عما هو قابع فى صدور جميع المصريين الرافضين لممارسات النظام والذين يريدون تغييراً سلمياً، فوقع اثنان وعشرون مليونا للفكرة وعلى الاستمارة، فى الوقت الذى لم يعرف مصرى وقع على «تمرد» اسماً واحداً من هؤلاء الشباب القائمين على الفكرة، فعبقرية «تمرد» كانت هى الفكرة فهى ليست حزباً أو تنظيماً أيديولوجيا يحمل أجندة سياسية يتم الاتفاق أو الاختلاف عليها، ولهذا فدور تمرد «الفكرة والاستمارة» قد أدى دوره تماما بمظاهرات 30 يونيو، فالجماهير التى وقَّعت على تمرد كان التوقيع على الفكرة وهى الانتخابات المبكرة، ولم يكن التوقيع تفويضا لأحد بذاته، وبالتالى لم يكن التوقيع لشباب تمرد الذين قاموا بدور مهم فى تجميع الاستمارات وحصرها وإعلانها، كما كان لهم الفضل فى تحملهم ما لاقوه من معاناة فى مرحلة التجميع، كما أنه لم يكن التوقيع لبرنامج سياسى أو خطة حزبية أو أجندة سياسية يتبناها أحد نيابة عن الجماهير الموقعة، وكعادة المصريين وجدنا القوى السياسية وعلى رأسها جبهة الإنقاذ والتى كانت قياداتها ترفض الانتخابات المبكرة تتبنى الفكرة وتستضيف شباب تمرد لركوب الموجة كالعادة.

ثم وجدنا شباب تمرد يتصدر مشهد 30 يونيو الذى أعلن فيه خارطة المستقبل- لا بأس به -كنوع من تمثيل الشباب، ثم وجدنا هؤلاء الشباب الذين لم يتعد عددهم أصابع كف اليد الواحدة يظهرون إعلاميا وكأنهم مفجرو ومنفذو ثورة يونيو، بل وكأنهم هم الأوصياء على هذه الثورة، فوجدنا الرئيس المؤقت يقابلهم ويسعى إليهم ويستمع إلى آرائهم وده لا مانع برضه، ثم فوجئنا بهم فى المجلس القومى لحقوق الإنسان «راتب عشرة آلاف ملطوش فى الشهر» وجدنا الاثنين إياهم فى لجنة الدستور وهذا شرف تاريخى ولا نعلم هذا هو نوع من التكريم أم جنى لثمار لا نعلم من هو صاحبها، وهل النضال الثورى لابد أن يكون له ثمن فى هذا البلد ولا يوجد شئ لوجه الله والوطن؟

والأهم هنا هو إعلان تمرد بأنهم أو أنها ستخوض الانتخابات البرلمانية بمفردها و على جميع المقاعد على مستوى الجمهورية، وهنا لا نعلم ما معنى هذا؟ وكيف؟ فهل تمرد قد أصبحت حزباً سياسياً له قواعده التنظيمية على مستوى الجمهورية ولا جماهيريته الحاشدة والمحتشدة التى يعتمد عليها فى هذه الانتخابات؟ أم أن هؤلاء الشباب يتصورون ويتخيلون أن من وقَّع على استمارة تمرد هو تابع لهم فيما يفعلون وهو وراءهم فيما يريدون؟ إذاكان كذلك وأعتقد أنه كذلك فعلى الجميع السلام فالأعراض الذاتية الفرعونية مازالت تلعب فى الجينات السياسية المصرية حتى الآن، وهذا الإعلان بخوض الانتخابات كان سببا فى كشف موقف القوى السياسية المدنية المتخاذلة، فهل هذا هو الموقف الواجب والنضال المطلوب لتكملة الثورة بموهبتها فى يناير ويونيو أم أن القضية مازالت هى السعى وراء المصالح والوجود والمكاسب التى تصرون أن تحصدوها باسم الوطنية والشعب.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق