رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلطنة.. كيف عاش الشعب العمانى تحت حكم السلطان قابوس؟

السلطان قابوس
السلطان قابوس

توفي السلطان قابوس بن سعيد، سلطان عمان، في ساعة مبكرة من صباح اليوم السبت، عن عمر يناهز 79 عامًا، وذكرت وكالة الأنباء العمانية أن ديوان البلاط السلطاني أعلن الحداد وتعطيل العمل الرسمي بالقطاعين العام والخاص لمدة 3 أيام وتنكيس الأعلام 40 يومًا.

وربما يظن الناظر من بعيد أن الحفاظ على الهدوء في عُمان مهمة يسيرة، لكن الواقع أن عُمان ليست باستثناء من سمات اجتماعية تشترك فيها سائر دول الخليج في جوارها القريب، فهي لا تتمتع بنقاء مذهبي أو طائفي يقيها أسباب التوتر الداخلي الأهلي بشكل طبيعي.

فسكانها موزعون في أغلبيتهم الساحقة بين المذهبين الإباضي والسني وأقلية شيعية صغيرة، فضلًا عن عدد لا يُستهان به من العمالة الأجنبية الوافدة، وإن كان يصعب حصر النسب والأوزان الدقيقة للطوائف لأن التكتم يطول هذا الملمح مثل غيره، وهناك خلاف بين البيانات الرسمية التي تزعم غلبة المذهب الإباضي على ثلاثة أرباع المواطنين، وبيانات يقدمها دارسون أجانب تزعم غلبة المذهب السني على أكثر قليلًا من نصف المواطنين.



كيف نأت السلطنة بنفسها عن الصراعات؟
يرى سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية، أنّه على الرغم من أنّ سلطنة عمان ليست أغنى دول الخليج، وكانت محتلة لفترات طويلة من قبل الإنجليز، إلا أن السلطان قابوس استطاع أن يقيم هدنته الخاصة مع دول منطقة الشرق الأوسط، وكسب ود الجميع الأمر الذي كان له أكبر الأثر فى الحفاظ على طبيعة الشعب الهادئة، ورغبتهم التامة فى الانعزالية مع توافر الأساليب المعيشية المنضبطة.

ويوضح "صادق" في حديثه لـ"الدستور" أن أغلبية سكان السلطنة يتبعون الإباضية، وهو مذهب يتميز بالمسالمة، والبعد عن المشاكل، وانعدام الفضول لما يحدث حوله، ودودين، متسامحين، وكرماء، يرفضون تسليط الأضواء، يهتمون فقط بحياتهم التي تكسوها الطبيعة والعمل، والموسيقى الحيوية والأوبرا، متطرقًا إلى طبيعتها الفريدة، ومواقعها السياحية الجميلة، وشعبها المختلف عن سائر شعوب المنطقة، قائلا: "لا يحتاج المرء عند قدومه عمان للكثير من الوقت ليدرك بأن العمانيين شعب مضياف وهادئ، يميل للتواضع دائمًا وبطبيعته يحب الجميع".

ويتابع "أستاذ علم الاجتماع السياسي" أنّ السلطنة لا تحبز فكرة الأحزاب أو النظم الملكية، وعندما نشبت فى السبعينيات الحركات الشعبية المتمردة، استطاعوا القضاء عليها، ولم يشتركوا فى الحرب العراقية الإيرانية، بل لم يفتعلوا أزمات، فقط كل ما يحدث هناك أن سلطانهم قابوس فتح أبواب قصره لكل شخص، وهذا ما جعله قادرًا بذكائه على انتشالهم من الصراعات التي تحدث حولهم، وجعلهم يحتفظون ببعض التقاليد القديمة كظاهرة الجِمال، وكان له الفضل فى إلغاء فكرة الرق والعبيد التي شاعت لفترة كبيرة وهذا سر حبهم له.

يرى "صادق" أن سبب بُعد السلطان قابوس عن النزاعات هو اعتقاده أنها لا تنتهي أبدًا، وبدلًا من ذلك فقد عمل على مساعدة الناس من خلال إظهار الحب لهم، وهذا يجبر السكان على عدم مغادرة بلادهم، أما عن طبيعة عمان فى حد ذاتها فهي محاطة بالجبال والمحيط، ويمكن للشخص القيام بالمغامرات والرحلات الاستكشافية كالشلالات والكنوز المائية، إلى جانب الصيد الذي يعتبر واحد من أشهر الهوايات الشائعة هناك.
العمل الجاد سر تفوق السلطنة
يصف الدكتور على عبد الراضي أخصائي العلاج النفسي، الطبيعة الاجتماعية والنفسية بين السلطان قابوس وشعبه بالأمان النفسي، فعلى الرغم من أنّه يمتلك ثروة كبيرة يسعى إليها العالم أجمع "البترول"، إلا أنّه استطاع أن يسيطر على الوضع بحكمة، ويخلق الأمان اللازم بين شعبه، ويمنح العلاقة مع جيرانه قدرًا كبيرا من الثقة.

يُوضح "عبد الراضي" في حديثه لـ"الدستور" أنّ سلطنة عمان يبلغ عدد سكانها أكثر من 4.5 مليون نسمة، ويشكل المواطنون العمانيون فيها 54% من أصل السكان، والعاصمة مسقط هي أكبر مدينة في عمان، حيث يعيش فيها غالبية السكان، وكذلك هي المدينة الوحيدة التي بها خدمات الصحة العقلية للأطفال والمراهقين، ومع ذلك يقدم نظام الصحة الوطني فى عمان مجانًا، وعلى أكمل وجه، الأمر الذي جعل منظمة الصحة العالمية تصنفها فى المرتبة الأولى بين 191 دولة عضو فى المنظمة من حيث أدائها فى مستوى الصحة، إضافة إلى أنه تم إنشاء مستشفيات خاصة بخدمة المرضى النفسيين، من أجل تقديم رعاية شاملة للأطفال والشباب حتى سن 18 عامًا ممن يعانون من اضطرابات الصحة العقلية، وبتلك الأمور يشعر المواطن بالانتماء إلى دولته، فيرتفع عنصر الثقة لديه، ويشعر بالتالي أنه مؤثر اجتماعيًا، وشريكًا فى بناء مؤسساته، ولديه القدرة التامة على اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية.

يرى "عبد الراضي" أن شعب السلطنة مطلع على العديد من الثقافات الأخرى، ولديه طاقات متجددة يوميًا تدفعه إلى الإنتاج، فهو شعب مضياف مع غيره من أشقائه العرب، إلى جانب ذلك فهم يدركون جيدا أن الاجتهاد فى العمل هو سيد الموقف، وذلك يدفعهم نحو بذل مزيد من الجهد من أجل اقتناص الفرص، مما يعود على الدولة برفع رصيدها الاقتصادي.

وعن حب الشعب للسلطان قابوس، يقول أخصائي الطب النفسي إن السلطان لديه القدرة على اتخاذ القرارات الدبلوماسية الصعبة والحكيمة، وهذا يجعله شريكًا قويًا فى المنطقة، على الرغم من عدم اختلاطه بالصراعات، فهو يتعامل بمنطق تجنيد المشكلة للحد من الصراع، وذلك عن طريق الصمت الذي لا يمكن تصنيفه على أنه سلبي سياسيًا، بقدر ما هو تحكم وريادة، وضبط حالة، وهذا هو سر حب الشعب للسلطان قابوس.
شعب يحترم طقوسه الدينية
يرى أستاذ التاريخ إبراهيم خليل أنّ عُمان من أقدم الدول المستقلة في العالم العربي، وواحدة من أكثر الدول التقليدية في منطقة الخليج، وكانت حتى السبعينيات من أكثرهم عُزلة، كما أنها تقع في منطقة استراتيجية عند مصب الخليج في الركن الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية.

ويضيف فى حديثه لـ"الدستور" أن عمان كانت موجودة كدولة متميزة منذ آلاف السنين، لكن بمفهومها الحديث فهي من صنع القرنين الماضيين، موضحًا أنّ اللغة العربية هي اللغة الرئيسية في البلاد منذ هجرة القبائل العربية منذ ما يقرب من ألفى عام، وتوجد بعض اللهجات الساحلية التي تستخدم عددًا من الكلمات المستعارة من البلوشية والبرتغالية.

يتابع "خليل" أن كل العمانيون مسلمون، وينقسمون بالتساوي تقريبًا إلى أهل السنة والإباضية، مع وجود نسبة صغيرة من الشيعة، ولكن لا يوجد مسيحيون عمانيون أو يهود، ويميل العمانيون إلى توخي الحذر في احترامهم للواجبات الدينية، وينفذ معظمهم الصلوات الخمس المقررة يوميًا، ويذهب العديد من الرجال إلى المساجد القريبة لأداء هذه الصلوات، ومن المخالف للقانون لديهم، تناول الطعام أو الشراب أو التدخين في الأماكن العامة خلال ساعات النهار في رمضان.

يتعامل شعب السلطنة مع المرض بالطب الحديث، وإذا فشل الأمر يلجأون إلى بعض الطقوس التقليدية كالعلاج بالأعشاب، ومحاربة الأرواح الشريرة، الأمر الذى ذاع بين النساء تحديدا في السلطنة.