رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لم يلتقيا مرة واحدة.. قصة حب مي زيادة وجبران خليل جبران

جريدة الدستور

الحب ليس دومًا في متناول الجميع، وليس دائم المكوث، فهو قد يأتي حينًا وقد يرحل في أحيانٍ أخرى ويختفي، فالحب هو الشعور الأسمى الذي يحمله الإنسان بين جنبيه، وهو الصدق والدموع والخوف والرهب، هو الوصول إلى أقسى متع الحياة، وهو الحياة أيضًا، ويترك في قلوب الناس أثرًا جميلًا رغم كل ما يمرون به فيه، من هذه الكلمات نشأت قصة الأديبة اللبنانية مي زيادة التي تحل اليوم ذكرى رحليها، وجبران خليل جبران.

نشا الحب بينهما، ودامت العاصفة زهاء، دون أن يلتقيا إلا في عالم الفكر والروح والخيال، إذ كان جبران في مغارب الأرض مقيما في أميريكا وكانت مي في مشارقها في القاهرة، ولم تتجاوز تلك القصة كونها حروف على ورق، فقد عاشا قصتهما دون أن يلتقيا.

لم يكن حب جبران وليدة نظرة بل كان حبا نشأ ونمأ عبر مراسلة أدبية طريفة ومساجلات فكرية وروحية ألفت بين قلبين وحيدين مغتربين، ومع ذلك كانا أقرب قريبين وأشغف حبيبين، وكانت مي معجبة بمقالات جبران وأفكاره فبدأت بمراسلته عقب إطلاعها على قصة "الأجنحة المتكسرة" التي نشرها في المهجر عام 1912، وكتبت له تعرب عن إعجابها بفكره وأسلوبه، وتناقش أراءه في الزواج وقيوده والحب وأطواره.
من هنا كانت البداية ومن ثم تواصل بالرسائل التي كان كل منهما يبحث عبرها عن روح الآخر في يقظته وأحلامه، كان كل منهما يسعى لرؤية ذاته في روح صاحبه.

وتوثقت الثقة بين جبران ومي، شيئًا فشيئًا لأن لهجته في مخاطبتها تدرجت من التحفظ إلى التودد، ومن الإعجاب إلى صداقة حميمة، ومن ثم إلى حب، وفي عام 1919 بلغ ذروته حتى عكرت صفوه سلسلة من الخلافات بينمها التب عبر عنها جبران مرة على أنها "هي معاكسات التي تحول عسل القلب إلى مرارة".

ودارت بين جبران ومي رسائل طويلة، كانا يقتربان من الحب ويمران بجانبه مرور الكرام ثمَّ يدوران حوله ثانية، هذا ما كان في بدايات مراسلاتهما، لكنَّ مي اعترفت بحبها لجبران في رسالتها التي قالت فيها: "جبران، لقد كتبتُ كلّ هذه الصفحات لأتحايد كلمة الحب، إن الذين لا يتاجرون بمظهر الحب، ينمِّي الحب في أعماقهم قوة ديناميكية رهيبة قد يغبطون الذين يوزعون عواطفهم في اللاء السطحي؛ لأنهم لا يُقاسونَ ضغط العواطف التي لم تنفجر، ما معنى هذا الذي أكتبه؟، إني لا أعرف ماذا أعني به، ولكنِّي أعرف أنك محبوبي، وأني أخاف الحب، أقول هذا مع علمي بأنَّ القليل من الحبِّ كثير، كيف أجسر على الإفضاء إليك بهذا؟، وكيف أفرّط فيه؟! لا أدري!، الحمد لله أني أكتبه على ورق ولا أتلفّظ به؛ لأنَّك لو كنت حاضرًا بالجسد لهربت خجلًا بعد هذا الكلام ولاختفيت زمنًا طويلًا، فما أدعك تراني إلا بعد أن تنسى!".

وجاء رد جبران عليها قائلًا: "تقولين لي إنّك تخافين الحب، لماذا تخافين يا صغيرتي؟، أتخافين نور الشمس؟، أتخافين مدَّ البحر؟، أتخافين مجيء الربيع؟، لماذا يا ترى تخافين الحب؟ أنا أعلم أنَّ القليل من الحبِّ لا يرضيك، كما أعلم أنَّ القليل في الحبِّ لا يرضيني، أنت وأنا لا ولن نرضى بالقليل، نحن نريدُ الكثير، نحن نريد كلَّ شيء، نحن نريد الكمال، لا تخافي الحب يا ماري، لا تخافي الحب يا رفيقة قلبي، علينا أن نستسلم إليه رغم ما فيه من الألم والحنين والوحشة، ورغم ما فيه من الالتباس والحيرة".

وتبادلت مي زيادة وجبران خليل جبران رسائل كثيرة، حملت في طياتها مواضيع مختلفة، من الأدب والشعر والفن وغيرها، وظلَّ حبهما خالدًا، ولكن دون أن يكتب لهما الاجتماع واللقيا، واستمرت مراسلاتهما إلى أن توفي جبران عام 1932م، وبقيت مي غارقة في حبه حتَّى توفيت بعده سنة 1941م.