رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما قبض الشاعر عزيز أباظة على خط الصعيد!

جريدة الدستور

ربما لا يعرف الكثيرون عن الشاعر "عزيز أباظة" المنحدر من الأسرة الأباظية المصرية المعروفة والشائع عنها أنها ذات أصول شركسية٬ كونه مدير الأمن السابق لعدة أقاليم مصرية، منها القليوبية والمنيا وبورسعيد وأسيوط.

في أول أكتوبر 1947 وصل إلى أسيوط التلغراف التالي٬ ونشرته الصحف: "إلى أهالي أسيوط الأعزاء اعتزلت العمل الحكومي وأرجو أن أنهي إليكم أن هذه الصلة التي انقطعت بيننا اليوم هي أهون ما بيننا من صلات٬ وستبقي صداقتنا وهي أقدس ما في الحياة". التوقيع: عزيز باشا أباظة مدير المديرية.

استقال عزيز باشا أباظة عقب مصرع الخط. ولم تنقطع علاقته بأسيوط. كتب عنها على ضفاف نيلها قصيدته: "همسة حائرة" عن قصة حبه لإحدى فتياتها. فما علاقة مصرع خط الصعيد الشهير بالشاعر عزيز أباظة؟ هذا ما يكشفه الكاتب عادل سعد٬ في روايته"الأسايطة" والصادرة عن دار روافد للنشر.

يسرد "سعد" جانبا من سيرة الخط الذاتية٬ وكيف أن جده كان فقيها في علوم القرآن اشتهر بـ(سر الختمة)، أي الأمين علي القرآن. وعرفت عائلته باسم (الختمة) بكسر الخاء٬ ثم تحور اللفظ فأصبح (الختم) ثم (الخت) ثم تطور إلي الخط بضم الخاء. اسمه بالكامل "محمد محمد منصور٬ خط الصعيد ولد عام 1907 تقريبا بقرية درنكة مركز أسيوط٬ ومات عام 1947. كان بريئا٬ عند سن الفتوة اصطدم بشيخ خفراء قريته "درنكة" حميدة٬ عندما منعه الأخير من الرعي وتمادي في تعديه على الشاب محمد فلطمه بصفعة قوية٬ كان رده عليها بأن قتل شيخ الخفراء٬ بعد ذلك قتل محمود عم الخط وكبير عائلتهم٬ فكان رد الخط السريع قتل تسعة أفراد من عائلة حميدة "شيخ الخفراء" بمعدل ثلاثة كل ليلة. هرب الخط إلى الجبال واتخذ من إحدى المغارات مقرًا لإقامته.

وخلال وقت قصير أصبح للخط أعوان٬ معظمهم هاربون من أحكام٬ التفوا حوله لتنفيذ مهمات توكل إليهم، وكان أخطر هؤلاء ساعده الأيمن "صالحين عبد المحسن" وخاله عواد٬ إذ إن أشقاءه جميعا لقوا مصرعهم واحدا تلو الآخر. كان وجهه الأشقر يساعده٬ ويتنكر في ملابس باشاويش ويرتدي البدلة الإفرنجي٬ ويجلس في الصالون مع ضابط المديرية ولا يعرفه٬ ونسب إليه فشل الأمن في العثور على مرتكى الجرائم، وكانت أسطورته تتضخم يوما بعد يوم. حتى إن مجلة المصور نشرت خبرًا عنه وعن أسيوط: "خلال الاحتفال بعيد ميلاد جلالة الملك فاروق السابع والعشرين٬ وفيما كان الملك يصافح المدعوين من كبار الشخصيات٬ جاء دور صاحب السعادة عزيز أباظة، مدير مديرية أسيوط، فبادره الملك بعبارة ذات مغزي خاص فهمه الشاعر الكبير٬ إذ قال له الملك: "يا عزيز باشا الحظ بنقطة فوق الخاء ولا نقطة فوق الطاء؟! وكان ظاهر العبارة أن الحظ يلازم الخط الذي كانت أخباره ملء السمع والبصر٬ لكن المعنى المبطن يقصد فشل مدير المديرية في القضاء على الخط ونوع من اللوم في ثنايا الدبلوماسية الملكية".

عاد عزيز أباظة إلي أسيوط٬ واجتمع بمعاونيه وراح يوبخهم٬ وخص عبدالحق بك مأمور مركز منفلوط بالقدر الكبير من اللوم٬ فعاد عبدالحق بك وقرر خلال اجتماعه بضباطه تشكيل (فرقة الموت) بقيادة الملازم أول محمد سعيد هلال وبمساعدة الكونستابل محمود الغول. ومهمتها قتل الخط لا القبض عليه٬ لأن أجهزة التحقيق أمام النيابة والقضاء قد لا تقتنع بشهادات سمعية٬ ولأن الخط لم يضبط مرة واحدة متلبسا بارتكاب جريمة. راحت الفرقة تجوب أرجاء أسيوط٬ وتتبادل الاشتباكات مع المطاريد في معارك سقط فيها أكثر من مائة مطارد٬ لكن الخط لم يكن من بينهم إذ تمتع بنوع من الحدس وقدرة فائقة على الرماية. بندقيته الإنجليزية طراز (لي إنفليد) يستطيع بها إصابة ضحيته في الرأس من على بعد مئات الأمتار. حاولت فرقة الموت نصب الفخاخ للخط عند نزوله من الجبل٬ فاستأجر مأمور منفلوط 3 راقصات ليرقصن ثلاثة أيام متواصلة في بلدة العزبة التابعة للمركز. لعل الخط يبتلع الطعم. لكنه غشى خبائهن متخفيا ورجاله يحرسونه٬ واستمتع بالراقصات الحكوميات ثم تمكن من الفرار.

على أن نهاية "الخط" كانت علي يد "حليمة" زوجة خفير وابور المالطي٬ والتي بسببها تخلي الخط عن حرصه وحوطه فانقلبت أحواله وشم رائحته رجال الأمن. ومن خلال عمدة قرية "الوحشات" والذي كان على علاقة وثيقة بالخط وكان يتوسط بينه وبين أهالي المخطوفين، إلا أن الخط كان قد خطف في تلك الأيام صبي قبطي "شوقي عوض حنا" وطالب أهله بفدية 200 جنيه لإعادته٬ فطلب أهل الصبي وساطة العمدة لدى الخط٬ فذهب إليه وخفض المبلغ لمئة جنيه وعاد بالصبي المخطوف. خرج الخط للمكان المتفق عليه لتسلم الفدية٬ فوجد شقيقي المخطوف بدون المبلغ المتفق عليه٬ فتصور أن هناك مؤامرة ضده، فساق الشابين أمامه لحقل الذرة. على الطريق شاهده أحد الرعاة فأسرع لإخبار العمدة الذي جمع عددا من أقاربه المسلحين.

سمع العمدة صوت رصاص قادم من الحقل٬ فظن أن الخط قتل الشابين٬ وصل إلى الخط والدم يغلي في عروقه٬ دارت بينهما مشادة كلامية. احتضنه العمدة ليقيد حركته ومنعه من حمل البندقية٬ ولم ينجح الخط فى الإفلات من العمدة. تجمع أعوان العمدة وأطلقوا الرصاص ثم سكتت البنادق٬ وانجلى الغبار عن مصرع الخط بــ21 طلقة وإلى جواره معاونه عبدالصالحين وقد مزقه الرصاص في 6 أغسطس 1947.