رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وثيقة الأوهام.. أقدم بردية تزعم: المسيحيون المصريون لم يتعرضوا للاضطهاد الرومانى

جريدة الدستور

- الجماعات الدينية تمكنت من العيش بسلام فى ظلال الإمبراطورية الرومانية
- البردية تكشف: المسيحية انتشرت فى المناطق النائية فى مصر بحلول القرن الثالث
بعد أيام من إعلان جامعة بازل بسويسرا الكشف عن أقدم بردية مسيحية مصرية تعود للعام ٢٣٠ ميلاديًا، أصدرت سابين هوبنر، أستاذة التاريخ القديم بالجامعة، كتابا جديدا تحت عنوان «البرديات والعالم الاجتماعى للعهد الجديد»، نشرت خلاله المزيد من التفاصيل حول البردية التى تعد أقدم رسالة مسيحية مكتوبة بخط يد كاتبها الأصلى، وتزعم أن محتواها ينفى تعرض المسيحيين فى بلد الأهرامات للاضطهاد خلال عهد الرومان. وقالت أستاذة التاريخ القديم إن البردية تحتوى على يوميات لحياة أوائل معتنقى الديانة المسيحية فى مصر خلال عهد الرومان، وتعكس الكثير من الأفكار والمعتقدات الدينية للإمبراطورية الرومانية حينها، وتنفى تعرض الجماعات المسيحية للاضطهاد فى مصر فى تلك الحقبة.
وأوضحت «هوبنر» فى تصريحات لمجلة «نيوزويك» الأمريكية أنه «منذ قرون كتب أحد المسيحيين الأوائل فى الإمبراطورية الرومانية الذين عاشوا فى مصر خطابًا إلى أحد معارفه على ورق البردى، وقد نجت هذه الرسالة لمئات السنين ولم تتعرض للتلف، ووصلت ضمن مجموعة من البرديات إلى جامعة بازل بسويسرا، حيث شوهدت آخر مرة بسوق للآثار عام ١٨٩٩».
وأشارت «هوبنر» إلى أن «البردية تعد أقدم دليل وثائقى مسيحى من مصر الرومانية، وأقدم رسالة مسيحية موجودة حتى الآن فى أى مكان فى العالم، وتكمن أهميتها فى أنها أقدم وثيقة بخط يد مسيحى منذ ١٨٠٠ عام».
وتابعت: «لدينا رسائل بولس الرسول من القرن الأول الميلادى وكتابات أخرى من آباء الكنيسة فى القرن الثانى، ولكن ليس لدينا النسخ الأصلية لها، لكن هذه الرسالة الموجودة بالبردية تحوى أقدم خط يد لمسيحى».
وذكرت «هوبنر» أن صاحب الرسالة «رجل يدعى أريانوس وأرسلها لأخيه بولس وكتبها باللغة اليونانية القديمة، ويدور محتواها حول الأمور العائلية والأنشطة اليومية».
وأكدت أن «الرسالة تثبت عدم تعرض المسيحيين أو أى من الجماعات الدينية فى مصر لاضطهاد فى عهد الرومان، لأن الرسالة التى كتبها المسيحى اختتمها بعبارة: (الرب يرعاك) وهو ما يؤكد أنه لم تكن هناك أى تخوفات من الجهر بالمصطلحات الدينية آنذاك والتى تميزه كمسيحى عن غيره».
وقالت «هوبنر»: «إن الرسالة داخل البردية لا تترك مجالًا لشك حول المعتقدات المسيحية لكاتبها، لاحتوائها على صيغ مسيحية واضحة وصريحة ومعروفة لدى المسيحيين الحاليين، وهى مأخوذة من مخطوطات العهد الجديد، حتى إن اسم المرسل إليه مسيحى خالص».
وتابعت أن «تأريخ الرسالة وتحديد أصلها استغرق بعض أعمال البحث الخطيرة والمعقدة والمهمة، وقد تم استخدام طريقة بحث إيجابية لتحديد عمرها، وتتضمن دراسة الخصائص المشتركة لعدة وثائق تاريخية ومقارنتها بها».
وأضافت أستاذة التاريخ القديم أن «مصدر البردية لم يكن معروفًا حتى وقت قريب، لكن بفضل التحليل المكثف تم التوصل إلى أنها خرجت من قرية ثيدلفيين الرومانية وسط مصر القديمة آنذلك».
وواصلت أن «البردية تنتمى إلى أكبر أرشيف برديات فى العصور الرومانية، يسمى بأرشيف (هيرونينوس) الذى يضم أكثر من ألف وثيقة».
وقالت «هوبنر» إن «الأشخاص الذين وردت أسماؤهم فى الرسالة هم أريانوس وبولس، وهيراكليديس وهى أسماء تظهر أيضًا فى أوراق بردية أخرى من أرشيف هيرونينوس، وتؤكد إحدى هذه الوثائق أن هيراكليدس كان كبير كهنة مدينته وعضو مجلس المدينة فى ٢٣٩م، كما أن تلك الأسماء كانت ضمن نخبة المجتمع والمسئولين الحكوميين وملاك الأراضى». وأشارت إلى أن «الرسالة كُتبت قبل فترة وجيزة من عام ٢٣٩ ميلادى، حيث يقول أريانوس فيها إن هيراكليديس تم ترشيحه للتو لمجلس المدينة، وتؤكد أيضًا أن أريانوس وبولس كانا أبناء متعلمين لأحد أعضاء النخبة المحلية، وتلقى الرسالة ضوءًا جديدًا على وضع المسيحيين فى هذا الوقت تحديدًا فى مصر القديمة».
وأردفت: «الرسالة توضح لنا أن المسيحية قد انتشرت فى المناطق النائية فى مصر بحلول القرن الثالث أو حتى قبل ذلك بكثير، حيث يبدو أن والدى الأخوين كانا مسيحيين، لأنهما أطلقا على أحد أبنائهما بولس، وتخبرنا الرسالة أيضًا أن المسيحيين العاديين تمكنوا من اعتناق ديانتهم الجديدة والبقاء فى نفس الوقت داخل طبقة النبلاء المحلية، وتقلدوا المناصب السياسية وكانوا ضمن مديرى العقارات الكبيرة فى مصر القديمة آنذاك».
وزعمت «هوبنر» أنه «بهذا نتأكد أن المسيحيين لم يتم اضطهادهم بدليل جهرهم بإيمانهم وتمتعهم بمكانتهم الاجتماعية والمادية والسياسية فى مصر فى ذلك الوقت، والرسالة تثبت أن الجماعات الدينية لم تتعرض جميعها للاضطهاد فى جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية وأنها تمكنت من العيش فى سلام نسبى فى بعض الأحيان».
وأضافت أن «الرسالة تكشف اهتمام المصريين بالحياة الرياضية والسياسية، وخلال سطورها يبدى كاتبها إعجابه بقصص عن المراكز الرياضية المحلية، وأيضًا الأطعمة المصرية ومنها صوص كبد السمك المفضل لديه».